وأخيراً حقَّ الحقّ، وجاء الحكم بعد سنوات طويلة من الانتظار، بالاقتصاص ممّن اغتالوا رئيس الجمهورية الشهيد الشيخ بشير الجميّل الذي شكّلَ وما يزال ظاهرةً لمن أحبّه، وأملاً لمن آمنَ به وبقضيته، ورسالة الجمع التي أرادها بين جميع اللبنانيين. لقد أنصَف المجلس العدلي الرئيسَ الشهيد وعائلته ورفاقه وكلَّ الشهداء الذين سقطوا معه في ذلك اليوم المشؤوم، وباسمِ الشعب اللبناني قرّر معاقبة القتلة وإصدار حكمٍ غيابي بإعدام حبيب الشرتوني ونبيل العَلم وتجريدهما من حقوقهما المدنية.
لعلّها لحظة جرأةٍ مشهودة للقضاء اللبناني في مقاربة قضية بحجم اغتيال الرئيس الشهيد بشير الجميّل، ولعلّ هذا الحكم الاستثنائي في مضمونه والبالغ الدلالة والمعاني الكبرى في رمزيته، يشكّل فاتحة لجلاء كلّ الحقائق المرتبطة بمسلسل الاغتيالات السياسية التي شهدها هذا البلد على مدى السنوات الاثنتي عشرة الماضية وطاوَلت شخصيات سياسية ودينية وإعلامية وعسكرية، وبالتالي إصدار الاحكام، وإنزال العقوبات بالقتلة والمجرمين والمحرّضين.
وبقدر ما هو حُكم على من اغتال بشير الرمز، فهو في الوقت ذاته، حُكم على من اغتالَ الدولة التي حلمَ فيها بشير، وأرادها دولةً مصانة سيادتها، نظيفة، قوية، قادرة، صاحبة قرارها، يَحكمها العدل والقانون، دولة عنوانُها الثواب والعقاب والرَجل المناسب في المكان المناسب، لقد أرادها الدولةَ التي تشكّل الإطار العام والحاضنة لكلّ اللبنانيين، لا بل الوعاء الكبير الذي يُرمى منه كلّ إرث الحرب المشؤومة، ويستوعب كلّ المكوّنات اللبنانية السياسية والروحية.
هذه الدولة التي حلمَ بها بشير ما زالت حلماً، ومع السلطة الحاكمة والذهنية المستحكمة في إدارة البلد وتوجيه دفّتها نحو المنافع والمكاسب والصفقات والمغانم والمحسوبيات، فإنّ هذه الدولة ما زالت حلماً بعيدَ المنال.
ولأنّ منطق الاغتيال السياسي مرفوض، فقد تخطّى الترحيبُ بإعدام قتلة الجميّل الساحة المسيحيّة، الى كلّ الشرائح اللبنانية التي ترفض هذا المسلسل الإجرامي، وتنتظر ان ينال المجرمون عقابهم. ولأن منطق الثأر مرفوض ايضاً، قابلت عائلة الرئيس الشهيد الحكم بردّة فِعل تجلّت في رفضها اعتبارَ هذا الحكم ثأراً أو انتقاماً إنما عودة العدالة الى الدولة اللبنانية، وعودة الدولة اللبنانية.
وبين المجلس العدلي الذي قرّر وبين ساحة ساسين في الأشرفية، التي شكّلت رمزاً للمقاومة اللبنانية ولانطلاقة بشير، تجلّى مشهد العدالة، وإنْ تأخّرت 35 عاماً.
وسريعاً، تردّد صدى الحكم في كلّ لبنان، وفي الأشرفية على وجهِ الخصوص، تلك المنطقة التي استشهد فيها الجميّل ورفاقه، وكانت شاهداً على فصول من المقاومة التي قادها. كان الجميع على الموعد، حضَر رفاق بشير ومن قاوَم معه، إضافةً الى الأجيال الصاعدة التي لم تُعايش تلك المرحلة، بل سمعَت عنه وتحلم به.
وفي الساحة صورُ البشير تعلو، الأغاني الوطنية تُحرّك الجميع وصوتُ الرئيس الشهيد يَصدح بخطاباته الوطنية ومطالبتِه بقيام الدولة والحفاظ على لبنان الـ 10452 كلم مربّعاً، وذلك في مشهدية تاقَ لها اللبنانيون بحيث استعادت صوَرَ ونضالات تلك المرحلة.
تميَّز الجمعُ الغفير في ساحة ساسين بالتنظيم، وتميّز بحضور عوائل الشهداء وحشدٍ من الرفاق إضافةً الى خليطٍ سياسي. وأشار نجلُ الشهيد النائب نديم الجميّل الى انّ «هذا الحكم وهذه العدالة التي نشهدها اليوم تاريخية، وهي من أجلِ شهداء 14 أيلول اوّلاً، وهي وسامٌ على صدر كلّ شهيد وكلّ عائلة لديها شهيد سَقط في التفجير، وهي شهادة من قبَل لبنان الرسمي والدولة اللبنانية والقضاء اللبناني لكلّ الشهداء، وشهداؤنا سَقطوا من اجلِ الحرّية والسيادة والاستقلال، واليوم هذا القضاء وهذه المحكمة التي تصدر لاوّل مرّة حكماً بهذه الأهمية، أعطتنا الحقّ، لنا وللقضية التي استشهد من اجلِها بشير الجميّل».
رزق
وقال الوزير السابق إدمون رزق لـ«الجمهورية»: «للمرّة الاولى منذ 35 سنة، وفي عشرات الدعاوى وحالات الاغتيالات والتفجيرات والقتل، وفي خضمّ التشكيك بالمؤسسات والطعن بالقضاء الذي يعيش محنةً متمادية جرّاء وضعِ اليد السياسية عليه ما أدّى الى نوع من الشلل فيه، يَصدر عن اعلى محكمة مختصة بالجرائم الواقعة على أمن الدولة، اي المجلس العدلي، حُكم في قضية لها جوانب سياسية ولكنّها جريمة ارهابية، ما يؤشّر على عودة إعادة الاعتبار الى مؤسسة العدالة، وننظر الى هذا الإنجاز، ليس من خلال الافرقاء المتنازعين وإنما من خلال قرار القضاء استعادةَ اعتباره».
قزّي
وقال الوزير السابق سجعان قزي لـ«الجمهورية»: «اليوم لم يعُد الحقّ الى الرئيس بشير الجميّل لأنه اكبر من حكمِ الإعدام على مجرم، إنّما عاد الحق الى الدولة اللبنانية لأنّ الشهيد هو رئيس جمهورية.
وأعجب انّ مجلس الوزراء الذي تبلّغَ الحكم اثناءَ انعقاده لم يُصدر بيانا يرحّب به لأنّ المعنيّ هو رئيس جمهورية وليس رئيس حزب أو رئيس ميليشيا أو رئيس عشيرة، ممّا يعني انّ القضاء اللبناني كان أجرَأ من مجلس الوزراء. وأهنّئ الرئيس جان فهد وأعضاءَ مجلس القضاء الاعلى على الشجاعة التي تحلّوا بها».
ما بعد الموازنة
سياسياً، استراح البلد من جلسة الموازنة، وهدأ النقاش، وعاد الجميع الى سابِق اهتماماتهم، او بالاحرى الى متاريسهم والتراشقِ من خلفِها على جاري العادة، في انتظار قضيّةٍ سياسية او غير سياسية تشغلهم، فإمّا تُبقيهم خلف هذه المتاريس مع تقاصُفٍ متبادل بين هذا المتراس وذاك، أو تُخرجهم موقّتاً من خلفِها على ان يعودوا إليها في لحظة توتّرٍ وخِلاف.
وإذا كان قانون موازنة العام 2017 قد سَلك طريقَه الى النفاذ بنشرِه وإصداره، فقد كثرَ الحديث في الساعات الماضية عن توجّهٍ نيابي للطعن بها امام المجلس الدستوري، وتشير الاصابع هنا الى حزبِ الكتائب ليكونَ رأسَ حربة الطعن بذريعة انّ الموازنة تعتريها مخالفات دستورية.
وفي هذا الجوّ، يبدو انّ لعبة تقاذُفِ كرةٍ تتمّ بين رئاسة الجمهورية ومجلس النواب.
والبارز في هذا السياق قرار رئيس الجمهورية إعادة 4 قوانين الى مجلس النواب لإعادة النظر فيها، وتتعلّق بترقية مفتشين في الامن العام، وتسوية اوضاع مفتشين في الامن العام، وترقية رتباء في قوى الامن الداخلي الى رتبة ملازم، ومنحِ الحكومة حقّ التشريع الجمركي.
ويفترض مع ردّ هذه القوانين ان يناقشها مجلس النواب في الجلسة التشريعية المقبلة. ورَفضت مصادر نيابية اعتبارَ خطوة رئيس الجمهورية هذه بالاستفزازية وقالت لـ«الجمهورية»: «الرئيس مارَس حقّه وصلاحيته الدستورية، والمجلس يحترم قرارَ الرئيس، وبالتأكيد انّ للرئيس اسبابَه وملاحظاته الدافعة الى الرد، إلّا انّ الكلمة الفصل في النهاية هي للمجلس النيابي».
جلسة مكهربة
إلى ذلك، انعقد مجلس الوزراء أمس، في جلسة تعرّضَت للَسَعاتٍ كهربائية من ملفّ البواخر، الذي طرِح كمادةٍ ساخنة امام الوزراء، لاستمرار تأرجُحِه في الالتباسات والغموض الذي يَعتريه، بالاضافة الى الاتهامات التي تطلَق على كلّ لسان، والتساؤلات التي تحيط به من كلّ جانب، سواء حول الشركة التركية الوحيدة «كارباور شيب»، او حول موجبات الحماسة لهذه الشركة، والإصرار عليها من قبَل نافذين في الحكومة.
وكما كان متوقّعاً فإنّ هذا الملف سيُعاد مجدّداً الى إدارة المناقصات، ومدّدت المهل لاستكمال بعض الشركات اوراقها ولتصبح مؤهّلةً لكي تدخل في المنافسة على استجرار الكهرباء من المعامل العائمة (البواخر).
على ان ترفع ادارة المناقصات تقريرَها في هذا الامر الى لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري وعضوية وزراء الطاقة سيزار ابي خليل، والمال علي حسن خليل، والشباب والرياضة محمد فنيش، والاشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس، والوزيرين ايمن شقير وعلي قانصوه، مهمّتها درسُ العروض ورفعُ النتيجة الى مجلس الوزراء. وذلك بحسب ما ورَد في المقرّرات الرسمية بعد الجلسة.
وفيما عبّرت مصادر وزارية عن خشيتِها ممّا سمّتها «محاولة تحايُل جديدة، الهدفُ منها فتحُ الطريق مجدداً امام الشركة التركية بالقول انّه لا يوجد عارضٌ وحيد بل اكثر من عارض إذ خلال مهلة الاسبوع الممدّدة، قد تستكمل شركة او شركتان اوراقَهما، وهذا معناه نظرياً أنّ هناك اكثرَ من عارض، وبالتالي صار فضُّ العروض مفروضاً لاختيار الأنسب والافضل، علماً أنّ المستندات الناقصة لها علاقة بالتنفيذ والكفالة.
وعلمت «الجمهورية» أنّه مع إحالة الامر مجدداً الى ادارة المناقصات، فإنّ هذه الادارة لن تجعلَ من نفسِها ممرّاً لأيّ محاولات تحايُل، بل هي ستتقيّد بقرار مجلس الوزراء وتُنفّذه، مع تقيُّدِها الصارم وإلى ما لا نهاية بأحكام القانون اثناء التنفيذ.
وفي المعلومات، أنّه خلال جلسة مجلس الوزراء امس، عرَض وزير الطاقة تقرير ادارة المناقصات، الذي اشار الى بقاء شركة واحدة في المناقصة لانّ الشركات الثلاث الاخرى لم تستوفِ الشروط وكانت بحاجة الى وقتٍ اضافي لاستكمال اوراقِها ومستنداتها.
هنا دارَ نقاش مطوَّل، خصوصاً بين وزراء «القوات» من جهة والوزيرين جبران باسيل وأبي خليل من جهة اخرى، تطوَّر الى حوار مباشَر بين الحريري والوزير غسان حاصباني، بدا فيه الحريري منفعلاً لدى مخاطبته حاصباني بالقول: «إنّها المرة الاخيرة التي نَفتح فيها ملفّ الكهرباء. أريد ان أبلغَك وأبلغَ مجلس الوزراء بأنّه في المرة المقبلة سيكون القرار النهائي ولن اسمحَ بعد اليوم بالمماطلة». وسألَ الحريري حاصباني: «ما هي مشكلتك؟ أنت لا تريد البواخر؟
فأجابه: «لستُ موافقاً على كلّ الطريقة التي يُقارَب فيها هذا الملف».
فردّ الحريري «يعني أنتَ معترض»؟
أجابه حاصباني: «نعم أنا معترض».
فحسَم الحريري الجدل قائلاً له: «اذاً، سجِّل اعتراضك».
وفي نهاية النقاش تمّ التوافق في مجلس الوزراء على طرحِ الحريري بتمديد أسبوع للشركات من اجلِ أن تستكمل ملفّاتها مقترحاً تشكيلَ لجنةٍ برئاسته لمتابعة هذا الموضوع، على ان ترفع اللجنة تقريرَها الى مجلس الوزراء في مدة اسبوع لأخذِ القرار النهائي بفضّ العروض. وقد سجّلت معارضة وزراء «القوات» حول هذا الأمر.
وبقدر ما هو حُكم على من اغتال بشير الرمز، فهو في الوقت ذاته، حُكم على من اغتالَ الدولة التي حلمَ فيها بشير، وأرادها دولةً مصانة سيادتها، نظيفة، قوية، قادرة، صاحبة قرارها، يَحكمها العدل والقانون، دولة عنوانُها الثواب والعقاب والرَجل المناسب في المكان المناسب، لقد أرادها الدولةَ التي تشكّل الإطار العام والحاضنة لكلّ اللبنانيين، لا بل الوعاء الكبير الذي يُرمى منه كلّ إرث الحرب المشؤومة، ويستوعب كلّ المكوّنات اللبنانية السياسية والروحية.
هذه الدولة التي حلمَ بها بشير ما زالت حلماً، ومع السلطة الحاكمة والذهنية المستحكمة في إدارة البلد وتوجيه دفّتها نحو المنافع والمكاسب والصفقات والمغانم والمحسوبيات، فإنّ هذه الدولة ما زالت حلماً بعيدَ المنال.
ولأنّ منطق الاغتيال السياسي مرفوض، فقد تخطّى الترحيبُ بإعدام قتلة الجميّل الساحة المسيحيّة، الى كلّ الشرائح اللبنانية التي ترفض هذا المسلسل الإجرامي، وتنتظر ان ينال المجرمون عقابهم. ولأن منطق الثأر مرفوض ايضاً، قابلت عائلة الرئيس الشهيد الحكم بردّة فِعل تجلّت في رفضها اعتبارَ هذا الحكم ثأراً أو انتقاماً إنما عودة العدالة الى الدولة اللبنانية، وعودة الدولة اللبنانية.
وبين المجلس العدلي الذي قرّر وبين ساحة ساسين في الأشرفية، التي شكّلت رمزاً للمقاومة اللبنانية ولانطلاقة بشير، تجلّى مشهد العدالة، وإنْ تأخّرت 35 عاماً.
وسريعاً، تردّد صدى الحكم في كلّ لبنان، وفي الأشرفية على وجهِ الخصوص، تلك المنطقة التي استشهد فيها الجميّل ورفاقه، وكانت شاهداً على فصول من المقاومة التي قادها. كان الجميع على الموعد، حضَر رفاق بشير ومن قاوَم معه، إضافةً الى الأجيال الصاعدة التي لم تُعايش تلك المرحلة، بل سمعَت عنه وتحلم به.
وفي الساحة صورُ البشير تعلو، الأغاني الوطنية تُحرّك الجميع وصوتُ الرئيس الشهيد يَصدح بخطاباته الوطنية ومطالبتِه بقيام الدولة والحفاظ على لبنان الـ 10452 كلم مربّعاً، وذلك في مشهدية تاقَ لها اللبنانيون بحيث استعادت صوَرَ ونضالات تلك المرحلة.
تميَّز الجمعُ الغفير في ساحة ساسين بالتنظيم، وتميّز بحضور عوائل الشهداء وحشدٍ من الرفاق إضافةً الى خليطٍ سياسي. وأشار نجلُ الشهيد النائب نديم الجميّل الى انّ «هذا الحكم وهذه العدالة التي نشهدها اليوم تاريخية، وهي من أجلِ شهداء 14 أيلول اوّلاً، وهي وسامٌ على صدر كلّ شهيد وكلّ عائلة لديها شهيد سَقط في التفجير، وهي شهادة من قبَل لبنان الرسمي والدولة اللبنانية والقضاء اللبناني لكلّ الشهداء، وشهداؤنا سَقطوا من اجلِ الحرّية والسيادة والاستقلال، واليوم هذا القضاء وهذه المحكمة التي تصدر لاوّل مرّة حكماً بهذه الأهمية، أعطتنا الحقّ، لنا وللقضية التي استشهد من اجلِها بشير الجميّل».
رزق
وقال الوزير السابق إدمون رزق لـ«الجمهورية»: «للمرّة الاولى منذ 35 سنة، وفي عشرات الدعاوى وحالات الاغتيالات والتفجيرات والقتل، وفي خضمّ التشكيك بالمؤسسات والطعن بالقضاء الذي يعيش محنةً متمادية جرّاء وضعِ اليد السياسية عليه ما أدّى الى نوع من الشلل فيه، يَصدر عن اعلى محكمة مختصة بالجرائم الواقعة على أمن الدولة، اي المجلس العدلي، حُكم في قضية لها جوانب سياسية ولكنّها جريمة ارهابية، ما يؤشّر على عودة إعادة الاعتبار الى مؤسسة العدالة، وننظر الى هذا الإنجاز، ليس من خلال الافرقاء المتنازعين وإنما من خلال قرار القضاء استعادةَ اعتباره».
قزّي
وقال الوزير السابق سجعان قزي لـ«الجمهورية»: «اليوم لم يعُد الحقّ الى الرئيس بشير الجميّل لأنه اكبر من حكمِ الإعدام على مجرم، إنّما عاد الحق الى الدولة اللبنانية لأنّ الشهيد هو رئيس جمهورية.
وأعجب انّ مجلس الوزراء الذي تبلّغَ الحكم اثناءَ انعقاده لم يُصدر بيانا يرحّب به لأنّ المعنيّ هو رئيس جمهورية وليس رئيس حزب أو رئيس ميليشيا أو رئيس عشيرة، ممّا يعني انّ القضاء اللبناني كان أجرَأ من مجلس الوزراء. وأهنّئ الرئيس جان فهد وأعضاءَ مجلس القضاء الاعلى على الشجاعة التي تحلّوا بها».
ما بعد الموازنة
سياسياً، استراح البلد من جلسة الموازنة، وهدأ النقاش، وعاد الجميع الى سابِق اهتماماتهم، او بالاحرى الى متاريسهم والتراشقِ من خلفِها على جاري العادة، في انتظار قضيّةٍ سياسية او غير سياسية تشغلهم، فإمّا تُبقيهم خلف هذه المتاريس مع تقاصُفٍ متبادل بين هذا المتراس وذاك، أو تُخرجهم موقّتاً من خلفِها على ان يعودوا إليها في لحظة توتّرٍ وخِلاف.
وإذا كان قانون موازنة العام 2017 قد سَلك طريقَه الى النفاذ بنشرِه وإصداره، فقد كثرَ الحديث في الساعات الماضية عن توجّهٍ نيابي للطعن بها امام المجلس الدستوري، وتشير الاصابع هنا الى حزبِ الكتائب ليكونَ رأسَ حربة الطعن بذريعة انّ الموازنة تعتريها مخالفات دستورية.
وفي هذا الجوّ، يبدو انّ لعبة تقاذُفِ كرةٍ تتمّ بين رئاسة الجمهورية ومجلس النواب.
والبارز في هذا السياق قرار رئيس الجمهورية إعادة 4 قوانين الى مجلس النواب لإعادة النظر فيها، وتتعلّق بترقية مفتشين في الامن العام، وتسوية اوضاع مفتشين في الامن العام، وترقية رتباء في قوى الامن الداخلي الى رتبة ملازم، ومنحِ الحكومة حقّ التشريع الجمركي.
ويفترض مع ردّ هذه القوانين ان يناقشها مجلس النواب في الجلسة التشريعية المقبلة. ورَفضت مصادر نيابية اعتبارَ خطوة رئيس الجمهورية هذه بالاستفزازية وقالت لـ«الجمهورية»: «الرئيس مارَس حقّه وصلاحيته الدستورية، والمجلس يحترم قرارَ الرئيس، وبالتأكيد انّ للرئيس اسبابَه وملاحظاته الدافعة الى الرد، إلّا انّ الكلمة الفصل في النهاية هي للمجلس النيابي».
جلسة مكهربة
إلى ذلك، انعقد مجلس الوزراء أمس، في جلسة تعرّضَت للَسَعاتٍ كهربائية من ملفّ البواخر، الذي طرِح كمادةٍ ساخنة امام الوزراء، لاستمرار تأرجُحِه في الالتباسات والغموض الذي يَعتريه، بالاضافة الى الاتهامات التي تطلَق على كلّ لسان، والتساؤلات التي تحيط به من كلّ جانب، سواء حول الشركة التركية الوحيدة «كارباور شيب»، او حول موجبات الحماسة لهذه الشركة، والإصرار عليها من قبَل نافذين في الحكومة.
وكما كان متوقّعاً فإنّ هذا الملف سيُعاد مجدّداً الى إدارة المناقصات، ومدّدت المهل لاستكمال بعض الشركات اوراقها ولتصبح مؤهّلةً لكي تدخل في المنافسة على استجرار الكهرباء من المعامل العائمة (البواخر).
على ان ترفع ادارة المناقصات تقريرَها في هذا الامر الى لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري وعضوية وزراء الطاقة سيزار ابي خليل، والمال علي حسن خليل، والشباب والرياضة محمد فنيش، والاشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس، والوزيرين ايمن شقير وعلي قانصوه، مهمّتها درسُ العروض ورفعُ النتيجة الى مجلس الوزراء. وذلك بحسب ما ورَد في المقرّرات الرسمية بعد الجلسة.
وفيما عبّرت مصادر وزارية عن خشيتِها ممّا سمّتها «محاولة تحايُل جديدة، الهدفُ منها فتحُ الطريق مجدداً امام الشركة التركية بالقول انّه لا يوجد عارضٌ وحيد بل اكثر من عارض إذ خلال مهلة الاسبوع الممدّدة، قد تستكمل شركة او شركتان اوراقَهما، وهذا معناه نظرياً أنّ هناك اكثرَ من عارض، وبالتالي صار فضُّ العروض مفروضاً لاختيار الأنسب والافضل، علماً أنّ المستندات الناقصة لها علاقة بالتنفيذ والكفالة.
وعلمت «الجمهورية» أنّه مع إحالة الامر مجدداً الى ادارة المناقصات، فإنّ هذه الادارة لن تجعلَ من نفسِها ممرّاً لأيّ محاولات تحايُل، بل هي ستتقيّد بقرار مجلس الوزراء وتُنفّذه، مع تقيُّدِها الصارم وإلى ما لا نهاية بأحكام القانون اثناء التنفيذ.
وفي المعلومات، أنّه خلال جلسة مجلس الوزراء امس، عرَض وزير الطاقة تقرير ادارة المناقصات، الذي اشار الى بقاء شركة واحدة في المناقصة لانّ الشركات الثلاث الاخرى لم تستوفِ الشروط وكانت بحاجة الى وقتٍ اضافي لاستكمال اوراقِها ومستنداتها.
هنا دارَ نقاش مطوَّل، خصوصاً بين وزراء «القوات» من جهة والوزيرين جبران باسيل وأبي خليل من جهة اخرى، تطوَّر الى حوار مباشَر بين الحريري والوزير غسان حاصباني، بدا فيه الحريري منفعلاً لدى مخاطبته حاصباني بالقول: «إنّها المرة الاخيرة التي نَفتح فيها ملفّ الكهرباء. أريد ان أبلغَك وأبلغَ مجلس الوزراء بأنّه في المرة المقبلة سيكون القرار النهائي ولن اسمحَ بعد اليوم بالمماطلة». وسألَ الحريري حاصباني: «ما هي مشكلتك؟ أنت لا تريد البواخر؟
فأجابه: «لستُ موافقاً على كلّ الطريقة التي يُقارَب فيها هذا الملف».
فردّ الحريري «يعني أنتَ معترض»؟
أجابه حاصباني: «نعم أنا معترض».
فحسَم الحريري الجدل قائلاً له: «اذاً، سجِّل اعتراضك».
وفي نهاية النقاش تمّ التوافق في مجلس الوزراء على طرحِ الحريري بتمديد أسبوع للشركات من اجلِ أن تستكمل ملفّاتها مقترحاً تشكيلَ لجنةٍ برئاسته لمتابعة هذا الموضوع، على ان ترفع اللجنة تقريرَها الى مجلس الوزراء في مدة اسبوع لأخذِ القرار النهائي بفضّ العروض. وقد سجّلت معارضة وزراء «القوات» حول هذا الأمر.