أصرّ الرئيس سعد الحريري على الردّ على الكلام الذي حُكي عن الاحباط السنّي. لم يشأ ترك المزايدات تعصف به من داخل تياره بدون رد. هو يعرف أن الموسم الانتخابي يحتّم التصعيد والشعبوية، لكنه يصر على التعاطي بواقعية. هي المرة الأولى التي يكاد يصل فيها الابتعاد بين الحريري وسياسييه وجمهوره إلى هذا الحد. فالأصوات داخل التيار وصدى الجمهور، لا تخفي اليأس مما وصلت إليه الأمور. وهذا ما دفع بالحريري إلى القول إن الإحباط غير صحيح، لا بل هو يضعه في سياق المزايدات السنية المخاصمة له، لاستنهاض الشارع في وجهه.
تغيّر الحريري كثيراً، كان سابقاً يقرأ تطلعات الشارع وجمهوره، ويسعى إلى العمل بموجبها في السياسة. اليوم، يتطلع إلى ما هو أبعد من ذلك، مع ترك هامش بسيط لما يريد الناس سماعه، فيأتيهم به حين تقتضي الحاجة. يعتبر الحريري أن التطلع إلى زواريب بيروت والمناطق غير كافٍ للاستمرار في قيادة البلد. لذلك، ينظر إلى ساحات المنطقة بأكلمها ويحاول استجماع الخرائط وخطوطها المترابطة لبناء نظرته السياسية. ولذلك لا يغفل عن التطورات الدولية والإقليمية.
منذ دخول الحريري في التسوية الرئاسية، كان واضحاً مع مختلف القوى كما في الداخل كذلك في الخارج. اعتبر أنه لم يعد بإمكان أحد المراهنة على لبنان واللبنانيين، لتغيير الأمر الواقع. فحزب الله وسلاحه جزء من أزمة إقليمية كبرى، ولا يمكن الرهان على لبنان لحلّها، ولا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء كما حصل في العام 2008. قال للجميع إن التغيير يجب أن يحصل من الخارج، ومن ينتظر أن يحصل تغيير في لبنان فلن يتغيّر شيء، لأن لبنان سيكون صدى لما سيحصل خارجياً. وهذا ما تجلّى في مقاربته لسلاح حزب الله، حين اعتبر أنه سُحب من التداول اللبناني، وهو جزء من الأزمة الإقليمية. ومعنى ذلك أن الفريق الذي يقوده الحريري لن يدخل في مواجهة مع حزب الله، وهو سيكون متلقياً للتطورات الإقليمية، وليس مشاركاً فيها.
يرى الحريري أن الخطابات الشعبوية بإمكانها أن تمنحه أكبر كتلة نيابية على غرار العام 2009. لكن، ذلك لن يؤدي به إلى رئاسة الحكومة مجدداً. وهو يستند في ذلك إلى مجموعة عوامل أساسية خارجية قبل أن تكون داخلية. لذلك، يحرص على ربط النزاع مع حزب الله. هي سابقة أن يخرج الحريري معلّقاً على الاستراتيجية الأميركية ضد إيران التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويكون تعليقه غير منسجم مع الترحيب السعودي. إذ اعتبر أن لبنان على الحياد في هذا الصراع، ولا علاقة له بأي تصعيد ضد إيران.
يقرأ الحريري جيداً التوسع الإيراني، وتشدد قبضة حزب الله في لبنان. وما حصل بعد استفتاء كردستان ودخول الحشد الشعبي إلى كركوك أكثر ما يستند إليه الحريري لتأكيد وجهة نظره. فهو يعتبر أن الأميركيين، كما خذلوا السوريين، خذلوا الأكراد بعد تشجيعهم على إجراء الاستفتاء، لتكون النتيجة في النهاية لمصلحة إيران، التي استثمرت في التجاذبات والتناقضات الكردية، واستطاعت ادخال الحشد الشعبي والجيش العراقي إلى كركوك، مقابل انسحاب البشمركة، بعد مفاوضات قادها الحرس الثوري الإيراني. قد يقرأ الحريري تفاهماً أو انسجاماً أميركياً- إيرانياً ينعكس على أرض الواقع في سوريا والعراق. لذلك، يعتبر أن التصعيد ليس في مصلحته.
يكرر الحريري مقولة أن ليس الاحباط قدراً، ويبدو واثقاً بقدرته على إعادة لم شمل بيئته وجمهوره حوله. وهو يرتكز على العاطفة في مكان، وعلى وجوده رئيساً للحكومة في مكان آخر. أما نظرته إلى موقف المملكة العربية السعودية، فهي تتلخص بأن لدى السعودية ملاحظات على الوضع في لبنان، وبأنها تضع بعض الخطوط الحمر أمامها كتطبيع العلاقة مع النظام السوري مثلاً، إلا أنه في المقابل يرى أنه لن يكون لدى السعودية خيار بديل من التسوية. بمعنى أن الأمور لن تصل إلى حد المطالبة باستقالة الحكومة لأن لا خيار بديلاً. وخروجه من الحكومة يعني فقدان السعودية التوازن السياسي الذي حققته في لبنان.