أمّا وقد أقر مجلس النواب الموازنة العامة للعام 2017 بعد ثلاثة أيام من المداخلات الطنانة، والسجال السياسي، والأخذ والرد، ومحاولات تسجيل النقاط بين التيارات والأحزاب، كان لافتا أن القوات اللبنانية حاولت الاستفادة قدر الامكان من منبر الشعب اللبناني لتثبّت حضورها، وتستعيد بعض ما خسرته على المستوى الشعبي خلال فترة “الانفصام”الماضية بين تمسكها بالسلطة وجنوحها نحو المعارضة
لعبت القوات في مجلس النواب دور المعارضة بامتياز، متناسية أنها شريكة أساسية في الحكومة، وسعت الى الدخول كشريك مضارب مع حزب الكتائب لاستمالة الشارع المسيحي، لكن معارضة القوات لم تكن ضد السلطة بمجملها، وإنما كانت عبارة عن رسائل سياسية الى الحليفين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر اللذين يضعان القوات خارج التنسيق القائم بينهما في كل القرارات سواء على صعيد طبخ المشاريع أو إجراء التشكيلات القضائية والتعيينات على إختلاف مواقعها.
يمكن القول إن القوات وجهت إنذارا أخيرا الى الرئيس سعد الحريري والى الوزير جبران باسيل، مفاده، ″إما أن يصار الى الاعتراف بالشراكة التي أنتجت عهد الرئيس ميشال عون، وأن يكون للقوات حضورها ورأيها وحصتها، وإلا فان القوات مستعدة لأن تقلب الطاولة فوق رؤوس الجميع بدءا من مصرف لبنان مرورا ببواخر الكهرباء وتهريبها من دائرة المناقصات، وصولا الى التحريض السياسي والطائفي″.
تدرك القوات اللبنانية أنها تحولت الى مجرد غطاء سياسي للعهد من دون أن تحصل على أية مكتسبات من مشاركتها في السلطة، وهي باتت مثل ″الزوج المخدوع″ فلا يتم إشراكها في الجلسات السرية التي تعقد بين أركان المستقبل والتيار، ولا يقف أحد على خاطرها في التعيينات، ولا يؤخذ بلائحة القضاة التي قدمتها في التشكيلات القضائية والتي خرجت فيها ″من المولد بلا حمص″، وجبران باسيل ينفي فضلها في إتمام التسوية الرئاسية، و″يحرتق″ عليها بزعزعة مصالحة الجبل، ويعمل بمنأى عنها إنتخابيا لا بل لا يتوانى عن الغمز من قناتها في جولاته، كما يحرجها في شارعها بلقائه مع نظيره السوري وليد المعلم، وبحديثه العنصري المتنامي.
أما الرئيس الحريري الذي من المفترض أن يلعب دور الحَكَم كونه رئيسا لحكومة كل لبنان ومسؤولا عن كل مكوناتها، فيغرق في حضن التيار الوطني الحر، تعاونا وتحالفا وتسييرا لشؤون الدولة، وتفاهما على نقاط الاتفاق والاختلاف، وربما على تبادل الأدوار، من دون أن يقيم وزنا لحليفه السرمدي الأبدي ومرشحه السابق لرئيس الجمهورية سمير جعجع.
أمام هذا الواقع، ضربت القوات اللبنانية في مجلس النواب تحت الحزام، وحاولت إمساك المستقبل والتيار الوطني الحر من اليد التي توجعهما، وذلك عندما طرح النائب القواتي جورج عدوان قضية مصرف لبنان وتصرفه بالمال العام بلا رقابة أو محاسبة، والأرباح التي يجب أن يحققها ويدخلها الى الخزينة اللبنانية سنويا، داعيا الى تشكيل لجنة تحقيق نيابية، وقضية بواخر الكهرباء وما يفوح منها من روائح هدر وفساد، والضغوطات التي تمارس على رئيس دائرة المناقصات الذي قال عنه عدوان أنه ″قد يتعرض للاقالة لأنه ينفذ القانون″، موجها في ما أثاره رسالة شديدة اللهجة الى الحريري وباسيل على حد سواء.
في حين جاء كلام النائب أنطوان زهرا مركزا على جبران باسيل متهما إياه بنبش القبور، بأنه يريد للدنيا أن تبدأ من عنده، معلنا باسم المسيحيين أن مشروعنا الدولة وليس حصتنا في الدولة، محذرا من المغامرة بالمسيحيين بالكلام العنصري.
إنتهت جلسات مجلس النواب، وعاد الجميع الى قواعدهم لاحصاء الجروح والندوب التي تعرضو لها، فهل وصلت رسالة القوات الى الحريري وباسيل، وهل ستنجح في تعديل سياستهما تجاهها، أم أن الأمور ستزداد سوءا كلما إقترب موعد الانتخابات النيابية، في ظل العنجهية السياسية المسيطرة على باسيل، وسياسة الرضوخ التي يجد الحريري نفسه مجبرا على الركون إليها لضمان بقاءه في رئاسة الحكومة.
سفير الشمال