انقلبت الأدوار فوصلت إلى لجوء أبرز من كانوا ينتقدون أداء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى الدفاع عنه، بوجه هجوم من كان يشيد بسياساته. ما الذي تغيّر؟ لا جواب واضحاً بعد، لكن الأجوبة اللبنانية تسارع إلى اعتبار أن مردّ ذلك هو تضارب في الحسابات، أو تبدّل في المصالح، على الطريقة اللبنانية.
لكن، قد تكون القوات اللبنانية وحدها الطرف الذي لم يدخل في بازارات الحصص وصولاً إلى الهندسات المالية. وهذا ما يضفي بعض الجدّية على موقف النائب جورج عدوان، الذي فجّر مفاجأة في جلسات مجلس النواب، حين انتقد أداء مصرف لبنان، وما يحكى عن التهرّب الضريبي وغياب المراقبة والمحاسبة بشأن أداء المصرف. وقد طالب عدوان بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية. ما استدعى ردوداً من وزيري المال والعدل، بأن المصرف يقوم بكامل واجباته ويقدم قطع حساباته كل سنة. فيما هناك من ذهب ليعتبر أن السبب وراء الهجوم على سلامة سياسي.
بين يدي عدوان تقارير وأرقام كثيرة، وهو الخبير في علم الأرقام والحسابات. وهذا ما يضفي مزيداً من الجدّية على القضية التي أثارها. ويعتبر عدوان أن نحو ثلث نسبة الدين العام هي بسبب الهندسات المالية المتعلّقة بسندات الخزانة واليورو بوند. ويرى أن هذه السياسة تهدف إلى تغطية المصرف المركزي على أرباحه كي لا يحول المبالغ المتوجبة وفق القانون إلى خزانة الدولة، لافتاً إلى أن السبب وراء ذلك هو العلاقات التي يتمتّع بها المصرف المركزي. وأشار إلى أن الهندسة المالية الأخيرة التي أجراها مصرف لبنان، أدت إلى دفع 6 مليارات دولار أرباحاً إضافية للمصارف، بالإضافة إلى دفع 800 مليون دولار لأشخاص، حسب العلاقات العامة معهم.
وكالعادة، سُيِّس الموضوع وحُمِّل تأويلات عدة. اعتبر البعض في قوى 8 آذار أن القوات منزعجة من تعاطي الحاكم سلامة مع العقوبات على حزب الله، وتوفيره مخارج لهذه الأزمة، كي يبقى حزب الله قادراً على إجراء تعاملاته المصرفية. فيما ذهب البعض إلى اعتبار أن القوات تصوب على سلامة من باب التصويب على التيار الوطني الحر الذي وافق على التجديد لسلامة لولاية جديدة، بعد إبرام صفقة معه. لكن، لا شك أن هذا السجال الذي لا ينتهي يؤدي إلى إضاعة الموضوع، الذي أراد عدوان مناقشته بجدية، بخلاف كل النقاشات التي حصلت في جلسات نقاش الموازنة لإقرارها.
تعتبر القوات أنها تتعاطى مع ملف مصرف لبنان، وما يحصل فيه من تجاوزات، على القاعدة التي تتعاطى فيها مع كل الملفات. بمعنى أنها تعارض كل ملفات الفساد، من بواخر الكهرباء إلى هذه القضية. وأن إثارة الموضوع حصلت بعد تقارير عدة أعدها فريق متخصص بشأن التجاوزات الحاصلة، وهي كانت قد نوقشت في اجتماع قواتي قبل فترة، برئاسة سمير جعجع، وتم التأكيد على وجوب إثارة الموضوع لدى نقاش الموازنة. ويؤكد القواتيون أن الهدف ليس التصويب على شخص الحاكم، بل على بعض السياسات المالية التي تحرم خزانة الدولة من مال وفير، لمصلحة جماعات وأشخاص بطريقة غير قانونية، أو التفافية على القانون.
وتؤكد القوات أنه تمت الاضاءة على مسألة المصرف المركزي لكونه موضوعاً جديداً، فيما هي تعمل على كشف كل مكامن الفساد، سواء أكان في ملفات مالية وصفقات أم في تشكيلات إدارية ومحاصصات. عليه، تعتبر القوات أن سلامة قام بأعمال جبارة طوال السنوات الماضية للحفاظ على مالية الدولة والليرة، أما المبدأ فيقضي بأن تكون الحكومة هي التي تشرف على كل السياسة المالية في البلد، خصوصاً بعد إقرار موازنة. والمبدأ الأساس يرتكز على وجوب الإطلاع على كامل التفاصيل المالية، كي تتمكن الكتل من مناقشة الموازنة. وتقول القوات إن ما تقوم به، يهدف إلى حماية مصرف لبنان والحرص على سمعته وليس للتصويب عليه.