عندما تدعو الولايات المتحدة إلى تشكيل تحالف دولي ضد «حزب الله» اللبناني وتخصص مكافآت بملايين الدولارات للمساعدة في القبض على اثنين من قادته، فإنه يجب ألا يكون مستغرباً أن يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التهديد والوعيد بتوجيه ضربة عسكرية للوجود العسكري الإيراني على الأراضي السورية، ولعل ما يلاحظ هنا أن هذا التهديد بقي مجرد تهديد بينما واصل الإيرانيون «مراكمة» قواتهم المقاتلة، العسكرية والميليشياوية، في سوريا وحتى على مشارف هضبة الجولان على بعد مرمى حجر من القوات الإسرائيلية التي لا تزال تحتل هذه الهضبة السورية.
كان بنيامين نتنياهو قد ذهب إلى واشنطن «فارعاً ودارعاً» لإبلاغ كبار المسؤولين في إدارة دونالد ترمب بأنَّ الإيرانيين الذين يوجدون في سوريا عسكرياً وميليشياوياً قد تجاوزوا كل الحدود وأنهم باتوا يشكلون خطراً فعلياً على وجود إسرائيل وليس على احتلالها لهضبة الجولان فقط، ولعل ما أعطى انطباعاً جدياً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد انتقل فوراً من الولايات المتحدة إلى روسيا الاتحادية، وحيث أبلغ فلاديمير بوتين بالتحذيرات نفسها التي أبلغها للرئيس الأميركي وبعض كبار أركان إدارته، لكن ومع أن إيران بدل تخفيف وجودها العسكري والميليشياوي في هذه الدولة العربية بادرت إلى تكثيف هذا الوجود عُدةً وعتاداً وكمياً ونوعياً، فإن إسرائيل قد لاذت بصمت مريب بالفعل وأن صوت رئيس وزرائها لم يعد يسمع في هذا الخصوص، مما أثار أسئلة وتساؤلات كثيرة لدى العديد من المعنيين في هذه المنطقة وربما في الغرب كله وأيضاً في أميركا.
ولذلك وفي حين ساد اعتقاد بأن نتنياهو قد تلقى «تطمينات» مقنعة من ترمب ومن بوتين بهذا الخصوص، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي ما لبث أن أعلن وبصوت مرتفع أن إسرائيل لم تعد قادرة على أن تبقى مكتوفة اليدين في حين أن إيران قد تجاوزت كل الحدود وأنه أصبح لها وجود في سوريا يشكل تهديداً فعلياً للدولة الإسرائيلية وأمنها مما غدا يفرض على الإسرائيليين توجيه ضربة لهذا الوجود، حتى إن أدى هذا إلى اندلاع حرب شاملة في هذه المنطقة بدءاً بهضبة الجولان وصولاً إلى قواعد الصواريخ الباليستية في إيران نفسها.
وحتى يعطي نتنياهو انطباعاً جدياً لتهديداته هذه فإنه قام بزيارة ثانية عاجلة إلى روسيا التقى خلالها الرئيس الروسي، وحيث تحدثت الأنباء وبعض المعلومات التي تسربت عن هذا اللقاء بأنَّ الضربة الإسرائيلية للإيرانيين في سوريا باتت تحصيل حاصل وأن هذه الضربة ستشمل «حزب الله» اللبناني، إنْ في لبنان وإنْ في سوريا، وعلى اعتبار أن حسن نصر الله نفسه كان قد أعلن أكثر من مرة اعتزازه بأن يكون مقاتلاً في فيلق الولي الفقيه.
لكن وبينما ساد اعتقاد، ليس لدى المراقبين فقط وإنما لدى مسؤولين كبار في هذه المنطقة وخارجها، بأن هدير المدافع والصواريخ سيُسمع بدءاً بالجولان السوري المحتل خلال دقائق فقط وليس خلال ساعات، فإن بنيامين نتنياهو قد لاذ بالصمت مجدداً كأن أي شيء لم يكن، وهذا أدى إلى إثارة تساؤلات كثيرة تجاه كل هذا التذبذب وعدم الاستقرار في المواقف الإسرائيلية تجاه الأوضاع المتفاقمة في سوريا وتجاه التراكم المتواصل كماً ونوعاً للوجود العسكري الإيراني على الأراضي السورية، مما يستدعي التساؤل عن السبب ولماذا يلجأ الإسرائيليون إلى التصعيد وإلى حد إعطاء انطباع بأن الحرب مندلعة لا محالة ثم يتراجعون فجأة ويصمتون صمت أهل القبور كأن كل هذا الذي يجري في سوريا يجري في جزر «الواق واق» في آخر نقطة في الكرة الأرضية؟!
ولذلك فربما لا بد من التذكير بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد طلب في أول لقاء مع الرئيس الأميركي بعد انتخابه بفترة قصيرة بأن تعترف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة التي كانت إسرائيل قد اتخذت قرار ضمها في عام 1981، لكن دونالد ترمب واجه هذا الطلب بصمت خيب أمل بنيامين نتنياهو الذي كان يظن أن اختيار هذا الرجل رئيساً لأميركا وسيداً للبيت الأبيض يعني أن القرار الأميركي، وأي قرار، أصبح في جيبه وأنَّ هذه الإدارة الأميركية ستكون بمثابة حكومة إسرائيلية وربما أكثر استجابة له حتى من حكومة إسرائيل التي يرأسها.
إن معنى هذا الكلام أن بنيامين نتنياهو بقي يدق طبول الحرب وبخاصة خلال السنوات الأخيرة من الأزمة السورية التي اندلعت كما هو معروف عام 2011، بينما عينه وذهنه أيضاً بقيا مركزين على هضبة الجولان المحتلة، والواضح أن لديه اعتقاداً شبه جازم وشبه مؤكد بأنه من خلال مواصلة التهديد بحرب ضد الوجود العسكري والميليشياوي الإيراني في سوريا سيجبر الروس والأميركيين، الذين يحرصون على التنسيق المشترك بالنسبة إلى هذه الأزمة، على الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هذه «الهضبة» التي كان حافظ الأسد عندما كان وزيراً للدفاع في حرب يونيو (حزيران) عام 1967 قد أمر بإصدار بلاغ عسكري باحتلالها وسقوطها قبل يومين من احتلال الإسرائيليين لها.
والواضح أن نتنياهو يعرف أوْ أن لديه قناعة بأن سوريا ذاهبة في النهاية إلى التقسيم، وأنه كي يأخذ «حصة» إسرائيل من هذا التقسيم فإن عليه أن يواصل التهديد بالحرب لإرباك المخططات الروسية والأميركية في سوريا، وبالتالي لإجبار الروس أولاً والأميركيين ثانياً على الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان التي كانت في حقيقة الأمر قد سُلِّمت تسليماً للإسرائيليين خلال حرب يونيو (حزيران) عام 1967!
وهنا فإنه لا بد من الإشارة إلى أن الروس تحديداً قد رفعوا مستوى تنسيقهم مع بنيامين نتنياهو ومع هذه الحكومة الإسرائيلية للتخفيف من مشاغبته على مخططاتهم في سوريا ولتأجيل مسألة الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان إلى حين حسم الأمور وانتهاء هذه الأزمة المتفاقمة بأن تعهدوا بإطلاق يده في استهداف أي أسلحة تعتبر أسلحة دمار إيرانية تصل إلى الأراضي السورية، لا بل وأكثر من هذا فإن هناك معلومات مؤكدة بأن موسكو بقيت تزود الإسرائيليين بالمعلومات التي يحتاجون إليها لتدمير هذه الأسلحة والتخلص منها.
إن هذه هي حقائق الأمور، ولذلك فإن بنيامين نتنياهو بقي يهدد بحرب خاطفة على الوجود الإيراني في سوريا ثم يتراجع ويلوذ بصمت كصمت أهل القبور، وذلك بينما الأساس في هذا كله أن هدف مشاغباته هذه كلها هو انتزاع اعتراف روسي ثم أميركي بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة التي كانت إسرائيل قد ضمتها عام 1981، عندما كان حافظ الأسد منشغلاً بحروبه الداخلية ضد شعبه وبحربه على المقاومة الفلسطينية ومؤيديها في لبنان وهكذا، وفي النهاية فإن المفترض أنه بات واضحاً لكل متابع وكل ذي شأن أنَّ الروس لا يمكن أن يفرطوا في الإيرانيين ما داموا لم يرتبوا أوضاعهم في سوريا بصورة نهائية، مما يعني أن تهديدات بنيامين نتنياهو ستبقى تذهب أدراج الرياح إلى حين الانتهاء من عملية الترتيب هذه إنْ في عام أو في عامين أو خلال شهور قليلة.
صالح القلاب