التسوية السياسية محصنة بقوة الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري وحزب الله ووليد جنبلاط والقوات اللبنانية رغم «عنعناتها واعتراضاتها» تحت سقف التسوية التي جاءت بالعماد ميشال عون رئيسا للجمهورية وسعد الحريري رئيسا للحكومة.
اجواء الجلسة النيابية لمناقشة الموازنة عكست «تناغما» بين التيار  الوطني الحر وامل والمستقبل على كل الملفات وانجزت بتمرير الموازنة، ومعالجة قطع الحساب على الطريقة اللبنانية، رغم اعتراض القوات اللبنانية والكتائب والنائب بطرس حرب، علما ان حجم الاعتراض القواتي سقفه محدود ولن يؤدي الى استقالة وزراء القوات او الانقلاب على التسوية.
اجواء الجلسة النيابية اكدت ان الحكومة باقية،  وما أقره تحالف الاقوياء سينفذ حتى على صعيد الانتخابات النيابية، لكن السؤال يبقى: هل يترجم اقطاب التسوية حرصهم على استمرارها بتحالفات انتخابية في جميع الدوائر تسمح بتمديد «الستاتيكو» القائم حاليا؟
وحسب المتابعين فان العلاقات بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري تشهد تطورات ايجابية، وهدوءا «سمن وعسل» وتصريحات لمسؤولي حركة امل تتضمن لاول مرة اشادات بالرئيس عون، كما ان الرسائل المتوترة المباشرة وغير المباشرة بين بعبدا وعين التينة توقفت كليا. وسمحت بتمرير التشكيلات القضائية والمجلس الاقتصادي الاجتماعي وسلسلة الرتب والرواتب وملفات عديدة، وهذا التعاون لم يقتصر على الرئيسين عون وبري فقط، فالرئيس الحريري كان «شريكا» فعليا في هذا الامر، وبدت الامور وكأن حكم «الترويكا» عاد ليطبع المرحلة الحالية.
التعاون بين الرؤساء الثلاثة في الجلسة النيابية امس ترجم في غياب المداخلات الحادة لنواب المستقبل والتيار الوطني وامل والدفاع عن «المنجزات» مضافا اليه دفاع وزير العدل سليم جريصاتي عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامه واجراءاته المالية ليعمم المزيد من الاجواء الايجابية في البلاد، ويؤكد على ثبات التسوية، كما ان انجاز وزير العدل سليم جريصاتي للتشكيلات القضائية ومنذ سنوات سيسمح بإعادة تفعيل عمل القضاء والمحاكم وستنعكس ايجابا على المواطنين.
وحسب المطلعين، فان التسوية «صامدة» ولن تهتز مهما بلغ حجم التصريحات، بمفعول انتخابي هذه الايام، فالوزير باسيل يستنفر مسيحيا، والوزير نهاد المشنوق سنيا والنائب وليد جنبلاط درزيا بخلفيات انتخابية دون المس بالتسوية، وهذا التعاون الرئاسي، وتحديداً مع بدء «شهر العسل» بين الرئيسين عون وبري سينعكس ايجابا على عمل المؤسسات بالتزامن مع انجازات حكومية، دون اي اعتراضات لا على الكهرباء ولا النفايات ولا غيرها الى ما بعد الانتخابات النيابية.
وكانت الجلسة النيابية قد اقرت المادة التي أضيفت للموازنة والمتعلقة بتأجيل قطع الحساب في نص الموازنة لمدة سنة بالاكثرية، وبلغ عدد المؤيدين 57 نائبا وعارضه نواب القوات اللبنانية والكتائب ونقولا فتوش وبطرس حرب، وامتنع النائب عماد الحوت عن التصويت.
 

 

 

 الاجتماع الرباعي وموقف عدوان


حصلت امس دردشة جانبية بين الرئيسين بري والحريري والوزير علي حسن خليل والنائب جورج عدوان، وكان النقاش دائراً حول دعوة عدوان الى تشكيل لجنة تحقيق نيابية مهمتها مساءلة مصرف لبنان بعد ان كان عدوان اتهم مصرف لبنان وسلامة بعدم تحويل الارباح الفعلية الى وزارة المالية. وكان موقف وزير المالية علي حسن خليل ان الوزارة تتلقى دورياً قطع حساب من مصرف لبنان وان كلام عدوان لا ينطبق مع الواقع. من جهة اخرى، اصر النائب عدوان على موقفه بالتحقيق مع مصرف لبنان، فما كان من الرئيس الحريري الا ان قال له «امشي نروح سوى استاذ جورج»  حيث توجها على الارجح الى بيت الوسط. وعلمت الديار ان الحريري فاتح عدوان بان المس بمصرف لبنان و حاكمه على الهواء وامام الرأي العام امر خطر ويؤثر سلبا في الاستقرار النقدي للبلاد، ومن المحبذ التشاور في هذه المسألة سراً حفاظاً على المصلحة العامة واستقرار البلاد النقدي... وانتهت لجنة التحقيق.
من جهة اخرى، استُطلع موقف حزب القوات اللبنانية عما اذا كان موقف عدوان قراراً حزبياً ام اندفاعة فردية، فاوضحت المصادر، ان القوات ليس لديها موقف سلبي من حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة وان قيادة الحزب ستبحث طرح عدوان معه شخصيا والوقوف على المعطيات  التي يمتلكها والتي خولته اصدار موقفه هذا.
اما حزب الله، فقد اكدت مصادره، ان الحزب ينظر الى سلامة بعين الاحترام وانه رجل دولة يتحمل مسؤولياته بجدية وان المسألة ذاهبة الى الحل وليست بالقضية المركزية.
من جانبه، فان الرئيس الحريري على علاقة جيدة مع سلامة، كما ان تصريح وزير المالية علي حسن خليل بان الوزارة تتسلم سنويا من مصرف لبنان قطع حساب وان كلام عدوان مغاير للواقع، اتى بطلب من الرئيس بري. كذلك، كلام وزير العدل سليم جريصاتي الذي استغرب الحملة على سلامة معتبراً ان توجيه اصابع الاتهام الى مصرف لبنان بعدم الشفافية وعدم التصريح بتحويل ارباحه الى الدولة سؤدي الى بلبلة في القطاع النقدي، وكلام جريصاتي يأتي بتوجيه من رئيس الجمهورية العماد مبشال عون ايضا. 
وبالتالي فانه من المستبعد ان يؤول كلام عدوان الى اي نتيجة، كون الكتل النيابية الاساسية لا تجاريه بمطالبه.
يبقى السؤال: ماذا لدى عدوان من وثائق تثبت ما قاله وتؤكد ادعاءاته على مصرف لبنان؟ 
قبل الاجابة عن السؤال، جاء رد سلامة بأن «مصرف لبنان يقوم بواجباته كاملة، ويقدم قطع الحساب ويحول الارباح سنويا الى وزارة المالية، ان الارقام مغايرة تماماً عن تلك التي عرضها عدوان».
وتم توجيه سؤال لجهات مصرفية للوقوف على الوضع النقدي وما ان كانت البلبلة السياسية اثرت سلباً في الوضع النقدي من حيث شراء الدولار وبيع الليرة، الا ان السوق النقدية لم تتأثر.
 

 الموازنة


هذا ويستمر النقاش في مجلس النواب على الموازنة، وكان بارزاً كلام وزير المالية علي حسن خليل على ان البلد امام مفترق طرق خطر وتحديات كبيرة، والنمو السنوي للرواتب والاجور اعلى من النمو الاقتصادي، والبلد امام موازنة متواضعة وتم انفاق معظمها، ولكن هناك ضرورة لاقرارها لاعادة الانتظام المالي للدولة.
اما حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فقد عاد بالامس من الولايات المتحدة، وعلم ان محادثاته في واشنطن كانت ناجحة مع وزارة الخزانة الاميركية حيث اكدت الاخيرة حرصها على الاستقرار المالي في لبنان وعلى المصارف اللبنانبة. غير ان الوزارة الاميركية ابدت تشددها وتركيزها على قطع كل العمليات المصرفية للشركات والمؤسسات المتصلة في حزب الله. 
ويوجد حاليا في واشنطن وفد من جمعية مصارف لبنان، وعلم ان الاجتماعات مع السلطات المالية والمصارف الاميركية المراسلة  تركزت على الفصل بين حزب الله والمواطنين الشيعة وعدم الحاق الضرر بشريحة كبيرة من اللبنانيين فقط لانتمائهم الطائفي والمذهبي.
بالعودة الى اتهام النائب جورج عدوان لمصرف لبنان بحجب ارباحه عن الدولة، يبقى السؤال: عدوان له خبرة سياسية كبيرة وقديمة وعاصر الازمات في لبنان، ولماذا في هذا التوقيت؟ وما هي الوثائق التي بحوزته، ولماذا ذهب الى اقصى الحدود بطلبه تشكيل لجنة تحقيق نيابية للتحقيق مع سلامة؟ حاولنا الاتصال بالنائب عدوان غير ان هاتفه كان مقفلا. 
وعلى صعيد رئيس الجمهورية ورئيسي المجلس النيابي والوزاري، فان الاتفاق يقضي بتهدئة الاوضاع وعدم اثارة اي بلبلة في غير محلها، خصوصا ان كانت تمس بالاستقرار النقدي للبلاد. وكان موقف الرئيس عون ان الوضع الامني ممسوك والوقت ليس للتلاعب بالاستقرار النقدي، ومن هذا المنطلق كان كلام الوزير جريصاتي ان الوضع لا يحمل خضة وبلبلة في القطاع النقدي.
كذلك، علم ان جمعية المصارف في لبنان ستجتمع وستؤكد على دعمها الكامل لسلامة وثقتها بعمله وعمل مصرف لبنان.