( تحت الزيتونة مسهسل ونايم .... يا ديك الحجل فوق راسو حايم .... جابتلو الغدا قام قلّا صايم .... بوسة من خدودك بفطورونا ......... )
هذه واحدة من " الدلعونيات " المشهورة في الجنوب، والمحببة على قلوب أهله، سمعناها مذ كنا صغارا، وكان المقطع الأخير منها لا يزال يُخجلنا، بالخصوص عندما كان يغنيها الولد الأكثر زعرنة بيننا الآتي من بيروت فيستبدل " خدودك " ب " شفافك "، فتتحول بنظرنا نحن أولاد الضيعة إلى ما يشبه الخطيئة التي لا نجرؤ على التلفظ بها، بينما هذا الأزعر الصغير لا يخجل من الرندحة وبصوت عالي، مما يجعلنا ننفض من حوله ونحن نحمل بسماتنا معنا على إستحياء .
ومع مرور السنين، صمدت هذه الدلعونة حتى يومنا هذا، لم تتأثر كثيرا بما جرى على جنوبنا، من تبدلات وتحولات ومحاولات حثيثة لإقتلاعها كغيرها من تراثنا ومما أحببناه وتربينا عليه، وكأنها متعلقة بالزيتونة نفسها، فليس بينهما مسافة، أصلها ثابت وفرعها في السماء.
والزيتونة في جبل عامل، راسخة كرسوخ هضابه وتلاله هي هي منذ آلاف السنين لم تتحول ولم تبدل تبديلا.
وعلى سيرة الزيتونة، ونحن هذه الأيام في عز زمانها، مع نهايات أيلول وبدايات تشرين، حيث تتحول هذه الشجرة المباركة في الجنوب إلى ما يشبه الكعبة ( بلا قياس وتشبيه )، نطوف حولها وتحتها وفوقها، ولكل بيت جنوبي كعبات لا بد نسعى إليها ونحج في حضرتها ، ونأتيها رجالا وعلى كل ضامر ومن كل فج عميق .
إقرأ أيضا : هذا ما سوف نسمعه من الآن وحتى اليوم الثاني للإنتخابات
يكفي أن تخرج هذه الأيام من بطون القرى، وتولّي وجهك شطر البراري والحقول لتدرك أن الجنوبيين الآن في عالم آخر، يكادوا يكونوا خارج الزمان والمكان، فلا كركوك تعنيهم ولا مسرحيات النواب المملة، ولا حتى أزيز ال Mk فوقهم .
هم متحوكمون حول زيتوناتهم، رجالا ونساءا وأطفال، ترتد إليك ضحكات الأولاد الممزوجة بقهقهات الكبار مع كركعة السيبة وفناجين الشاي ورائحة المناقيش التي تملأ المكان قبل أن تراهم ، إذ لم يعد حواش الزيتون عندنا، مجرد قطاف لمونة ولمحصول لا بد منه، وإنما صارت شجرة الزيتون عندنا وموسم القطاف أقرب ما تكون إلى رحلة إستجمام، نهرب إليها من أوجاعنا، ونغوص بين وريقاتها وحباتها ونشكو عند جذعها مما نحن عليه من دون الحاجة إلى الكلمات، حتى أن أحدنا يتمنى أن " يسهسل تحتها وينام " ولا يرجع أبدا من بين أحضانها .