إثر لقاء وزير الخارجية جبران باسيل مع وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم، خرج الوزير نهاد المشنوق مصعِّداً ضد التطبيع مع النظام السوري، واعتبر أن سياسة لبنان الخارجية تخرج عن البيان الوزاري والأساس التكويني للتسوية. يومها، أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري أنه لا يوافق على اللقاء، لكن التسوية مستمرة والتفاهم مع التيار الوطني الحر مستمرّ.
كان من البديهي، في تلك اللحظة، الاعتبار أن هناك تنسيقاً وتبادل أدوار بين الحريري وفريقه. فهو يريد الحفاظ على التسوية ويتمسك بها، للبقاء في السلطة، وفريقه يلجأ إلى التصعيد للحفاظ على الشعبية على أبواب الانتخابات النيابية.
قبل أيام، ونتيجة إنسحاب لبنان في انتخابات اليونيسكو، ومواقف وزير الخارجية جبران باسيل من التنسق مع النظام السوري، خرج المشنوق مصعّداً أيضاً ومنتقداً السياسية الخارجية، التي وضعت لبنان في مواجهة مع السعودية ومصر. واعتبر أنها تؤدي إلى سقوط التسوية، ليأتي الرد مجدداً ليس من باسيل فحسب بل من تيار المستقبل، الذي اعتبرت مصادره أن ما يقوله المشنوق، هو موقف يمثّله بشخصه ولا يلزم التيار الأزرق.
لم يعد ممكناً اعتبار أن ما يجري هو توزيع للأدوار، بل تخطّت المسألة ذلك. لبنان على أبواب انتخابات نيابية، وفيها لا أحد يعرف الآخر، لا الزملاء، ولا الرفاق، ولا أبناء التكتلات السياسية الواحدة. وصل الأمر بالمشنوق إلى حد التصعيد حتى داخل التيار الذي ينتمي إليه، ليس في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية فحسب، بل في مختلف الملفات الداخلية، وآخرها كان التشكيلات القضائية. فقد اعتبر المشنوق أن تيار المستقبل قدّم تنازلات كبرى لا يمكن تحمّلها، ليأتي الردّ المستقبلي بأن التشكيلات القضائية مسألة بعيدة عن السياسة، الأمر الذي يهزأ منه المشنوق، لأنه غير واقعي، وغير متصالح مع الذات.
انتقد المشنوق التنازلات التي قدّمها الحريري في هذا الملف. وبدأ هذا النقاش يتوسع داخل تيار المستقبل. يشبّه البعض ما يجري بأنه حفلة مزايدات كبرى، وهي التي استدعت ردوداً من مستقبليين على ما قاله المشنوق. ويعتبرون أن الإنقسام داخل التيار أصبح بين فريقين، فريق يريد استمرار التسوية مهما كلف الأمر، وفريق آخر، يمثّله المشنوق بطروحاته، يريد الحفاظ على التسوية بدون التخلّي عن الثوابت.
في التصعيد الأول للمشنوق، أوحى وكأن هناك موقفاً سيتخذ قد يصل إلى حدّ الاعتكاف، أو ربما الاستقالة من الحكومة، ليسارع إلى الإيضاح بأن التسوية باقية، والحكومة كذلك. وقبل يومين طرحت أسئلة كثيرة على هامش تصعيد المشنوق، وما يمكن فعله، حتى يسارع البعض إلى طرح التحليلات المتعددة بشأن تعرض التسوية الرئاسية للتهديد. لكن الأكيد وفق أكثر من مصدر، فإن التسوية باقية، والتصعيد لا يخرج عن سياق انتخابي وسياسي معروف. وهذا ما جاء على لسان أكثر من مسؤول في تيار المستقبل، ممن اعتبروا أن المشنوق إما أخطأ أو تسرّع في الاستنتاج. فيما هناك من يصوّب عليه معتبراً أنه يصعّد لأجل تحسين وضعيته الشعبية استعداداً للانتخابات المقبلة، خصوصاً أن الشارع السنّي بدأ يشعر بالاحباط بفعل التنازلات التي يقدّمها تيار المستقبل.
يلتقي الحريري والمشنوق في كثير من الأمور. وكانت ضرورة الدخول في التسوية الرئاسية أساس هذا الالتقاء. ويلتقيان اليوم على وجوب عدم تطبيع العلاقات مع النظام السوري، مقابل الاختلاف في آلية التعبير والمواجهة. ولا شك أن هذا الموقف سيكون أكثر تشدّداً في الأيام المقبلة، لا سيما في ظل التصعيد الأميركي السعودي ضد إيران وحزب الله.
السقف الموضوع للتسوية ثابت. وكل الخلافات السياسية تأتي منضبطة طالما هي تحته، وخارج أسوار مجلس الوزراء. أما ما عدا ذلك، فكل شيء مباح، لأن الضرورات الانتخابية ستبيح المحظورات السياسية. عليه، فإن التسوية باقية ومستمرة، وكذلك الحكومة، فيما سيكون مردود التصعيد طردياً على القوى المتحالفة والمتخاصمة في آن. فحين يهاجم المشنوق ويصعّد يستنهض الشارع السني والشعبية الزرقاء، مقابل تأجيج الشارع البرتقالي لمصلحة باسيل، والعكس صحيح.