كشفت تحقيقات قضائية عن تورّط طبيبين نسائيين وصاحبة مكتب استقدام عاملات أجنبيّات من الخارج وتسعة آخرين في قضية بيع وشراء أطفال حديثي الولادة. عملية الإتجار بالأشخاص تلك كانت تتم وفقاً لإتفاق ثلاثي كانت تجريه "زينة" وهي صاحبة المكتب، مع الفيليبينيات (ممن حملن بطريقة غير مشروعة) فتحثّهنّ على بيع "طفل الخطيئة" مقابل المال، ومن ثمّ مع السيّدة اللبنانية التي يتعذّر عليها الإنجاب وأخيراً مع الطبيب الذي سيشرف على عملية الولادة وينظّم الوثيقة بإسم الوالدة غير البيولوجيّة.
وفي تفاصيل القضية، فصّلها قرار ظنّي أصدره قاضي التحقيق في جبل لبنان رامي عبدالله، في اليوم الأخير من مهامه كقاضي تحقيق قبل أن يتسلّم منصب محامي عام في المحافظة نفسها، وجاء فيه:
بناء للقرار رقم 2377|2014 المتعلّق بإلغاء وثيقة ولادة منظّمة خلافًا للأصول الصادرة عن وزارة الداخلية ومديرية الأحوال الشخصيّة، تبيّن أنّ صاحبة مكتب خدم كانت تتواصل مع عاملات أجنبيّات ولا سيّما من التابعية الفيليبينيّة ممن حملن بطرق غير مشروعة، حيث تعرض عليهنّ التكفّل بعمليات ولادتهنّ وتسجيل الأجنّة على أسماء نسوة لا يمكنهنّ الإنجاب.
وبنتيجة التحقيقات تبيّن أنّ امرأة لبنانية في العقد الرابع من العمر تقيم في فرنسا قد حضرت إلى لبنان، وتواصلت مع صاحبة مكتب العاملات الأجنبيّات المعروفة بإسم "زينة"، حيث اجتمعت معها في عيادة طبيب نسائي معروف، بحضور فيليبينيّة حامل تدعى "راشال" والتي تمّ الإتفاق معها على إتمام الولادة في اليوم التالي في مستشفى معيّن، على أن ينظّم الطبيب المذكور (مدعى عليه) وثيقة ولادة على اسم المرأة اللبنانية، وهذا ما تمّ بالفعل، حيث أشرف الطبيب على ولادة "راشال" واستلمت المولود صاحبة مكتب الخدم التي سلّمته للأم "الرسميّة" التي دفعت لـ "زينة" مبلغ 1350 دولارًا ومن ثمّ قصدت طبيب التوليد لاحقاً حيث نظّم لها وثيقتين على أنّها والدة الطفل واحدة باللغة العربيّة وأخرى بالفرنسيّة.
كما وتبيّن أنّ امرأة أخرى من مواليد العام 1972، تواصلت مع "زينة" أيضًا، وأعلمتها برغبتها تسجيل مولود على إسمها، فأفادتها بوجود امرأة فيليبينية وضعت مولودها حديثاً وقد سلّمتها إيّاه وطلبت منها التوجّه عند طبيب نسائي (غير الطبيب الأوّل تمّ الإدعاء عليه أيضاً)، فنظّم لها وثيقة تفيد بأنّها هي والدة الطفل وأّنه أشرف على عملية توليدها وسلّمته مبلغ 1500 دولار مقابل ذلك.
وتكرّرت العملية مع امرأة ثالثة لا يمكنها الإنجاب، بعد أن أرشدتها "زينة" الى الفيلبينية "ألفيرا" وتمّ الإتفاق على تكفّلها بمصاريف عملية الولادة التي تمّت في مستشفى معروف، وقد تواصل مع صاحبة مكتب الخدم شقيق السيدة الراغبة بالطفل وهو الأب (...) الذي أكّد لها على رعاية المولود والإهتمام به، علمًا أن الولادة تمت بإشراف الطبيب الأوّل. هذه المرّة تمّ تنظيم وثيقة الولادة لدى قابلة قانونيّة في بعلبك جرى الإدعاء عليها أيضًا بعد أن نظّمت وثيقة تفيد أنّها هي من أشرفت على عملية ولادة الأم الثالثة.
وبالتحقيق مع صاحبة المكتب اعترفت بإقدامها بالتخلي بصورة دائمة عن مولود حديث الولادة زاعمة أن ذلك حصل من دون بدل مادي وبدافع انساني، نافية ما نسب إليها لجهة الإتجار بالأشخاص عن طريق بيع وشراء أطفال ولجهة التدخل في تزوير وثائق، مضيفة أنّ كلّ هدفها كان حماية الأطفال من التشرّد.
واعترفت "الأمهات الرسميات" بما نُسب إليهنّ لجهة الإتفاق مع "زينة" على نسب طفل حديث الولادة لرعايته على إسم كلّ منهنّ دون أن تلدنه، وصرّحن أنّه لم يكن بنيّتهن مخالفة القانون، بل كانت الغاية عدم ذكر أنّ الطفل هو متبنّي على وثيقة الولادة، وأقرّين بدفع مبالغ مالية وصلت إلى الخمسة آلاف دولار للطبيب وصاحبة المكتب فضلاً عن دفع تكاليف المستشفى.أما الطبيب الذي أشرف على الولادتين فنفى ما نُسب إليه لجهة "التدخل في التخلّي عن أطفال حديثي الولادة لقاء بدل مادي وعلى تزوير شهادات"، مؤكّدًا انه في موضوع ولادة "الفيرا" قد سجّل الطفلة على اسم والدتها البيولوجيّة، وفيما يتعلّق بـ "راشال" أفاد أنّه سبق ونظّم شهادة ولادة بإسمها إلّا أنّه لاحقاً وبناء لإلحاح السيّدة اللبنانية وبهدف انساني قام بتسليمها مخطوط بخط يده يفيد أنّها والدة الطفل المذكور وذلك دون تقدير عواقب الأمور، في حين أكّدت هي على علمه بالأمر.
أما الطبيب الثاني المدعى عليه بتزوير وثيقة ولادة واحدة، فقد اعترف بفعله عازيًا السبب لهدف إنساني وهو مساعدة الطفل من التشرد.
القاضي عبدالله خلص في نهاية قراره الى طلب السجن للمدعى عليهم الإثني عشر وفقاً لمواد الإدعاء، طالباً إحالتهم للمحاكمة أمام محكمة الجنايات في جبل لبنان مع اتباع الجنح بالجنايات لعلّة التلازم.