بعد التوتّر الذي خلّفه التراشق بين وزيري الداخلية نهاد المشنوق والخارجية جبران باسيل، على خلفية التصويت اللبناني في انتخابات منظمة اليونيسكو الأسبوع الماضي، سادت أجواء من التهدئة أمس بين الطرفين، دفعت بباسيل إلى التأكيد أن لبنان لم يمنح صوته لقطر ضد مصر، مشيراً إلى أن «لبنان أبعد نفسه عن المشكلة كما ينص البيان الوزاري، بعد أن عجز عن تأمين التوافق العربي».

إلّا أن التهدئة بين التيار الوطني الحرّ وتيار المستقبل الذي برز المشنوق فيه كأعلى صوتٍ ضدّ سياسات باسيل الخارجية، لم تمنع وزير الداخلية من تكرار مواقفه على قناة «أو تي في» أمس. وبعد أن حيّد رئيس الجمهورية ميشال عون، أكّد «أنني لم أتشاور مع الرئيس الحريري في الموضوع»، منتقداً موقف الحريري من دون أن يسمّيه: «أنا أقول رأيي في مشكلة سياسية أراها أمامي. هذه المشكلة لا تعالج بالكلام الشخصي، ومن لا يرى أن هناك مشكلة لا يرى جيداً حتى لو كان من فريقي السياسي.
السياسة الخارجية تعني كل الحكومة، ولا تعني جهة واحدة ولا وزيراً واحداً فقط». وعن تصويت لبنان في اليونيسكو لفت الى أنه قال في تصريحه عبارة «إن ثبت الأمر»، في إشارة إلى احتمال دعم لبنان لقطر.
وفي حين يبدو الحريري وعون غير معنيّين بالتراشق الإعلامي بين باسيل والمشنوق، علمت «الأخبار» أن رئيس الحكومة منزعج من موقف وزير الداخلية بسبب الإحراج الذي قد يسبّبه له في السعودية ومصر، خصوصاً بعد تأكيد وزير الخارجية أن تصويت لبنان في اليونيسكو جرى بالتنسيق مع عون والحريري.
وفي ظلّ ازدياد الضغوط السعودية والإماراتية على الحريري لدفعه إلى مواجهة مواقف عون وحزب الله، يتواصل موسم «الاستدعاءات» لسياسيين لبنانيين الى الرياض. وعلمت «الأخبار» أن آخر المستدعين الوزير السابق أشرف ريفي الذي يتوجه الى السعودية اليوم. وفي حين كان من المفترض أن يزورها الحريري الأسبوع الماضي، غادر النائبان وليد جنبلاط ووائل أبو فاعور بيروت أمس من دون أن تعرف وجهة سفرهما. إلّا أن أكثر من مصدر رجّح أن يكونا قد توجّها إلى السعودية، علماً بأن جنبلاط كان قد أكّد سابقاً أنه يفضّل أن يلبّي الدعوة بعد زيارة الحريري إلى المملكة وليس قبلها.

 

 

وفيما استمرت الردود على باسيل بعد مواقفه بشأن مصالحة الجبل، بعد أن كرّر أمس مواقفه ذاتها التي أطلقها في رشميّا، تولّى حزب القوات اللبنانية، بعد الحزب الاشتراكي، الرّد على تصريحات وزير الخارجية، فوصف رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع المصالحة بأنها «أهم خطوة حصلت في آخر 50 عاماً»، وأن «المكان الوحيد الذي حصلت فيه مصالحة حقيقية هو في الجبل وبمبادرة طيبة من الطرفين اللذين كانا على علاقة بها، وهما الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية، تحت مظلة كبيرة هي البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، فمن يُقاتل هو من يُصالح».
ردّ جعجع على باسيل، واكبه هجوم لنائبَي القوات أنطوان زهرا وجورج عدوان في جلسة مجلس النواب أمس؛ فأشار الأول الى أن «التعلم من التاريخ ليس نبشاً بالتاريخ وقبوره»، فيما شنّ الثاني هجوماً لاذعاً على السياسات المالية والاقتصادية في البلاد، وعلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، رامياً بسهامه صوب عون والحريري معاً، على خلفية التشكيلات القضائية وصفقة الكهرباء، وملمّحاً إلى أن هناك من يحاول إقالة «رئيس دائرة المناقصات لأنه ينفذ القانون». وقدّم عدوان مداخلة طويلة في الجلسة أشار فيها إلى «أننا متجهون إلى الخراب كما حصل في اليونان»، ما استدعى ردّاً من سلامة (راجع صفحة 6). مصادر مقرّبة من الحاكم اتهمت عدوان بأنه «تهجّم على الحاكم بسبب خلافات حول شقيقه الذي كان محامياً لشركة «الميدل إيست» ومستشاراً قانونياً لبعض المصارف وتمّ إخراجه من عمله لأسباب مهنيّة، فيما أكّد عدوان لـ«الأخبار» أن «هذا الكلام معيب»، وأن «موقفي ليس شخصيّاً، بل أنا أتحدث باسم القوات اللبنانية، ونحن نشعر أننا متجهون نحو كارثة مالية، وعلينا رفع الصوت لتداركها».
تصويب عدوان على التيار الوطني الحرّ على خلفية ملفّ الكهرباء يكمل مشهد التوتر المتزايد بين الطرفين خلال الفترة الأخيرة. وتتهم القوات باسيل بأنه أوعز إلى الدوائر المختصة في القصر الجمهوري الطلب من الأمين العام لمجلس الوزراء فؤاد فليفل سحب البند المتعلق بتعيين رئيس وأعضاء مجلس إدارة تلفزيون لبنان من على جدول أعمال مجلس الوزراء لهذا الأسبوع، لأن الاتفاق لم يتم بعد مع القوات اللبنانية على إنهاء عمل مديرة الوكالة الوطنية للإعلام لور سليمان. وحين ردّ فليفل على دوائر القصر بأن تعيين مدير للوكالة لا يحتاج إلى مجلس الوزراء، أصرّت الدوائر المذكورة على سحب البند من دون تأخير. وفيما عُلم أن وزير الإعلام ملحم الرياشي لا يزال مصراً على رفض المقايضة التي يطرحها باسيل، فإن عدم تعيين مجلس إدارة هذا الأسبوع للتلفزيون يعني أن لا رواتب للعاملين في التلفزيون وللمتعاقدين والمياومين هذا الشهر.
من جهة أخرى، وبعد الحماسة الزائدة التي تحلّى بها الحريري وباسيل الشهر الماضي لحسم آليات تطبيق قانون الانتخاب واستكمال اللجنة الوزارية المكلّفة عملها، مضى أكثر من شهر على آخر اجتماع عقدته اللجنة، بعد أن تحوّلت الحماسة إلى برودة غير مفهومة. وفي حين كان من المفترض أن تعقد اللجنة اجتماعها أمس، بعد إبلاغ الوزراء المعنيين بالموعد، تأجلت الجلسة بحجة تزامنها مع جلسة مجلس النوّاب، من دون أن يحدّد موعد لاحق لها.