في اليوم الأوّل، من أيام وليالي مناقشة موازنة العام 2017، والتي تفتح الباب لمناقشة وإقرار موازنة 2017، بدت مداخلات النواب أقرب إلى «الملل» مقدمة صورة باهتة عن «نواب الامة»، حيث تاهت المداخلات والتدخلات في غياهب «كل شيء»، ما خلا الموازنة وأرقامها.. كل ذلك كان حاصلا لولا المواقف المدوية التي صدرت على لسان نائب «القوات اللبنانية» جورج عدوان، والتي وجهت انتقاداً قاسياً لمصرف لبنان والحاكم، بلغ حدّ الاتهام، إذ قال: «من الصادم ان نعلم ان الواردات من مصرف لبنان 61 مليون ليرة، نحن لدينا 27 ألف مليار بسندات خزينة، والمصرف مجبر بدفع مليار دولار للخزينة من أرباحه على السندات».
وتساءل النائب «القواتي» وسط ذهول رئيس المجلس والنواب: «اين المراقبة والمحاسبة؟ غير موجودة لأن مصرف لبنان لديه علاقات أكبر من ان يتخطاها أحد، ونحن مشغولون بالضرائب».
ومضى عدوان إلى أبعد من ذلك، إذ كشف انه سيطالب بلجنة تحقيق برلمانية في هذا الملف خلال يومين، طالبا من وزير المال علي حسن خليل، ان يطلعنا على أرباح مصرف لبنان منذ 20 عاما الى اليوم...
وأحدثت قنبلة النائب عدوان «المالية» ارتجاجات في غير اتجاه، فانتقدت الهيئات الاقتصادية على لسان رئيس غرفة التجارة والصناعة في بيروت وجبل لبنان محمّد شقير موقف النائب «القواتي» ورأى فيه ضرب للاقتصاد، واصفاً اياه، بأنه ليس وليد الصدفة، بالتزامن مع وجود حاكم مصرف لبنان في الولايات المتحدة الأميركية والذي سارع من هناك لإصدار بيان ردّ فيه على نائب الشوف عن حزب «القوات»، مشيرا إلى انه لم «تمضِ أي سنة لم يقدم فيها مصرف لبنان قطع الحساب السنوي».
وبانتظار ما سيتردد من أصداء على لسان نواب المعارضة اليوم، والرئيس فؤاد السنيورة، ورد وزير المال، اتخذ الرئيس نبيه برّي قرارا باختصار الجلسات والاسراع بإقرار الموازنة، بعدما تحوّلت الجلسات إلى «سوق عكاظ» نيابية، تتناول كل شيء الا أرقام الموازنة وأبوابها.
وكان الرئيس برّي رفع قرابة التاسعة والدقيقة 25 من مساء أمس، أولى الجلسات الثلاث للموازنة، واعداً باختصارها اليوم في جلسة ثانية واخيرة يفترض ان يتحدث فيها 17 نائباً، يتوقع ان يكون آخرهم الرئيس فؤاد السنيورة، قبل ان يتولى وزير المال علي حسن خليل الرد على مداخلات النواب، الذين تحدث منهم في الجلسة الأولى 18 نائباً ايضا صباحا ومساء.
وسبق الشروع في مناقشة الموازنة، جلسة سريعة لم تستغرق أكثر من عشر دقائق، أعاد خلالها المجلس انتخاب مطبخه التشريعي، من دون تغيير يذكر سوى في مقعد النائب خالد زهرمان في لجنة الشباب والرياضة الذي صودف وجوده في ثلاث لجان خلافا للنظام الداخلي فحل مكانه النائب ايلي عون.
اما في وقائع الموازنة، التي تعقد للمرة الأولى منذ 12 سنة، بسبب غياب التشريع في موازنات السنوات السابقة، بسبب الخلافات السياسية والتجاذبات والتوترات فضلا عن «حجة» قطع الحساب و«حكاية» الـ11 مليار دولار التي انفقتها حكومات الرئيس السنيورة، فاللافت انها اتسمت بالهدوء والسلاسة، وبدا انها كانت محصنة بالتفاهم السياسي الذي أرساه توافق الحكومة والمجلس على سبل معالجة أزمة طعن المجلس الدستوري بالقانون الضريبي المموّل لسلسلة الرتب والرواتب، وما انتجته من خوف على الليرة اللبنانية، ومصير مالي أشبه بأزمة اليونان.
وقد عبرعن صمود هذا التفاهم رفض عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض الدخول في سجال مع نائب «المستقبل» أحمد فتفت، الذي كانت له مداخلة نارية، استغرقت ساعة كاملة، صوب فيها على سلاح «حزب الله» متحدثا عن لبنانيين بسمنة ولبنانيين بزيت، ومتوقفاً عند ممارسات ظالمة واستنسابية تمارس في حق الطائفة السنية التي تشعر باحباط نتيجة القرارات المذهبية للمحكمة العسكرية، داعيا إلى وقف المزايدات في مسألة التوطين، متسائلاً: ايعقل ان يقول البعض عن نفسه انه عنصري، في إشارة إلى الوزير جبران باسيل الذي اتهمه فتفت بنبش قبور حرب الجبل وكأنه اشتاق الى الحرب الأهلية.
اما نائب القوات اللبنانية انطوان زهرا، فلم يوفّر بدوره الهجوم على باسيل واتهامه ايضا بنبش القبور للتصويب على مصالحة الجبل، معتبرا ان «هناك محطات بحجم التاريخ صنعها رجال كبار، كالبطريرك الماروني نصر الله صفير لا نقبل ان تكون محل جدل والمس بها ممنوع».
ومع ان الوزير باسيل أعاد تصحيح الموقف الذي سبق واعلنه في رشميا بقضاء عاليه الأحد الماضي، بالنسبة لمصالحة الجبل، مؤكدا في تغريدة له عبر «تويتر» انها «أقوى من ان تسقطها القوى السياسية»، وانها «لا خوف عليها» وإن لم تكتمل بعد لكننا سنعمل بالمصالحة على استكمالها، الا ان النائب العوني حكمت ديب شاء ان يرد على فتفت وزهرا، موضحا ان ما قاله باسيل هو من منطلق الحرص على المصالحة، مشيرا الى انه لم يعد جائزاً الصمت على بعض الأمور التي ترسخ وتثبت المصالح التي نريدها ان تستمر برموش العين.
عدا عن هذه المساجلات التي عكرت صفو الجلسة، من دون ان تؤثر على مجرياتها، كان ثمة كلام في السياسة، جاء على لسان الرئيس نجيب ميقاتي الذي صوب على الحكومة، حيث رأى وجود خلافات جوهرية تتعلق بآلية العمل الحكومي ومركزية القرار، محذرا من انه إذا استمر الوضع على هذا المنوال سنكون امام أزمة حقيقية في وقت أحوج ما نكون فيه لتحصين الداخل.
وفي إشارة إلى العلاقة المهتزة بينه وبين الرئيس الحريري، على خلفية السجال الأخير معه، تمنى ميقاتي على الحكومة ان تأخذ ملاحظاته بالاعتبار، وأن يتسع صدرها للنقد البناء والايجابي، ملاحظاً انها (أي الحكومة) في الفترة الأخيرة ضاق صدرها من أي ملاحظة، في وقت يضج الشارع باخبار القرارات الارتجالية والاتفاق المفرط، ناهيك عن الخلافات الوزارية.
وإلى هذا الكلام السياسي، كان هناك كلام لافت في الجولة المسائية للنائب القواتي جورج عدوان الذي فجر «قنبلة مالية»، عندما طالب وزير المال باطلاع مجلس النواب على أرباح مصرف لبنان منذ 20 سنة، بتقرير مفصل، موضحا انه سيتقدم بطلب تشكيل لجنة تحقيق برلمانية، لأن مصرف لبنان يجب ان يدفع للخزينة ما يقارب المليار دولار نتيجة الفوائد على سندات الخزينة.
ومع ان هذا الاتهام اثار الرئيس السنيورة الذي رغب بالرد على عدوان، الا ان الرئيس برّي لفت نظره إلى انه يستطيع الرد عليه غداً، فاكتفى السنيورة بعبارة واحدة وهي «اننا نستطيع الخروج من الأزمة حتى لا يتسرب الخوف من المواطن».
ولاحقا، ردّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على عدوان، مؤكدا انه لم «تمض سنة من السنوات الـ20 ولم يقدم المصرف المركزي على قطع الحساب السنوي والتقدم به إلى وزارة المال ودفع ما يتوجّب عليه أن يدفعه ضمن القانون، مشيراً إلى أن مصرف لبنان حول إلى الخزينة، خلال الفترة التي تحدث عنها عدوان 4 مليارات و500 مليون دولار، وزاد أمواله الخاصة من 600 مليون دولار إلى 3 مليارات دولار.
ويتوقع أن يحمل اليوم الثاني من مناقشات الموازنة بعض الحماوة، ولا سيما وان من بين طالبي الكلام اليوم إلى جانب الرئيس السنيورة نواباً في المعارضة أبرزهم رئيس الكتائب النائب سامي الجميل والنائب بطرس حرب، وأعلن الرئيس برّي في نهاية الجلسة المسائية انه ينوي أن ينتهي من النقاش اليوم، ولذلك فإنه سيشطب من لائحة الكلام اسم أي نائب يناديه ولا يكون حاضراً في القائمة.
اللجنة الوزارية
على صعيد آخر، لم تلتئم اللجنة الوزارية لدرس آليات تطبيق قانون الانتخاب، برئاسة الرئيس الحريري، للبحث في المستجدات الانتخابية، خصوصاً لناحية حسم الجدل حول التفاصيل المتبقية، ومنها التسجيل المسبق واقتراع الناخبين في مكان السكن بدل مكان الولادة، إضافة إلى اعتماد البطاقة البيومترية، من دون أن يُحدّد موعد لانعقاد اللجنة.
لكن مصادر معنية قللت من أهمية التفاصيل المتبقية التي لن تشكّل عقبة أمام الاستحقاق النيابي، جازمة بأن التباين في وجهات النظر حول التسجيل المسبق سيحسم قريباً لمصلحة اعتماده مع انشاء ما بات يعرف بـ«الميغاسنتر» كمكان مخصص للناخبين الذين يرغبون بالمشاركة في الانتخابات من مكان سكنهم، من دون أن يتكلفوا عناء الذهاب إلى مكّان ولادتهم من أجل الاقتراع.
وفي مجال اجتماعي، متصل، أعلن رئيس الغرف الاقتصادية محمّد شقير الموافقة على إعادة النظر بالاجور في القطاع الخاص، بشرط عدم تدخل الدولة بالاجور.
غليان
وسط هذه الأجواء، وعشية صدور الحكم في قضية اغتيال الرئيس بشير الجميل، والمتوقع في الأيام القليلة المقبلة، عاشت بعض احياء الأشرفية في بيروت نوعا من الغليان أمس، وقبل الاحتفال بصدور الحكم بعد غد الجمعة، على خلفية تعليق يافطة تحمل تهديدا جديدا إذا صدر حكم عن المجلس العدلي باعدام المتهم بقتل الجميل، حبيب الشرتوني، وهو ينتمي إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي.
ونزل مناصرو الكتائب والقوات إلى الشوارع ردا على التهديد، ورفعت صور الجميل واعلام الكتائب في عدد من شوارع الأشرفية لا سيما في ساحة ساسين، تحت شعار: «اذا عدتم عدنا».