قبل فترة تحدث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن تغيير قواعد الصراع مع إسرائيل. اعتبر نصرالله أنه في حال حصول حرب سيتم فتح العديد من الجبهات ضد إسرائيل، والمعركة لن تبقى محصورة في الأراضي اللبنانية أو السورية. وتحدّث عن وصل جبهتي لبنان وسوريا، بحيث يصبح البلدان جبهة واحدة ضد إسرائيل. قد يكون هذا الكلام لاقى آفاقه العملية على الأرض من خلال الصاروخ الذي أطلق من الأراضي السورية باتجاه طائرة إسرائيلية تحلّق في الأجواء اللبنانية. ما يعني أنه تطبيق عملي ورسالة تتضمن تأكيداً لما قاله نصرالله.
هو تطور جديد، لكنه محدود طرأ بين إسرائيل والنظام السوري وحزب الله. إذ أعلنت إسرائيل عن توجيه مقاتلات حربية لضربات جوية استهدفت بطارية للدفاع الجوي للجيش السوري في موقع رمضان شرقي دمشق. وحسبما أشار الجيش الإسرائيلي فإن البطارية السورية أطلقت صاروخ أرض- جو من طراز SA-5 على طائرة لسلاح الجو كانت في مهمة اعتيادية في الأجواء اللبنانية. وقد حمّل المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي ادرعي النظام السوري مسؤولية أي إطلاق نار من سوريا في اتجاه القوات الإسرائيلية، واصفاً إياه بالإستفزاز، وهو خط أحمر لن تسمح إسرائيل بتجاوزه. وأكد أن "ليس هناك أي نية للتصعيد، ومن جانبنا الحدث انتهى رغم استعدادنا لأي تطور. وننصح بعدم امتحان عزمنا وتصميمنا".
يبدو الجوّ الإسرائيلي واضحاً، وهو تجنّب أي تصعيد أو دخول في مواجهة مفتوحة في هذه المرحلة. لكن الجديد واللافت هذه المرّة، هو أن الدفاعات السورية هي التي بادرت إلى إطلاق الصاروخ ضد المقاتلة الإسرائيلية. والمسألة الأهم هي أن الصاروخ أطلق واستهدف طائرة كانت تحلّق في الأجواء اللبنانية. ما يعني أن إطلاق هذا الصاروخ والهدف منه يكمنان في إيصال رسائل أساسية إلى إسرائيل ومنها إلى المجتمع الدولي.
في المعطيات المتوافرة، فإن خطوة إطلاق الصاروخ لم يتخذها النظام السوري، بل صدرت بموجب قرار إيراني في هذه اللحظة الأساسية والمفصلية التي تمرّ بها المنطقة، إذ تعتبر طهران أنها تعرّضت لهجوم واسع وشامل في المنطقة، سياسياً وإعلامياً، من خلال مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب والعقوبات التي تستعد الإدارة الأميركية لفرضها على كل من حزب الله والحرص الثوري الإيراني، وصولاً إلى التلويح بإمكانية الانسحاب من الاتفاق النووي أو إدخال تعديلات عليه.
بالتالي، فإن إيران أرادت إيصال رسالة، بأنها لا تزال موجودة، وغير ساكتة عما تتعرض له، كما أنه ليس بإمكانها السكوت عن الهجوم الذي تعرّضت له. فهي تريد الردّ على هذا الهجوم بهجوم آخر. وقد جاء في هذه الرسالة، ومفادها أنها مستعدة لتغيير قواعد اللعبة والستاتيكو القائم والمتفَاهم عليه في سوريا، إذا ما أرادت واشنطن محاصرتها.
ولكن، ما يشير إلى أن الأمور لا تزال تحت سقف مضبوط، هو المعلومات التي تتحدث عن أن إسرائيل أبلغت موسكو بهذه الضربة قبل تنفيذها، وبأنها ردّ على فعل اقترفه النظام السوري مدعوماً من إيران. بالتالي، فإن ذلك يُبقي اللعبة ضمن حدود ثابتة لم تتغير، وليس من المرجّح أن تتصاعد، لا سيما أن موسكو قد تقود مفاوضات غير مباشرة لاحتواء هذا التصعيد وإيجاد تسوية له. فيما هناك من يستبعد ذلك، ويعتبر أن موسكو لن تكون قادرة على التأثير في مسار الأمور، إذا ما كانت هناك نية فعلية للتصعيد. وصحيح أن لا مجال الآن للحرب، باستثناء توجيه بعض الضربات المحدودة مثلما هو المسار منذ سنوات، إلا أن الحرب قد تندلع بناء على خطأ يرتكبه أحد الأطراف، أو قد تندلع في لحظة لا يكون أحد يأخذها في الحسبان، خصوصاً أن الإسرائيليين غالباً ما يلجأون إلى عامل المفاجأة ويضعون العالم تحت الأمر الواقع.