تتسارع المسارات في المنطقة في أعقاب خطاب «الاستراتيجية الخاصة بإيران» للرئيس الأميركي دونالد ترامب. منها مسار الأزمة الجديدة بين واشنطن وطهران، ومنها ارتفاع وتيرة الحديث عن «منازلة» جديدة بين إسرائيل و»حزب الله»، على إيقاع الحماوة الإقليمية الشاملة، وتكثيف الهجمات الإسرائيلية ضد أهداف للحزب في سوريا ولبنان في الآونة الأخيرة، وتجاوز الخطاب التعبوي للنمط المعتاد من «الحرب النفسية»، سواء بطلب السيد حسن نصر الله من اليهود الإسرائيليين العودة إلى البلدان التي يتحدرون منها كي لا يكونوا وقودا في المواجهة الشاملة العتيدة، أو تجاوز قادة العدو للتهديد «الكلاسيكي» بتدمير البنى التحتية اللبنانية، إلى توجيه تهديدات للجيش اللبناني بأنّه سيكون مشمولا بالعدوان الجديد، أو إعادة الحديث عن عملية احتلالية برية، وأخيرا حديث أفيغدور ليبرمان «التأهبي» لحرب على جبهتين في وقت واحد، قطاع غزة ولبنان.
في هذا الجو المحموم، وهذا المعدّل العالي، بل الجرعات الزائدة جدا، من «الحرب النفسية»، يصل وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى إسرائيل اليوم للقاء بنيامين نتنياهو، بشكل ربطته الصحافة العبرية مباشرة بتداعيات ما بعد الخطاب الأخير لترامب. استبقت هذه الزيارة بمقالة للمراسل العسكري في صحيفة «هآرتس» عاموس هرئيل يقابل فيها بين ارتياح لدى نتنياهو بأنّه بصدد نيل «الموافقة الروسية» على الاستفراد الإسرائيلي بـ»حزب الله»، وبين مقالة دميتري آدامسكي، في «الفورين آفيرز» حول «روسيا وحرب لبنان التالية: كيف يمكن أن تستفيد موسكو من نزاع بين إسرائيل وبين حزب الله».
يصف هرئيل آدامسكي بأنّه من أهم الخبراء الإسرائيليين بطريقة التفكير الروسية حيال مسائل الشرق الأوسط. لكن بالمحصلة، مقالة آدامسكي في «التحليل الاستراتيجي» ومقالة هرئيل في «الربط السياسي المباشر»، توجدان انطباعا مشتركا بأنّه لم يعد بالإمكان الاطمئنان إلى أنّ كل شيء في المنطقة سيبقى ملازما لحدود «الحرب النفسية»، فضلا عن الانطباع، بأنّ مسألة «أين تقف روسيا» تطغى أكثر فأكثر على الأسئلة التي يطرحها الإسرائيليون.
لكن ما الذي يقوله آدامسكي في «الفورين آفيرز»؟ انه يمكن لروسيا أن تستثمر النزاع المقبل لتقوية موقعها ونفوذها في المنطقة. أن العلاقات الروسية ـ الإسرائيلية تستند اليوم إلى شبكة من العلاقات الشخصية مع الرئاسة الروسية أكثر مما تستند إلى قنوات تفاهم ممأسسة. أن الحرب القادمة بين إسرائيل و»حزب الله» هي احتمال يمكن أن يتحول إلى واقع اذا اخطأ أحد الطرفين تقدير حسابات الآخر، أو اعتبر طرف أن الآخر هو في موقع ضعيف لا يتيح له المبادرة للهجوم. وانه، في العشر سنوات الأخيرة تطورت لدى كل من إسرائيل والحزب أفكار جديدة حول النصر المتوخى في الحرب المقبلة، وأن معيار النصر العتيد بالنسبة إلى «حزب الله» ليس فقط ضرب الكتلة السكانية، بل إصابة آلة الحرب الإسرائيلية، القواعد الجوية، المراكز الاستخبارية، الثكنات، بل حتى التوغل البري، والسيطرة على تجمعات سكانية حدودية.
يعتبر آدامسي أن هناك حالة استقطاب روسية ـ إيرانية في سوريا، وان روسيا يهمها تحجيم الطموحات الإيرانية، لكن يهمها أيضا أن تحافظ على ايران كحليفة لها. ويخلص إلى أن روسيا تفضل أن يكون حضور ايران و»حزب الله» في سوريا غير قوي وغير ضعيف!
ويبني آدامس على الشيء مقتضاه، بأن روسيا ستستفيد من إضعاف إسرائيلي حربي للحزب، لكن من مصلحتها أيضا منع إسرائيل من الحسم الواضح، وان الأفضل لروسيا حرب قصيرة تسمح لكل من إسرائيل والحزب بإعلان الانتصار، في حين تحصد موسكو تعزيزا لموقعها في المنطقة، بعد أن تكون قد تدخلت لوقف القتال، وبشكل يظهر ضعف أميركا وأوروبا في الشرق الأوسط أكثر فأكثر. لا يستبعد آدامس أيضا أن يكون من مصلحة العمل الاستخباري الروسي التسريع من هذه المنازلة، بالقيام بهجمات إلكترونية سرية ضد منشآت إسرائيلية، بحيث توجه التهمة إلى «حزب الله» وايران. وبالمحصلة، يعتبر آدامسكي أن روسيا ستكون معنية بالحرب المقبلة أكثر من أي حرب عربية ـ إسرائيلية ماضية، وانه في كل الأحوال، لم يعد السؤال المهيمن على إسرائيل اليوم، هو السؤال عن دور الولايات المتحدة، كما في كل الأزمات السابقة، بل السؤال عن روسيا وما قد تفعله.
حتى اللحظة، حافظت روسيا على سياسة «التوازي» بين علاقاتها مع ايران وعلاقاتها مع إسرائيل وعلاقاتها مع الدول الخليجية، في الوقت نفسه الذي لعب فيه سلاحها الجوي دورا أساسيا في منع انهيار النظام البعثي في سوريا. مقالتا آدامسكي وهرئيل تعكسان إلى حد ما تبرّما إسرائيليا من هذا «التوازي» الروسي، من هذا اللعب الروسي على المتناقضات، من هذا اللعب بالمتناقضات، الذي يمكنه أن يستمر، بل أن يزدهر، حتى في حال وقوع الصدام. في الوقت نفسه، الجانب الأبعد عن التحليل السياسي لدى هرئيل، والمرتبط بحديثه عن احتمال هجمات إلكترونية روسية سرية ضد منشآت إسرائيلية، بما من شأنه أن يسرّع الإيقاع، هو، من مراسلة استخباراتية استباقية بامتياز.
المسارات تتسارع في المنطقة، لكنها ستزداد تعقيدا، ليس فقط بسبب الدور الروسي، بل أيضا لأن ثمة ما هو غير واضح كفاية في «الاستراتيجية الخاصة بإيران» لدونالد ترامب. وهو ما عكسه بالمناسبة، تعليق رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أيهود باراك على الخطاب الأخير، حين اعتبر انه في المعطيات الحالية، فان سحب ترامب الثقة بالاتفاق النووي يفيد ايران.