لم يعد من أدنى شك بأن هذه الطبقة السياسية هي مجموعة متضامنة متكافلة مع بعضها البعض، يشد ازرها وتماسكها ليس مصلحة البلد طبعًا ولا هموم المواطن ومعاناته اليومية بل اللحظوية، وإنما مصالحها المادية وسعيها المستمر إلى تكديس ثرواتها الهائلة لهم ولأولادهم، على حساب مالية الدولة ومن جيوب فقراء الوطن.
الأحمق فقط، هو من يمكن أن يناقش بهذه الحقيقة، والأعمى فقط هو من لا يرى تكاتف هذه الطبقة عند كل مفصل أو استحقاق يمكن أن يهدد مصالحها أو مصالح أحد أركانها، وكيف يصبحوا كالبنيان المرصوص اذا اشتكى منهم عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، وما التعينات القضائية الأخيرة، والإنتخابات النقابية التي خيضت في وجه حنا غريب الا عينة بسيطة جدا على ما ندعيه.
فبليلة ظلماء، يتحول "الأبراء المستحيل" الى مجرد خطأ مطبعي، وبلحظة يصبح سلاح حزب الله اكثر من شرعي وضروري، وبسهرة تتحول الضرائب على الفقراء والمساكين حاجة تقتديها المالية العامة، وينتقل رأس الإرهاب إلى معتدل وضرورة للحفاظ على الإستقرار، والتمديد للمجلس النيابي ثلاثة مرات متتالية والدعس على الدستور مسألة بغاية البساطة.
إقرأ أيضًا: الجنوب والبيوتات الوطنية
هذه المقدمة التذكيرية، كان لا بد منها على أعتاب دخولنا إلى مرحلة الإستعداد لخوض الإنتخابات النيابية،،، فمن الطبيعي أن هذه الطبقة لا تستطيع غور الإنتخابات وهم مجتمعون، اذ لا بد من معارك "طاحنة" وانتصارات "تدغدغ" مشاعر الناخب البسيط.
لذا لا بد من توفير ظروف مؤاتية للجميع وبموافقة الجميع وبرضاهم طبعًا لتأمين أجواء هذه المعارك المتوقعة حتى يوم الإنتخاب، وعليه سيتم نبش كل ما يمكن من قبور وأحقاد وضغائن وعداء وطائفية ومذهبية وسيعود رفيق الحريري إلى الحياة وتدب الروح ببشير الجميل وكمال جنبلاط، وتحضر بعد طول غياب شبعا والخطر الصهيوني الغاشم ولا مانع من عبوات صغيرة هنا وهناك للتذكير باستمرار الخطر الإرهابي، وموسى الصدر سينزع عنه عباءة هي أبشع من عباءة الإقطاع ليرتدي من جديد ثوب المحرومين الحقيقي، ويحضر على صفحات الجرائد الخطر الإيراني المحدق ووهابية السعودية المعادية.
تصعيد من هنا، ورد قاصم من هناك يتبعها تهجم من هنا وتخوين من هناك، فساد وسرقة من هنا وإصلاح وتغيير من هناك كل هذا حتى يدوخ الناخب في عاصفة هوجاء تنسيه لقمة العيش والكهرباء والهدر والسرقات والمدرسة والطبابة والفواتير والطرقات وعجقة السير وووو،، فالطائفة في خطر والمذهب يُسحق والحزب مهدد والتاريخ والجغرافيا وحتى الرياضيات والفن،،،، كل هذا الإعصار لن ينتهي ولن تنتهي الهبّات الساخنة التي تهدد لبنان عن بكرة أبيه، الا ما بعد فتح صندوقة الإقتراع وفوز الشباب أنفسهم،،، ليعودوا جميعًا إلى طاولة التسويات.. فتهدأ النفوس وتعود السرقات من جديد ويضحكون من أعماق أعماقهم فرحين محتفلين بإنتصاراتهم علينا..... ونعود نحن إلى البكاء.