حلت في 13 أكتوبر ذكرى لجوء الجنرال عون، قائد الجيش اللبناني السابق، إلى السفارة الفرنسية في بيروت، وقد صار رئيساً للجمهورية، ومع أنّ التاريخ لا يعيد نفسه، فهناك مأساةً على وشك الحدوث تتناول الداخل اللبناني، فالانقسام الداخلي حاصلٌ ويزدادُ عمقاً بسبب غلبة «حزب الله» على الداخل اللبناني واستيلائه على المؤسسات، وسيطرته على قرار الجيش، وفي الوقت نفسه انحياز رئيس الجمهورية للحزب حتى في وجه القرارات الدولية، وقد بيَّنَ حدثان أخيران سيطرة الحزب على قرار الدولة والجيش: تكرار رئيس الجمهورية اللبنانية للقول بأنّ ردع إسرائيل محتاجٌ إلى «حزب الله»، لأنّ قوة الجيش لا تكفي، وزعمه أن قوات الحزب لا علاقة لها بالملفات الداخلية، وأنّ لبنان ملتزمٌ النأي بالنفس تجاه الأزمة السورية، والكل يعرفون أنّ «حزب الله» مسيطرٌ بقوة الميليشيا على الأرض اللبنانية، وهو يقاتل في سوريا بعشرات الآلاف إلى جانب ميليشيات شيعية أُخرى! أما الخطر الثاني فيتعلق بالتهديدات الإسرائيلية المتبادلة مع الحزب، فكل منهما يهدد الآخر بالويل والثبور وعظائم الأمور. إسرائيل يقول مسؤولوها إن الحرب لن تقتصر على الحزب، بل ستكون ضد كل لبنان، وبالمقابل يقول نصرالله إنّ إسرائيل ستكون كلّها مهدَّدة إذا هاجمت الحزب بلبنان!
وتُضافُ لذلك عقوبات الولايات المتحدة المتصاعدة ضد الحزب، والذي تعتبره تنظيماً إرهابياً، والعقوبات هذه المرة لا تقتصر على الحزب وأعماله، بل تتناول إيران والاتفاق النووي بشكل مباشر، ولأنّ «حزب الله» كلّه من بدايته إلى نهايته هو تنظيم إيراني، فمن الطبيعي أن تفكّر إيران باستخدامه كلّما شعرت بالخطر. وبذلك فثمة مصلحتان في الحرب إن لم تكن ثلاث مصالح؛ الأولى لإسرائيل التي ترى أنّ قوى الحزب تنمو في سوريا ولبنان، وأنه إذا كانت الحرب ضد إيران مستبعدة، فإنّ تقطيع أوصالها في سوريا ولبنان هو أمرٌ مستحسَنٌ، وقد تشاركها في ذلك الولايات المتحدة. ومن جهة ثالثة، قد تكون إيران مهتمة بتصعيد النزاع رداً على إجراءات ترامب ضدها، ولكي لا تتهم بالضعف، وقد قال المسؤولون الإيرانيون إن اعتبار الحرس الثوري تنظيماً إرهابياً يعني قيامها بردٍّ ساحق!
هل لهذه التهديدات المتبادلة صدقية؟ الطرفان لا يريدان الحرب الآن، وبخاصة نصرالله، لكنها قد تقع بالخطأ من أحد الطرفين، وردّ الطرف الآخر. وقد دأبت إسرائيل على ضرب قوافل وقواعد «حزب الله» في سوريا دون أن يحرك النظام أو الحزب أو إيران أو روسيا ساكناً.
ماذا يكون الموقف لو أنّ الحرب وقعت؟ بالطبع لا يمكن لا لرئيس الجمهورية، ولا للحريري فعل شيء، لكنهما كانا يستطيعان فعل أشياء كثيرة في الشهور الماضية، فالرئيس عون كان بوسعه الصمت بشأن الجنوب، الذي تزعم إسرائيل دائماً أن الحزب لا يزال يعمل فيه رغم القرار الدولي رقم 1701. وكان بوسع رئيس الجمهورية إظهار الجيش بمظهر المستقل والعنصر الفاعل على الحدود الشرقية للبنان مع سوريا، لكن الرئيس اختار بعد قرار الحرب ضد «داعش» وقف إطلاق النار بعد طلب نصرالله، وما يزال الأخير يزعم أنه انتصر، وما تجرأت الدولة اللبنانية على الاحتفال بما تعتبره انتصاراً لجيشها! ولهذين السببين بدا لبنان وقرارات جيشه ورئيسه أدوات بيد الحزب.
هل كان بوسع رئيس الحكومة فعل شيء؟ بالطبع كان يستطيع ذلك بالضغط على رئيس الجمهورية من أجل مصلحة لبنان الفائقة في التهدئة بالجنوب، والذي ظلت جبهته هادئة منذ عام 2006 بسبب وجود القوات الدولية بمقتضى القرار 1701. وكان بوسع رئيس الحكومة الاعتراض على إيقاف القتال ضد «داعش» بناءً على طلب نصرالله، لكنه اختار بدلاً من ذلك استدعاء مدير الأمن العام، فيضيف إلى تكليف نصرالله والرئيس له بأن يكون ثالثاً في الاتفاق مع «داعش» إلى جانب نصرالله والنظام السوري، بأن يكلّفه هو أيضاً، فزاد بذلك من الرقّة حتى انفلقا! وقد تلقّى رئيس الجمهورية مدحاً من نصرالله، إذ اعتبره «وطنياً»، وهذه شهادة عظيمة، لكننا لا ندري نوعية المكافأة التي تلقاها الرئيس الحريري!
والخطير الآن أنّ الموقف خرج من أيدي اللبنانيين جميعاً، وصار بأيدي الإسرائيليين والإيرانيين والروس والأميركيين، وهذا ما حصل عام 2006 حينما أدخلت إيران لبنان في حرب بإغارة الحزب على دورية إسرائيلية.
المصدر: "الاتحاد"