تتسارع وتيرة التوتّر السياسي الداخلي، على وقع الضغوط الخارجية الأميركية والسعودية، وتفجّر الملفّات الخلافية من التنسيق مع الحكومة السوريّة وملفّ النازحين، إلى السّجال الدائر حول تصويت لبنان في انتخابات مدير منظمة اليونيسكو الأسبوع الماضي.
ومع أن غالبية القوى السياسية لا تزال تعلن تمسّكها بالتسوية الداخلية التي ولدت قبيل انتخاب الرئيس ميشال عون، والتحالف الوثيق لأكثر من عامٍ بين عون والرئيس سعد الحريري، إلّا أن العلاقة مع سوريا واللقاء الذي جمع وزير الخارجية جبران باسيل بنظيره السوري وليد المعلّم، عادا ليكونا مصدراً للخلاف بين عون والحريري، بالتوازي مع التباين الحاد تجاه حلّ أزمة النزوح السوري.
وعلمت «الأخبار» أن قراراً اتخذه الحريري خلال اجتماعٍ مع فريقه اللّصيق الأسبوع الماضي، يقضي برفع الصوت ضدّ اندفاعة رئاسة الجمهورية وحلفائها تجاه سوريا في ما خصّ أزمة النازحين، لصالح التمسّك بمعزوفة الضمانات الدولية لعودة النازحين إلى بلادهم، عوضاً عن التنسيق مع السوريين.
واستند أصحاب هذه السياسة، إلى أن رفع الصوت ضد هذا التنسيق، يشدّ أوّلاً عصب تيار المستقبل من الآن وحتى الانتخابات النيابية التي باتت أمراً واقعاً مع فشل محاولات تأجيلها، ويعيد إلى التيار عنواناً سياسياً مفقوداً، مقابل المزايدات على موقف التيار من حزب الله وسوريا خصوصاً من الوزير السابق أشرف ريفي. وثانياً، يتماشى هذا التصعيد الكلامي، مع التصعيد السعودي والأميركي ضد حزب الله وإيران وسوريا، بما يمتصّ نقمة الرياض على موقف الحريري الذي لم يرفع السقف إلى المستوى المطلوب سعوديّاً ضد حزب الله، وفي الوقت نفسه، لا يكسر تصعيد الحريري العلاقة التوافقية مع رئيس الجمهورية، طالما أن الطرفين اتفقا مع بداية التسوية على تنظيم الخلاف حيال العناوين السياسية الكبرى.
إلّا أن حماوة المشهد، باتت تهدّد بانهيار التفاهمات السابقة، خصوصاً بعد الأخذ والردّ بين الوزير نهاد المشنوق وباسيل أمس، على خلفية تصويت لبنان في اليونيسكو. وفيما تمسّكت وزارة الخارجية، في بيان لها، بعدم كشف التصويت اللبناني ولمن أعطى لبنان صوته بعد انسحاب المرشّحة اللبنانية في ظلّ التنافس الذي كان قائماً بين قطر ومصر مؤكّدةً أن الموقف اللبناني جرى بالتنسيق بين الخارجية ورئاستي الجمهورية والحكومة، تبّنى تلفزيون «المستقبل» كلام وزير الداخلية، الذي اعتذر من مصر «بما أمثل ومن أمثل، حكومة وقيادة وشعباً، على تصويت لبنان ضد مرشحها في الأونيسكو لصالح مرشح قطر في حال ثبت هذا الأمر». وأكّد المشنوق أن «سياسة وزارة الخارجية تتعارض مع الأعراف الحكومية والبيان الوزاري»، وأن «سياسة النأي بالنفس التي كانت أحد بنود التسوية الرئاسية، تعرضت لضربات في الفترة الأخيرة، إن على صعيد زيارة عدد من الوزراء إلى سوريا، أو لقاء نيويورك الذي لم يكن منسقاً مع رئيس الحكومة، كما تنص بنود التسوية». وفيما ترك وزير الداخلية هامشاً حيال عدم تأكيده أن لبنان صوّت للمرشّح القطري، يبدو مستحيلاً إثبات حقيقة تصويت لبنان، ما لم تكشف وزارة الخارجية عن هذا الأمر، إلّا أنه نُقل عن الجانب المصري، اقتناعه بأن لبنان منح صوته للمرشّح القطري. وبحسب معطيات الجلسة الرابعة، فإن مصر تعادلت مع فرنسا، بـ18 صوتاً لكلّ من مرشحيهما مقابل 22 صوتاً للمرشح القطري، الذي عاد وخسر أمام المرشحة الفرنسية في الجولة الأخيرة (28 صوتاً مقابل 30)، بعد أن فازت الفرنسية على المرشّحة المصريّة في تصويت جانبي بـ 25 صوتاً مقابل 31 للمصرية. وبالتالي، فإن صوت لبنان لم يكن ليكون مؤثّراً في الجولات الأخيرة في ظلّ الفارق في الأصوات، كما أن لا شيء يؤكّد منح لبنان صوته للمرشّح القطري ومنعه عن المصريّة، وأن المكان الوحيد الذي كان يمكن فيه للصوت اللبناني أن يؤثّر هو في الجولة الرابعة، أي عندما تعادلت الفرنسية والمصرية، من دون أي دليلٍ على اتجاه الصوت اللبناني. إلا أن مصادر مطلّعة أكّدت لـ«الأخبار» أن العتب المصري على لبنان، ليس بسبب الشكّ بالتصويت لصالح قطر، إنّما بسبب اقتراح اللبنانيين على المصريين مرتيّن الانسحاب لصالحهم، في الوقت الذي كانت تملك فيه المرشّحة اللبنانية 3 أصوات ومرّة ثانية أربعة أصوات، في مقابل 13 صوتاً للمرشّحة المصرية، بدل اقتراح العكس، أي انسحاب لبنان لصالح مصر. علماً أن مصادر معنيّة في التيار الوطني الحرّ، أكّدت لـ«الأخبار» أن التواصل مع المندوب اللبناني لم يكن محصوراً بوزارة الخارجية، وكان «مستشار الحريري نادر الحريري على اتصال دائم به».
سريعاً، ردّ باسيل على كلام المشنوق، خلال جولة له في منطقة عاليه، قائلاً إن «من لا تعجبه سياستنا الخارجية المستقلة، هو المستتبع للخارج وغير المعتاد على العيش بلا تبعية، أما نحن فنعيش ورأسنا مرفوع». وفي حين لم يردّ المشنوق على كلام باسيل، دخل مستشار الرئيس نجيب ميقاتي خلدون الشريف، على خطّ السّجال، قائلاً لباسيل إن «السياسة الخارجية للبنان منوطة بحسب المادة 65 من الدستور بمجلس الوزراء، وبالتالي من غير المسموح لأي وزير أن يتجاوز الدستور، ويبدو في رد معاليه وكأنه هو من يحدد السياسة الخارجية للبلاد».
باسيل لم يكتفِ بالردّ على تيار المستقبل، بل فتح سجالاً مع الحزب التقدّمي الاشتراكي، بعد مواقفه في عاليه التي عاد بها إلى زمن حرب الجبل، مؤكّداً أن «العودة ما تمت، والمصالحة ما اكتملت، ونريدها أن تكتمل وأن تكون العودة حقيقية وناجزة». وقال: «آن أوان العودة السياسية، وستتم من خلال إنتخاب من يمثل أهل هذه المنطقة التمثيل العادل والكامل». وأشار باسيل إلى أن «هذه المشكلة (العودة إلى الجبل) ما تعالجت بعد. عندما نتحدث عن حق المعرفة فلأن هذا حق الإنسان الطبيعي بأن يعرف أهله أين؟ وعظامهم أين؟ وترابهم أين؟ حقه ولا أحد يستطيع أن ينتزع منه هذا الحق».
كلام باسيل استنفر الاشتراكيين، فردّ النائبان وائل أبو فاعور وأكرم شهيّب عليه، فيما نشر النائب وليد جنبلاط صورتين للبطريرك بشارة الراعي والبطريرك نصرالله صفير على حسابه على «تويتر». وقال أبو فاعور إن «مصالحة الجبل راسخة وأهم من كل المقاعد النيابية، وأهل المصالحة في الجبل وفي تنوعهم لن ينصتوا لأي خطب تحريضية، لان المصالحة باتت واقعاً، لن ينال منه أحد، وسنستمر في تكريسها ولن نستدرج إلى منطق الكراهية ونبش القبور»، فيما أكّد شهيّب أن «المصالحة خط أحمر في مسيرتنا السياسية، التي لم ولن تبنى على مقعد نيابي بالزائد أو بالناقص».