هل اعتاد وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل على إثارة المواقف السجالية، غير عابئ بتداعياتها على التسوية السياسية، التي ما تزال تحكم الوضع الداخلي، على الرغم من التوتر الدولي - الإقليمي، الذي يكاد ان يلامس حدود «الازمة الكبرى» المفتوحة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران؟
عشية مناقشة جلسات الموازنة، التي تبدأ غداً، فاجأ باسيل الوسط السياسي بنكء جراح احداث الجبل أو حرب الجبل عام 1983، عندما قال في افتتاح محوّل معمل كهرباء رشميا: آن أوان العودة السياسية بفعل قانون الانتخاب الجديد.. نحن لا نسعى لنبش الماضي، لكن حق المعرفة طبيعي وكل إنسان من حقه ان يعرف أهله أين، ترابهم أين، عظامهم أين.. وهذا ليس محاسبة بل علاج.
واعتبر ان المصالحة ليست استلحاقاً بالآخر واستتباعا له، وهي لم تكتمل وقواعدها معروفة..
واشعلت هذه المواقف الصادمة مواقف سياسية ونيابية ووزارية فضلاً عن استيعاب أركان لقاء كليمنصو، نظرا لتزامن محاولات باسيل «تسميم مصالحة الجبل عام 2000، وتفخيخ التسوية السياسية، عبر ضرب المصالح اللبنانية مع العرب عرض الحائط، مما يُهدّد التسوية السياسية «ويعرض التضامن الحكومي لمخاطر جدية» على حدّ تعبير وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، الذي قال في معرض تعليقه امام حشد من جمعية «متخرجي المقاصد الإسلامية في بيروت «ان الاستمرار بسياسة الصدمة والإلزام والارغام»، مفرقاً بين رئيس الجمهورية «الذي له كل احترام وتقدير»، وبين سياسة وزارة الخارجية التي تتعارض مع الأعراف الحكومية والبيان الوزاري، معتذراً من مصر حكومة وقيادة وشعباً عن «تصويت لبنان ضد مرشحتها في الأونيسكو لصالح مرشّح قطر في حال ثبت هذا الأمر».
وفي هذا الإطار كشفت مصادر ديبلوماسية في باريس لـ «اللواء» تفاصيل التصويت اللبناني في المرحلة الثالثة لانتخابات الأونيسكو ولمصلحة المرشح القطري، حيث تبين ان تعليمات الخارجية في بيروت قضت باستبدال المندوب اللبناني الدائم السفير خليل كرم، بالسفير اللبناني في العاصمة الفرنسية رامي عدوان المقرب من الوزير جبران باسيل، مع التأكيد على التصويت لمرشح قطر، في الجولة الثالثة من الانتخابات، ضد المرشحة المصرية.
وأشارت هذه المصادر الى ان المندوب اللبناني في اليونيسكو السفير كرم هو رئيس المجموعة العربية في المنظمة الدولية للثقافة والعلوم، ومعروف بعلاقاته الجيدة مع مختلف مندوبي الدول العربية.
وذكرت المصادر الدبلوماسية ان لبنان عاد وصوّت إلى جانب المرشحة الفرنسية اودري ازولاي في الجولة الرابعة والاخيرة التي أسفرت عن فوز فرنسا بمقعد المدير العام للمنظمة الدولية، وخسارة المرشح القطري.
بالمقابل، أوضحت مصادر دبلوماسية لـ «اللواء» ان تحركا ديبلوماسيا يقوده رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يستهله بلقاء سفراء الدول الكبرى في الساعات القليلة المقبلة ويتركز فيه البحث على الأوضاع والنازحين السوريين. وقالت المصادر ان الرئيس عون يشرح موقف لبنان ويعرض وجهة نظره والحلول التي يقترحها لمعالجة الملفات.
مؤتمر روما
ويختتم الرئيس الحريري اليوم زيارته بلقاء نظيره الإيطالي جنتليوني.
وقال مصدر مطلع لـ «اللواء» في روما ان البحث سيتركز على التحضيرات اللازمة لعقد مؤتمر روما المخصص لدعم الجيش اللبناني.
وأشار إلى رغبة اوروبا لدعم الجيش بالمعدات وبالتدريب والمساعدات انطلاقاً من ان دعم الجيش يؤدي إلى تثبيت الاستقرار ومحاربة الإرهاب.
سجالات المحاور المتخاصمة
وعكست السجالات السياسية التي اندلعت نهاية الأسبوع، صورة الوضع الحكومي غير السوي، فضلا عن العلاقات بين القوى السياسية المؤتلفة ضمن التسوية السياسية التي انتجت العهد الحالي، لا سيما وأن هذه السجالات لم توفّر الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي على خلفية انتقادات الأخير للحكومة، ورد الحريري بأنه سيرد عليه بعد عودته إلى بيروت اليوم من زيارته الحالية إلى روما، أو من خلال عقد جلسة لمجلس الوزراء في طرابلس، في حين ان «نجم» هذه السجالات كان الوزير باسيل، الذي لم يوفّر بدوره من انتقاداته لا وزير الداخلية المشنوق، ولا مصالحة الجبل التي اعتبرها منقوصة، ولا عودة حقيقية الا في أقلام الاقتراع، مما استدعي ردوداً من العيار الثقيل من نائبي الحزب التقدمي الاشتراكي اكرم شهيب ووائل أبو فاعور، بينما اكتفى النائب وليد جنبلاط في رده على باسيل باستذكار البطريرك السابق نصر الله صفير، قائلاً عبر «تويتر»: السلام عليك أيها البطريرك صفير».
ولم ينج تفاهم معراب بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، من وقائع هذا السجال، ولو من وراء البحار، حيث ردّ مصدر في التيار على دعوة رئيس حزب «القوات» سمير جعجع الموجود حالياً في سيدني في اوستراليا، للرئيس ميشال عون باستعادة الدور السياسي للدولة بإعادة النازحين السوريين، معتبرا ان قرار الحكومة مصادر من قبل وزيري حزب الله. 
مع ان جعجع كان يتحدث في احتفال للتيار بذكرى 13 تشرين 1990.
ردّ مصادر التيار كان صاعقاً، إذ اعتبر الحديث عن مصادرة القرار الحكومي بأنه اهانة لكل المشاركين في الحكومة، مشيرا لماذا لا يستقيل هؤلاء من الحكومة عندما يعتبرون قرارها مصادراً.
ودعت هذه المصادر إلى عدم المزايدة على التيار الذي يعتبر نفسه رأس حربة في قضية عودة النازحين.
على ان السجال الاعنف الذي رسم صورة قاتمة للوضع الحكومي، جاء على خلفية ما كشفته «اللواء» يوم السبت، حول «الفضيحة الديبلوماسية» والتي تمثلت في تصويت المرشحة اللبنانية لمنصب المدير العام لمنظمة الأونيسكو، قبل انسحابها لمصلحة المرشح القطري ضد المرشحة المصرية الدكتورة مشيرة خطاب، الأمر الذي دفع الوزير المشنوق، خلال افطار اقامته جمعية المقاصد الإسلامية في بيروت، إلى الاعتذار من مصر، بما «امثل ومن امثل حكومة وقيادة وشعبا»، مشيرا إلى ان مصر «دولة موزونة وموضوعية وهادئة، ودورها بناء في لبنان، وكان لها دور في دعم التسوية الرئاسية وفي تشكيل الحكومة، ولديها دوما رغبة في المحافظة على الاستقرار وعلاقاتها ممتازة بكل الفرقاء اللبنانيين».
وهاجم المشنوق السياسية الخارجية اللبنانية التي وصفها «بالشاردة» منتقداً سلوك الوزير باسيل دون ان يسميه».
ولم يتأخر ردّ باسيل على المشنوق، والذي جاء بدوره، خلال افتتاح مكتب للتيار في سوق الغرب، حيث اعتبر وزير الخارجية ان «من لا تعجبه سياستنا الخارجية المستقلة هو المستتبع للخارج».
وكان باسيل الذي جال أمس في عدد من قرى قضاء عاليه، يرافقه وزيرا التيار سيزار أبي خليل وطارق الخطيب، ودشن محولا للكهرباء في رشميا، قد تطرق إلى مصالحة الجبل التي رعاها البطريرك الماروني نصر الله صفير والنائب وليد جنبلاط في العام 2000، معتبرا ان العودة لم تتم والمصالحة لم تكتمل، وأن الجرح لم يختم، مشيرا إلى انه يسامح مثل كل النّاس ولكننا لن ننسى». لافتا إلى ان مفاتيح العودة تكون بالانتخابات المقبلة، وبتمثيل أهل هذه المنطقة التمثيل العادل والكامل، موضحا ان المصالحة ليست استلحاقاً بالآخر أو استتباعاً وهي لم تكتمل.
وبتفويض من المختارة، جاء ردّ النائبين شهيب وأبو فاعور سريعاً، من دون ان يسميا باسيل بالاسم، اللذين اكدا ان «مصالحة الجبل راسخة وتشكل خطاً أحمر في المسيرة السياسية التي لم ولن تبنى على مقعد نيابي بالزايد أو بالناقص».
وقال شهيب ان «عيشنا الواحد في الجبل ينطلق من الإيمان بسياسة الانفتاح على أهلنا وجيراننا وجميع القوى السياسية في الجبل، منذ ان تجاوزنا مآسي الحروب الداخلية، واننا تأكيداً على ذلك شاركنا عن قناعة تامة في انتخاب الرئيس ميشال عون رئيساً للبلاد ايماناً منّا بوحدة مكونات المجتمع اللبناني وصوناً للوطن».
أما أبوفاعور فأكد بدوره ان المصالحة باتت واقعاًَ، ولن ينال منه أحد، وسنستمر في تكريسها، ولن نستدرج إلى منطق الكراهية ونبش القبور».
ولفت إلى ان لقاء كليمنصو لم يكن له هدف انتخابي، بل هدفه سياسي للحفاظ على الاستقرار السياسي والوطني والسبل الآيلة إلى ذلك.
سباق ماروني
وسط هذه الأجواء الملبدة، أدرجت جولة د. جعجع في استراليا في إطار السعي لكسب أصوات النازحين هناك لمصلحة مشروعه، على الرغم من استثمار الوزير باسيل إمكانيات الوزارة لكسب هؤلاء للتصويت إلى مرشحي تياره.
وتتحدث المعلومات عن عزم رئيس حزب الكتائب سامي الجميل القيام بجولة أميركية لهذا الغرض، وكذلك رئيس حزب الوطنيين الأحرار النائب دوري شمعون، فضلاً عن تأكيد رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية العمل الدؤوب لتياره مع المقترعين.
جلسات الموازنة
وعلى واقع السجالات الداخلية وارتفاع وتيرة التخاطب حكومياً ونيابياً، تلتئم الهيئة العامة للمجلس النيابي غداً الثلاثاء في جلسة سريعة وقصيرة للتجديد لهيئة مكتب المجلس وأعضاء اللجان النيابية، من دون حصول تغييرات جذرية على قاعدة عدم تغيير التوازنات القائمة لقصر المهلة المتقية أمام عمر المجلس. ومن ثم يلي ذلك جلسة ماراتونية لمناقشة العام 2017، للمرة الأولى منذ آخر موازنة تمّ إقرارها في العام 2005، من المقرّر أن ثُبت وقائعها على الهواء مباشرة وعلى مدى ثلاثة أيام صباحية أو مسائية، ما يفتح الباب أمام طرح كل الملفات والمواضيع، لا سيما وأن الشهية الانتخابية ستكون بدورها مفتوحة، حيث قد لا يتاح للنواب تكرار هذه الفرصة الا في حال حصول جلسات مناقشة، بحسب ما وعد الرئيس نبيه برّي.
ورغم ان النتيجة معروفة لجهة إقرار الموازنة في نهاية هذه الجلسات، الا ان مسألة قطع الحساب ستأخذ جدلاً ومناورات قبل إقرار الصيغة التوافقية التي اقترحتها الحكومة لجهة اقرار المشروع المعجل بتأجيل تقديم قطع الحساب بين ستة أشهر وسنة، كالتفاف على المادة 87 من الدستور لتسهيل تمرير الموازنة، مع الإشارة إلى ان التفاهم الرئاسي سيفرمل أي دعسات ناقصة، ويمنع النواب من تخطي السقف المسموح به سياسياً.
قانون الانتخاب
وإذا تسنى للرئيس الحريري بالوقت، فانه، حسب ما هو مقرر، سيدعو اللجنة الوزارية المكلفة البحث في قانون الانتخاب إلى الاجتماع غداً في السراي الحكومي، لاستكمال البحث في تفاصيل الآلية التقنية للعملية الانتخابية، لتقرير الإجراءات الإدارية والتقنية اللوجستية التي ينبغي ان تتخذ، وسط استمرار الانقسام بين الأطراف السياسية الممثلين في اللجنة حول مسألة التسجيل المسبق للناخبين خارج أماكن قيدهم، رغم ان هذه الاطراف تقر بأن الوقت بات واضحاً ولم يعد يسمح بانجاز لا بطاقة الانتخاب الممغنطة ولا بطاقة الهوية البيومترية لجميع الناخبين، الأمر الذي يعني ان ثمة تعديلات يجب إدخالها على قانون الانتخاب الذي ينص على اعتماد البطاقة الانتخابية وعلى قضايا اجرائية أخرى مثل التسجيل المسبق، ما يستدعي أيضاً توافقاً سياسياً، لكي يتسنى للمجلس عقد جلسة تشريعية لهذا الغرض، علماً ان البلاد ستكون امام إشكالية دستورية وقانونية وزمنية حقيقية في حال تعذر التوافق، لا يعرف أحد كيف يتم تجاوزها، في ظل إصرار جميع القوى السياسية على إجراء الانتخابات في موعدها المقرّر في أيار من العام المقبل.
وذكرت مصادر متابعة لعمل اللجنة، انها ستبحث في الاجتماع آلية تطبيق قانون الانتخاب وما سيطرحه وزير الداخلية من إجراءات وتدابير يجب ان تتخذ على عجل بسبب ضيق الوقت، سواء لجهة تقرير الموقف من التسجيل المسبق للناخبين الراغبين في التصويت لكن في مناطق سكنهم وليس في مناطق قيدهم، وهل سيُعتمد المركز الانتخابي الكبير «ميغاسنتر» أم لا، وهل ستُعتمد بطاقة الهوية البيومترية للراغبين فقط بالانتخاب في اماكن سكنهم ام لا، وما هي كلفة الانتخابات المالية حسب القرار الذي سيتخذ سواء سلباً ام إيجاباً؟
وأوضحت المصادر انه في ضوء القرار تتقرر الاجراءات التقنية والادارية والكلفة المالية، لكن الامر بحاجة الى قرار سياسي من القوى المشاركة في الحكومة، ليُبنى على الشيء مقتضاه. مشيرة الى ان وزير الداخلية لم يقل ان كلفة الانتخابات هي المبلغ الذي طلبه بل هو طلب سلفة خزينة لإجراء العملية الانتخابية بقيمة سبعين مليار ليرة تقريباً لكن ليس بالضرورة ان يتم صرفها كلها، خاصة اذا تضاءلت الاجراءات التقنية للانتخابات كاستبعاد البطاقة الانتخابية او الهوية البيومترية والعودة الى بطاقة الهوية العادية او جواز السفر او الاقتراع في مكان القيد في المدن والقرى.