بعد مضي اكثر من عشر سنوات على اقرار آخر موازنة عامة صوت عليها البرلمان اللبناني في 2005، يتوقع ان يناقش مجلس النواب هذا الاسبوع الموازنة العامة للدولة لسنة 2017 بعد ان ابدت معظم الكتل ارتياحها وموافقتها على المخرج الذي اقترحه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والقاضي بإقرار الموازنة على ضمانته الشخصية على ان ينجز فريق وزارة المالية قطع الحساب و» ترميم»  الحسابات المالية للدولة اللبنانية في حقبة 1993-2016 في غضون بضعة أشهر. هذا الانجاز المالي له عدة دلالات، اولا قدرة العهد والحكومة على اعادة الحياة المالية للدولة الى طبيعتها وانتظامها حسب القانون والدستور والاعراف. ثانيا، اعطاء اشارة قوية للمؤسسات المالية المحلية والدولية الى استعادة الدولة لعافيتها المؤسساتية وزيادة الثقة فيها، كذلك الامر للجهات المانحة والمنظمات الدولية والتي ضعفت ثقتها بالدولة اللبنانية و بشفافيتها (والطريق طويل) نتيجة فشل الحكومات السابقة بإتمام واجباتها في الادارة المالية، اذ كانت الدول المانحة والمنظمات الدولية تخشى على الهبات والقروض والمساعدات المرصودة للبنان من ان تهدر وتصرف دون حسيب او رقيب كما حصل على سبيل المثال في حكومات السنيورة، حيث لم يسجل الاخير في سجلات وزارة المالية اي من الهبات المقدمة للدولة اللبنانية خلال حقبة ترؤسه للحكومة (على الاقل) بعد 2005.

 المخالفات المالية بالوثائق والأرقام 

هذا وحصلت الديار على نسخة من مشروع قانون قطع حساب الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2015، ويظهر جليا الارتكابات والمخالفات المالية التي تمت في حقبة ما اصبح يعرف بعهد السنيورة المالي الذي بدأ في العام 1993 الى الامس القريب (مع الاخذ بعين الاعتبار التقطع-الوجيز عن استلام السنيورة أو من يدور في فلكه وزارة المالية في بعض الحكومات) حيث يفند مشروع القانون الخطوات الخاطئة والمخالفات التي ارتكبت مما ادى الى فوضى عارمة في المالية العامة ومستنداتها في منتصف التسعينات وصولا الى عدم تسجيل الهبات وعدم استرجاع سلفات الخزينة وصرف الأموال دون الرجوع الى مجلس النواب واللائحة تطول. (مشروع القانون منشور بالكامل في الصفحة 8).

 مصادر بعبدا : لا تسوية حول قضية الـ 11 ملياراً والحسابات المالية 

وفي اطار مسعى البعض لربط الموازنة وقطع الحساب بقضية ال 11 مليار دولار الذين صرفوا خلال حقبة السينورة في رئاسة الحكومة، أكدت مصادر مقربة من القصر الجمهوري ان الرئيس عون وانطلاقاً من خطاب القسم الذي اكد فيه محاربة الفساد واحترام الدستور لن يقبل وبأي شكل من الاشكال تسوية مخالفات دستورية اكانت سابقة ام حالية وخصوصاً عندما يتعلق الامر باحترام عمل المؤسسات والمالية العامة. واكدت المصادر ان الرئيس عون لا يقبل حلاً خارج متطلبات الدستور والقانون لأي مسألة ومن ضمنها مسألة الـ11 مليار دولار، والتي هي مرتبطة بإنفاق رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة في سنين محددة لمبالغ من المال العام دون اذن من مجلس النواب وهذا يشكل مخالفة دستورية ولا علاقة لها باموال منفقة دون قيود. اذ ان المخالفة دستورية بامتياز عبر تخطي القوانين والاعراف في عدم الرجوع الى المؤسسات. وتجدر الاشارة الى انه عندما كان يسأل السنيورة وفريقه عن الموضوع، كان يأتي الجواب ان مجلس النواب مقفل بسبب الاحداث السياسية آنذاك وعلى الدولة ان تنفق، غير ان فترة اقفال المجلس النيابي لم تتعدَّ السنة بينما الصرف امتد لـ4 سنوات دون الرجوع الى البرلمان. 
اما في الشق المتعلق بالحسابات المالية المتراكمة منذ 1993 والتي تسعى وزارة المالية بجهد جبار لإعادة تشكيلها وانهاء ترميمها في الاشهر المقبلة، بعد ان كان السنيورة وفريقه المالي «ادوا قسطهم للعلى»  خلال وجودهم في الوزارة المعنية، كما اشار خبير مالي (في حديث مع الديار 3 تشرين الاول) عمل في وزارة المالية طوال فترة ما يعرف بحقبة فؤاد السنيورة في المالية العامة، حيث اشار الى تراكم الاخطاء والممارسات الخاطئة لهذه المرحلة والعمل الفوضوي في اجراء الحسابات المالية منذ 1993، فقد كان يلجأ السنيورة الى فريق خاص به وغير تابع لوزارة المالية لاجراء الحسابات. ويشير هنا الخبير الى ان اقل ما يمكن قوله هو ارتكاب اخطاء جسيمة في تجميعها وصولا الى حرية التصرف بالحسابات وحصول مخالفات وارتكابات ضد المال العام.
بالعودة الى الحسابات المالية للدولة، فعند انجازها سوف يعرف اللبنانيون اين انفقت اموالهم وكم كانت مستويات العجز الفعلية في هذه السنوات وغيرها من المؤشرات. كما يمكن ان يكشف عن سوء ادارة واستخدام السلطة والتطاول على المال العام. هنا تؤكد مصادر بعبدا انها ستدعو المؤسسات والقضاء الى تحمل مسؤوليتهم الاخلاقية  والتاريخية تجاه الدستور والشعب عبر التحرك والاقتصاص من المرتكبين ومن سوّلت لهم أنفسهم التفريط بأموال اللبنانيين.

 باسيل في الجبل 

من جهة اخرى، اذا كانت مصالحة الجبل التي حصلت بين البطريرك صفير والوزير وليد جنبلاط ادت الى كسر الجليد والحاجز النفسي بين المسيحيين والدروز، فانها لم تثمر عودة فعلية للمسيحيين الى قراهم او انخراطهم في الحياة السياسية. كما اتى امس كلام لرئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل الذي يؤكد فيه ان الوقت حان لكي يعود المسيحيون الى الحياة السياسية في الجبل من باب الانتخابات المقبلة، حيث قال : «نقول لأهلنا في المنطقة انّه آن أوان العودة السياسيّة وستتمّ من خلال انتخاب يؤدّي إلى تمثيل عادل، وهكذا تكون بدأت العودة. هذا مفتاحها وبابها، ثم يأتي الإنماء والاقتصاد». واعتبرت اوساط مسيحية في الجبل ان كلام باسيل موجه لعدة اطراف ومفاده ان زمن الغبن قد ولى وان المسيحيين عائدون الى الجبل وبقوة. واللافت خلال جولة باسيل على قرى الجبل انزعاج النائب جنبلاط الذي غرّد قائلاً : «السلام عليك يا بطريرك السلام مار نصرالله بطرس صفير، والسلام عليك يا بطريرك المحبة مار بشارة بطرس الراعي».
وكان وزير الخارجية والمُغتربين جبران باسيل أعلن في خلال جولة شاملة له في الشوف أمس الأحد، أنّه آن أوان العودة السياسيّة إلى الجبل بفعل قانون الانتخاب الجديد، مُشيرا إلى أنّ هذه العَودة تتطلب مُمارسة، وقال: «لدينا معركة حقيقيّة، يُحاولون بذرائع تقنيّة أن يتخطّوها حتى لا يُسهّلوا الاقتراع من مكان السكن»  مؤكّدًا النيّة بمُواجهة هذه العراقيل «حتى تصبح العودة السياسيّة أسهل». وإذ لفت إلى أنّه لا يسعى لنبش الماضي، قال باسيل إنّ من حق كل إنسان «أن يعرف أهله أين... ترابهم أين... عظامهم أين... وهذا ليس مُحاسبة بل علاج».
وبحسب المَعلومات المتوافرة فإنّ خُطاب رئيس «التيّار الوطني الحُرّ»  العالي النبرة، وعلى الرغم من أنّه قال إنّ «موضوعنا أبعد من الانتخابات... وهو وُجودنا هنا» ، يُمهّد الطريق لإعلان مُرشّحي «التيّار»  في دائرة «الشوف - عاليه» الانتخابيّة والذي لم يعد بعيدا كثيرا مع استمرار وضع اللمسات الأخيرة عن باقة الترشيحات «العَونيّة» في المنطقة، علما أنّ كل المعلومات المُتوافرة تؤكّد أنّ «الوطني الحُرّ» سيُشكّل لوائح مُنافسة للوائح التي سيُشكّلها رئيس «جبهة النضال الوطني»  النائب وليد جنبلاط، وحديث الوزير باسيل عن «عودة سياسيّة»  مُتعمّد ومدروس لشد عصب المُؤيّدين، ولتوجيه رسالة بأنّه من دون وُجود «التيّار»  في الجبل كانت العودة منقوصة وتتمّ بشكل غير مُتوازن بين القوى السياسيّة والشرائح الطائفيّة في الشوف، وأنّ عودة «التيّار»  إلى المنطقة ضرورية لإعادة الندّية المفقودة.   
مصادر قريبة من «الاشتراكي» اكدت أنّ كلام رئيس «التيار»  فيه الكثير من الاستفزاز، لأنّه يُوحي وكأنّ الحُضور السياسي للقوى المسيحيّة غائب عن الجبل، علما أنّ هذا الأمر غير صحيح ولا يُعبّر عن واقع الحال، لأنّه في انتخابات دورتي العامين 2005 و 2009 رُفعت صُور وأعلام وشعارات لشخصيّات ولأحزاب مسيحيّة مُختلفة، والعمل السياسي مُتاح للجميع منذ ذلك الوقت حتى اليوم.   

 مساعي بري للتهدئة 

وفي سياق منفصل، لفتت مصادر وزارية بارزة في 8 آذار الى ان هناك مساعي كبيرة يقوم بها رئيس مجلس النواب نبيه بري مع كل من الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ورئيس الحكومة سعد الحريري لبقاء «الستاتيكو» اللبناني والحفاظ على الحكومة مع ارتفاع منسوب الاشتباك الايراني-الاميركي- السعودي وتحييد لبنان عنه وهو الذي ينتظر رزمة جديدة من العقوبات الاميركية المالية عليه.
 وتوقعت المصادر ان تنجح مساعي بري في عودة طاولة الحوار الثنائية بين حزب الله والمستقبل برعاية بري في عين التينة قريباً لاحتواء «الهبات الساخنة» الآتية على لبنان.
على صعيد آخر، قال الرئيس بري أمام زواره مساء أمس انه مرتاح للوضع الداخلي ولا يخشى عليه، واشار الى ان هذا الاسبوع سيتركز فيه العمل على مناقشة واقرار الموازنة، وهذا امر مهمّ، معرباً عن اعتقاده بأنه بذلك ساهم في محاربة الفساد والهدر بنسبة كبيرة تصل الى 60 %.
واوضح ان النواب سيقدمون مداخلات في جلسة الموازنة المقررة لـ 3 أيام، وسيتطرقون بطبيعة الحال الى مواضيع سياسية عديدة.