قبل سبعة أشهر على الإنتخابات النيابية المقرّرة في 6 أيار المقبل تتعدّد السيناريوهاتُ المحتمَلة لتأجيلها في موازاةِ التشديدِ على إجرائها. وما بين الإحتمالين يتكرّر الحديثُ عن إمكان البحث في إدخال تعديلاتٍ شكليّة وأخرى جوهريّة على القانون لتسهيلِ تنفيذِه وهو ما يفتح الطريق واسعاً لدخول بابِ جهنّم مدخَلاً الى التمديدِ الرابع للمجلس. فما الذي يقودُ الى هذا الإحتمالِ ونتائجِه؟على رغم تأكيد رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّ زلزالاً طبيعياً وحدَه يتيح التمديد للمجلس النيابي مجدّداً ويؤجّل الموعدَ المقترَح لإجراء الإنتخابات في الربيع المقبل، فهناك مَن يعتقد أنّ هناك أكثر مِن حدثٍ يشبه الزلزال قد يفتح البابَ الى التمديد للمرة الرابعة.
ولإستحالة الحديث عن عددٍ من «الزلازل المحتمَلة» التي قد تقود الى التأجيل، فإنّ إصرار البعض على إجراء تعديلاتٍ على بعض مواد قانون الإنتخاب الجديد الذي حمل الرقم 44/ 2017 والتي تحدّث عنها بعض أقطاب العهد الجديد في الأيام القليلة التي فصلت بين ولادته ونهاية الولاية السابقة الممَدَّدة للمجلس قد يؤدّي الغرضَ نفسه.
وعليه، فقد رأى اختصاصيّون يراقبون سيرَ التحضيرات الجارية للإنتخابات أنّ الوقتَ الفاصل عن موعدها مبدئياً كافٍ لإتمام بقية المراحل المقرَّرة تحضيراً لها على كل المستويات. ولا سيما منها المتّصلة بتدريب الطواقم القضائية والإدارية والفنّية المكلَّفة تطبيق القانون الجديد وآلية إجراء العملية الإنتخابية المعتمَدة لتحديد الحاصل الإنتخابي الذي يشكّل العتبةَ الأولى منها، وصولاً الى توزيع المقاعد على اللوائح المتنافِسة وفق النظام النسبي وطريقة احتساب الأصوات التفضيلية.
وعلى عكس ما يقول به المتشائمون فإنّ النظرة التقنيّة الى الفترة الفاصلة عن موعد الإنتخاب كافيةٌ لإجراءِ انتخاباتٍ شفافة وعادلة ومُنصِفة في أفضل الظروف الملائمة وفق القانون الجديد رغم الحديث عن تعقيداتِه «العجائبيّة» كما يعتبرها بعضُ مَن صاغ القانون الجديد. فالصيغة اللبنانية الفريدة التي كرّسها القانونُ الجديد والتي خلطت بين النظامَين النسبي والأكثري واعتماد «الصوت التفضيلي» وتحديد الدوائر التي تمّ تشكيلُها بمعايير سياسية وطائفية مناطقية مختلفة تفتقر الى المساواة بين المواطنين والمناطق. وكل ذلك كان يجري على وقع الضغوط التي مورست للبتّ به قبل أيام من نهاية ولاية المجلس النيابي في 21 حزيران الماضي وكان يستحيل تمديدُها ما لم يولد القانونُ الجديد منعاً لأيّ فراغٍ تشريعي.
وفي رأي الخبراء أنّ ما تمّ تشكيلُه الى اليوم من هيئآت تدير العملية الإنتخابية تمّ ضمن الوقت والمهل المناسبة. فتشكيلُ هيئة الإشراف على الإنتخابات وتحديد المبالغ اللازمة لمقرِّها ومخصّصات رئيسِها والأعضاء والكلفة التشغيلية لها وتشكيل الفريق الإداري والتقني تمّ في الوقت المناسب ولن يؤثر كثيراً تأخير انطلاقتها بحثاً عن مقرّها الجديد وقَسَم اليمين لأعضائها أمام رئيس الجمهورية ووضع نظامها الداخلي إذا ما بقيت ضمن مهلة الأسبوعين.
وكذلك فإنّ قرارَ مجلس الوزراء بحجز الإعتمادات اللازمة لإدارة العملية الإنتخابية بكل مقوِّماتها التقنية والإدارية والفنّية بما يقارب الـ 70 مليار ليرة لبنانية ما زال ضمن المهلة المنطقية لإجراء الإنتخابات.
وهو ما يفرض استمرارَ العمل بالوتيرة عينها لتشكيل بقية الفريق المكلَّف العملية بدءاً بتشكيل لجان القيد القضائية وصولاً الى تحضير لوائح الموظفين الذين سيديرون العملية في أقلام الإقتراع المقدَّرة بنحو ثمانية آلاف مركزٍ إنتخابي، بالإضافة الى تحديد المراكز الكبرى التي ستسمح للمواطنين بالإقتراع ضمن نطاق سكنهم بدلاً من أقلام نفوسهم إذا ما تقرّر ذلك.
وسيُؤخذ في الإعتبار تحديد آلية تسجيل المقترعين في مقرّات سكنهم وشطب أسمائهم من اللوائج التي ستوَزَّع على الأقلام الفرعية منعاً للتصويت مرتين واللجوء الى أساليب غير شرعية قد تؤدّي الى الطعن بالنتائج وهو أمرٌ يمكن الإستغناء عنه بالفصل بين هذه اللوائح بنحوٍ سليم لا يرقى اليه الشك.
ويعترف المعنيّون أنّ ما هو مطلوب على هذا الصعيد يشكّل عملاً جباراً يحتاج الى تنظيم مواعيد المحاضرات التثقيفية والدورات التدريبية العمَلية والتي ستتوزّع بين مواقع عامة تجمع آلاف المعنيّين بها بالإضافة الى ما هو مقرَّر مِن برامج تلفزيونية تثقيفية سيُخصَّص لها جزءٌ كبيرٌ من هواء «تلفزيون لبنان» الرسمي ومَن يرغب من المحطات الأخرى تعميماً للفائدة ولتشمل العملية تدريبَ الناخبين أيضاً على آلية التصويت لتأتيَ العمليةُ سليمة ونظيفة بكامل مراحلها.
ولتأكيد سلامة هذه القراءة تكفي الإشارةُ الى أنّ المعنيين بالعملية الإنتخابية ما زالوا ضمن ما تقول به المهلُ القانونية التي عليهم احترامُها لعبور المراحل التحضيرية في أفضل الظروف.
وخصوصاً إذا بقيت الإنتخابات كما هو مقرَّر في 6 أيار المقبل قبل يوم من دخول البلاد شهر رمضان فسيكون الخامس من شباط المقبل المهلة النهائية لدعوة الهيئات الناخبة للمشارَكة في العملية الإنتخابية حيث يستحيل إجراءُ الإنتخابات ضمن أيام الشهر الفضيل الذي يشكّل في جزءٍ منه الفترة الفاصلة عن نهاية الولاية الممدّدة للمجلس النيابي للمرة الثالثة في 21 أيار المقبل.
وقبله، على المعنيين احترام المهل الضرورية التي تتحكّم بتدريب القضاة والإداريّين على طريقة تطبيق القانون الجديد، وتحديداً على مستوى احتسابِ الحاصل الإنتخابي الأوّل لتقاسُم المقاعد النيابية وفق النظام النسبي بين اللوائح المتنافسة فورَ إقفال صناديق الإقتراع وتحديده في عتبته الأولى في كل دائرة وبعدها على احتساب الصوت التفضيلي لاحقاً وتحديد النواب الفائزين بالمقاعد كل في دائرته الإنتخابية.
وحسب تقديراتِ المعنيّين بالقانون الجديد فإنّ هذا الأمر يستلزم على الأقل ما بين ثلاثة أو أربعة أشهر على أبعد تقدير لإنجاز التحضيرات الإدارية واللوجستية والتدريبية بالتوازي مع توفير أدوات العملية من مطبوعات وصناديق اقتراع وحبر وغيره من المستلزمات المكتبية والإلكترونية لإحتساب الأصوات وعَدّ اللوائح بطريقة مضمونة، فلا يبقى الإعتمادُ على الوسائل البدائية في الإحصاء منعاً لأيّ خطأ جائز.
وبناءً على كل ما تقدّم، تبقى الإشارةُ ضرورية الى أنّ الحديثَ عن تعديلاتٍ على القانون الجديد المعتمَد ستكون مستحيلة. ففتحُ هذا الباب سواءٌ لتعديل الإعتماد على البطاقة البيومترية أو غيرها ممّا هو مقترَح يمكن تجاوزُها دون وُلوج هذا الباب لأنه سيفتح النقاش واسعاً أمام لائحة أخرى من المطالب التي ستدفع حكماً الى سجالٍ سياسيّ يؤدّي بالقانون الجديد والشروط الجديدة التي تمّ الحديث عنها الى جدل حول تعديلات لا يتوافر حولها الحدُّ الأدنى من الإجماع وهو ما سيؤدّي الى تضييع الوقت بالنقاش في جنس الملائكة فتسقط المهلُ ومعها كلّ ما قال به القانون الجديد من إصلاحات ويدخل القانون بابَ جهنّم ولا يخرج منه. ومَن قال إن ليس هناك مَن يستسيغ هذا السيناريو الذي سيقود حتماً الى التمديد الرابع للمجلس.