لم يخرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن النص المتوقّع. لم «يمزّق» الاتفاق النووي كما كان يهدّد في حملته الانتخابية. لكنه، في الوقت عينه، فتح الباب أمام إلغائه، من خلال عدم تصديقه على التزام إيران بالاتفاق. خلال إلقائه خطابه المطوّل بشأن الاستراتيجية الأميركية الجديدة تجاه إيران، التي لم تنتهِ إدارته من مراجعتها، على حدّ تعبيره، قال بكل حماسة: «أُعلن اليوم أننا لا يمكننا ولن نمنح تصديقاً (لالتزام إيران بالاتفاق النووي)، لن نواصل مساراً نعرف أن نهايته المزيد من العنف والإرهاب، والتهديد الحقيقي في اختراق إيران النووي».

ترامب وجّه، بذلك، ضربة كبرى للاتفاق النووي مع إيران، في تحدّ لقوى عالمية كبرى. ورغم أنه لم يُسقطه، إلا أنه حذّر من أن بلاده قد تنسحب منه بالكامل في نهاية المطاف. وأعلن سياسته في خطاب فصّل فيه نهجاً أكثر مواجهة مع إيران، بسبب برامجها النووية والصاروخية ودعمها لـ«جماعات في الشرق الأوسط».
وبعدم إقراره بالتزام طهران بالاتفاق، الموقّع في تموز 2015 بين إيران والدول الست الكبرى، فإن ترامب يضع الكونغرس في خط المواجهة لمعالجة «العديد من نقاط الضعف العميق في الاتفاق». وتدارك الرئيس الأميركي بالقول: «لكن إذا لم نتمكن من إيجاد حلّ من خلال العمل مع الكونغرس وحلفائنا، فإن الاتفاق سينتهي»، مضيفاً أنه «يخضع للتدقيق الدائم، ويمكنني كرئيس إلغاء مشاركتنا في أي وقت».

 

 

عملياً، ما قصده الرئيس الاميركي في جملة الاتهامات لإيران هو دور طهران في دعم حلفائها في المنطقة. أصرّ على الاشارة الى قوى المقاومة من حماس الى حزب الله، من دون إغفال النظام السوري، متعاملاً مع فشل جماعاته في تحقيق نتائج على الارض في دول الشرق الاوسط بمثابة انتصار أكيد لإيران وحلفائها. ولم يكن اختياره الحرس الثوري الإيراني، عنواناً جديداً للمواجهة وفرض العقوبات، إلا لتأكيد أن اهتمام واشنطن يتركز اليوم على الساحات التي يعمل فيها الحرس الثوري، وهي بالتأكيد خارج ايران، علماً بأن كل حديثه عن تفاصيل الاتفاق النووي بقي عاماً، ومن دون دلائل، الامر الذي أكدته مواقف بقية العواصم الدولية الموقّعة على الاتفاق، والتي رفضت تقييم إدارة البيت الابيض لتعامل إيران مع بنود الاتفاق.
مواقف ترامب القوية ضد دور إيران في المنطقة تصبّ في سياق التصعيد الذي بدأ من بضعة أشهر، عندما انطلق قطار إنهاء وجود تنظيم «داعش» وبقية المجموعات الارهابية، وبدء استعادة دول وقوى محور المقاومة المبادرة على أكثر من صعيد، وحيث تعاظمت الخشية لدى اسرائيل من جهة والسعودية من جهة أخرى، علماً بأن ترامب أخذ على الادارة الاميركية السابقة أنها لم تكبح جماح ايران، إلا أنه يعرف أن إيران رفضت على الدوام ربط الحوار حول الملف النووي بكل ملفات المنطقة الخلافية. وهذه المرة، سيواجَه ترامب برفض ايران التفاوض على أيّ من ملفات المنطقة، والتي تبقى هي الاساس في كل سياسات الادارة الاميركية.
وفي سياق مواقفه أمس، لم ينسَ ترامب التذكير بأهمية السلطة المعطاة له كرئيس حيث يمكنه إلغاء الاتفاق النووي. لكن خطوته تترك الجميع بانتظار قرار الكونغرس. وهو بادر الى إطلاق العنان لعقوبات «قاسية» جديدة ضد الحرس الثوري. وقال إن «الحرس يستحوذ على جزء كبير من الاقتصاد الإيراني، لتمويل الحرب والإرهاب في الخارج»، طالباً من وزارة الخزانة اتخاذ «عقوبات أشد» بحقّه، من دون أن يصنّفه ضمن «المنظمات الإرهابية». وفي إطار تأكيد «حفلة الجنون» الترامبية، أعلن الجيش الأميركي أنه يُجري مراجعة شاملة لأنشطة التعاون الأمني، ووضع القوات والخطط لدعم استراتيجية الرئيس دونالد ترامب الجديدة تجاه إيران.
الرد الأبرز على ترامب أتى من شركائه في التوقيع على الاتفاق، في باريس وبرلين ولندن التي أعلنت في بيان مشترك عن "قلقها حيال تداعيات" قرار الرئيس الاميركي رفض الإقرار بالتزام ايران بالاتفاق النووي، مشددة على "تمسكها الحازم" بالاتفاق. وقالت الدول الثلاث: "نحن رؤساء الدولة والحكومة في كل من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، نأخذ علماً بالقرار الذي اتخذه الرئيس ترامب بعدم الإقرار أمام الكونغرس باحترام ايران" للاتفاق، و"نحن قلقون حيال التداعيات التي يمكن أن تنجم عنه». وتابعت في بيانها: «نشجع الادارة والكونغرس الاميركيين على أن يأخذا في الاعتبار التداعيات المحتملة لقرارهما على أمن الولايات المتحدة وحلفائها قبل اتخاذ أي إجراء من شأنه التعرض» للاتفاق، على غرار إعادة فرض عقوبات على ايران سبق أن رفعت.
في المقابل، أكدت الدول الثلاث أنها «تشاطر الولايات المتحدة قلقها» حيال "برنامج الصواريخ البالستية لإيران وأنشطتها في المنطقة"، مبدية استعدادها لاتخاذ "إجراءات جديدة ملائمة للتعامل مع هذه القضايا بتعاون وثيق مع الولايات المتحدة وجميع الشركاء المعنيين». وخلص البيان بأنه "نتوقع من إيران أن تخوض حواراً بنّاءً لوقف أنشطة زعزعة الاستقرار والعمل من أجل حلول تفاوضية».
وأعلنت فرنسا أن رئيسها إيمانويل ماكرون يدرس التوجه إلى إيران، تلبية لدعوة روحاني، بحيث تكون، إذا تمّت، أول زيارة يقوم بها رئيس دولة، أو حكومة فرنسية، لإيران منذ عام 1971. وقالت الرئاسة الفرنسية إن الرئيسين تشاورا هاتفياً، وذكّر ماكرون بـ«تمسّك فرنسا» بالاتفاق النووي.
بدورها، قالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني إنه لا سلطة لدى ترامب لوضع حدّ لهذا الاتفاق «في أي وقت». وبعد دقائق على كلمته، قالت إن الاتفاق حول البرنامج النووي «يعمل ويؤتي ثماره». وأضافت: «لا يمكن أن نسمح لأنفسنا، بوصفنا مجتمعاً دولياً، وأوروبا بالتأكيد، بتفكيك اتفاق يعمل ويؤتي ثماره». وأوضحت أن «رئيس الولايات المتحدة لديه سلطات عديدة، ولكن ليس هذه السلطة». وشدّدت على أن «هذا الاتفاق ليس اتفاقاً ثنائياً، ليس معاهدة دولية»، مضيفة: «بحسب علمي، لا يستطيع أيّ بلد في العالم أن يلغي بمفرده قراراً لمجلس الأمن الدولي تم تبنّيه بالإجماع».
من جهته، أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني أن خطاب ترامب يظهر أنه «ضد الشعب الإيراني أكثر من أي وقت مضى». وقال في كلمة متلفزة، بعد خطابه: «اليوم، ترفض الولايات المتحدة الاتفاق النووي أكثر من أي وقت مضى، وهي ضد الشعب الإيراني أكثر من أي وقت مضى». ورأى أن «ما قاله ترامب أثبت أن الاتفاق النووي بات أكثر رسوخاً، وأن أميركا باتت وحیدة في موقفها أكثر من أي وقت آخر». وأكد «أننا سنلتزم بالاتفاق طالما یضمن مصالحنا، وسنواصل تعاوننا مع الوكالة الدولیة للطاقة الذریة، في إطار مصالحنا الوطنیة»، مضيفاً أن «ما سمعناه من ترامب ما هو إلا تكرار لما سمعناه من المسؤولین الأميركيين على مدى 40 عاماً».
أما نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، فرأى أن من «المقلق للغاية» أن يثير الرئيس الأميركي تساؤلات سُوّيت عند توقيع الاتفاق النووي. وأكد ريابكوف أن «روسيا ترى أن مهمتها الأساسية، الآن، هي منع انهيار الاتفاق النووي»، داعياً جميع الأطراف إلى التمسّك بالاتفاق.
استنكار الأطراف الموقّعة على الاتفاق لمواقف ترامب، خالفه ترحيب سعودي بـ«الاستراتيجية الحازمة» تجاه إيران. وأعلنت الحكومة السعودية "تأييدها وترحيبها بالاستراتيجية الحازمة التي أعلن عنها ترامب تجاه إيران، ونهجها العدواني». كذلك، أعلنت كل من الإمارات والبحرين دعمهما للاستراتيجية الأميركية الجديدة تجاه إيران. وأعلنت أبو ظبي عبر حساب وكالة الأنباء الإماراتية على «تويتر» دعمها «الكامل لاستراتيجية» ترامب، «للتعامل مع السياسات الإيرانية المقوّضة للأمن والاستقرار».