موسكو تبلغ الرياض أنها تراهن على دور خليجي في إعادة إعمار سوريا وتتعهد بإنهاء الوجود الأجنبي فور تعميم خيار خفض التصعيد على مختلف المناطق
 

كشفت مصادر دبلوماسية روسية مطّلعة أن موسكو نجحت في استثمار زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز للحصول على وعود قوية بالمساهمة في إعادة إعمار سوريا ما بعد الحرب. لكنها أشارت إلى أن الملك سلمان أبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الرياض لا يمكن أن تدفع بمليارات الدولارات لتصب في خدمة إيران والميليشيات التابعة لها، وأن أي حديث عن إعادة الإعمار يجب أن يكون بعد حل سياسي يكون فيه القرار بيد السوريين دون تدخل خارجي لفائدة أي جهة كانت. الأمر الذي يعيد سيناريو تأهيل النظام السوري وتأجيل البت في مصير رئيسه بشار الأسد.

وقال مصدر روسي مطلع لـ”العرب” إن الجانب الروسي أبلغ الوفد المرافق للملك سلمان أن موسكو تراهن على دور خليجي في إعادة إعمار سوريا، وخاصة من السعودية مطالبا بأن تلقي الرياض بثقلها السياسي والمالي لبدء مرحلة جديدة في الملف السوري.

وأضاف المصدر أن الجانب الروسي تعهد بأن ينتهي الوجود الأجنبي على أراضي سوريا حالما يتم تعميم خيار خفض التصعيد على مختلف المناطق، والقضاء على الجماعات الإرهابية، مؤكدا أن أي حل لن يخدم أي دولة سواء إيران أو غيرها على حساب مصالح الدول الإقليمية الأخرى.

وأكد أن السعودية أبدت استعدادها لإعادة إعمار سوريا ولتلعب الدور الأساسي في هذه العملية، ولكن اشترطت بعض النقاط لمثل هكذا دور.

وحسب المصدر فقد كان الرد السعودي “سنساهم بإعادة إعمار سوريا بالتأكيد عندما تأتي حكومة ونظام جديدان يحققان الاستقرار ويخلقان وسيلة للتفاهم مع كل مكونات الشعب السوري ويعيدان سوريا إلى الحضن العربي ويفكان سيطرة إيران على البلاد”.

وكان العاهل السعودي قال أثناء زيارته إلى موسكو إن على إيران “الكف عن تدخلاتها في شؤون دول المنطقة، وزعزعة الأمن والاستقرار فيها”، مشددا على أن “استقرار منطقة الخليج والشرق الأوسط ضرورة قصوى لتحقيق الأمن والاستقرار العالميين، ما يستوجب التزام إيران بالكف عن تدخلاتها في شؤون دول المنطقة”.

وقال الكاتب السعودي غازي الحارثي “إن الزيارة كانت مهمة للتركيز على ضرورة إخراج إيران من المنطقة، وأن الملك سلمان ذهب إلى روسيا وهو يعرف ماذا يريد. فإذا أراد الروس تعاونا مثمرا مع السعودية في سوريا يحقق المصالح المشتركة ويُنجِح أي تسوية محتملة فهذه أيضا رغبة الرياض، لكن لن يتم ذلك في ظل وجود إيران”.

واعتبر الحارثي في تصريح لـ”العرب” أن “الوقت أصبح مناسبا لإزاحة الأطراف المعيقة لأي تسوية محتملة، كما يُتوقع من إيران، فيما السعودية وحدها قادرة على المساهمة في مرحلة الانتقال السياسي وإعادة الإعمار”.

ويعتقد محللون سياسيون وخبراء روس أن موسكو تتفهم قلق السعودية وحلفائها من النفوذ الإيراني في المنطقة، وسبق أن عبر عن ذلك مسؤولون روس، وأنها تعمل من جانبها على إعادة التوازنات في المنطقة وبالتحديد في سوريا.

ويرى فلاديمير أحمدوف، كبير الباحثين في معهد الاستشراق بموسكو أن تركيز روسيا على الدور السعودي المستقبلي في سوريا لا يقتصر على البعد المالي فحسب، بل يذهب إلى أبعد من ذلك.

ويقول أحمدوف في تصريح لـ”العرب” إن “موسكو حريصة على دور محوري للسعودية وشركائها الخليجيين انطلاقا من قدرة هذه الدول على إعطاء شرعية للحل السوري، بالإضافة إلى رغبة موسكو في أن يكون الحل المقبل دائما وأن يخلق استقرارا في سوريا ويحول دون تدحرج البلاد من جديد إلى قاع الأزمات”.

وبحسب التقديرات، فإن تكلفة إعادة إعمار سوريا ستكون هائلة تتراوح بين 200 إلى 350 مليار دولار، وهو مبلغ يتجاوز بكثير قدرة سوريا وحلفائها الإيرانيين والروس على تحمله.

وسبق وأن أُعلن في اجتماع انعقد في الـ21 من سبتمبر الماضي بين الجهات الفاعلة بما فيها السعودية والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي أن دعم الإنعاش وإعادة الإعمار في سوريا يتوقفان على عملية سياسية ذات مصداقية تؤدي إلى انتقال سياسي حقيقي.

ويعتقد الخبراء والمحللون أن موسكو لا ترى فائدة في حسم عسكري في ظروف حرجة كهذه، لذلك تركز على أن يكون الوجود الروسي مرتبطا بتحالفات إقليمية مؤثرة يمكنها دفع سوريا نحو الاستقرار.

وترى موسكو فرصة كبيرة في الانفتاح على الرياض لرسم ملامح الحل في سوريا مع غياب النفوذ الأميركي.

ويقول أحمدوف إن “روسيا حريصة على تقليص النفوذ الإيراني في سوريا والتعاون مع السعودية لإيجاد حل مناسب يرضي كل الأطراف”.

وتدعم موسكو دور الرياض في تشكيل معارضة معتدلة يمكن أن تكون جزءا من الحل في سوريا. وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره السعودي عادل الجبير إن “موسكو تدعم موقف الرياض لتوحيد جهود المعارضة السورية”.

ويعتقد الإعلامي السعودي عوض الفياض أن السعودية ستشارك بمشروع إعادة الإعمار في سوريا ولكن بضمانات دولية.

وقال الفياض في تصريح لـ”العرب” إنه “من دون دور للمعارضة السورية التي ظهرت ملامحها في مؤتمر الرياض، فإن السعودية لن تلعب أي دور سياسي في سوريا ولن تتعاون مطلقا مع الأطراف الدولية إلا في حدود الحرب على الإرهاب”.

وأشار إلى أن سوريا اليوم ساحة نفوذ إيراني، و”هذا الأمر بالتأكيد لن يستمر، وأن السعودية ستعمل مع حلفائها على المزيد من الضغط السياسي لتشكيل موقف دولي موحّد ضد إيران وأذرعها في سوريا ولبنان، وهو الأمر الذي بدت ملامحه في الأسبوعين الأخيرين”.