بعيداً عن الصخب الإعلامي والمزايدات الشعبوية، حسم رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ملف أزمة مرفأ طرابلس، فأوعز إلى المسؤولين المعنيين بحل الأزمة في أسرع وقت ممكن. إذ كشفت مصادر معنية لـ«المستقبل» (الزميل رائد الخطيب) أن الحريري طلب من المجلس الأعلى للجمارك إعادة الأمور إلى نصابها في مرفأ طرابلس، مشيرةً في هذا الصدد إلى أن رئيس الحكومة طلب من المجلس الأعلى تعزيز النقطة الجمركية في المرفأ، كي لا تضطر إلى تحويل البواخر إلى مرفأ بيروت. وأكدت هذه المصادر، أن المجلس الأعلى للجمارك تجاوبَ مع طلب الرئيس الحريري، لتعزيز الكشافين وتشديد النقطة الجمركية. وهذا ما أكده لاحقاً رئيس المجلس الأعلى للجمارك العميد أسعد الطفيلي الذي قال لـ«المستقبل» إن «الرئيس الحريري تواصل معنا لايجاد حلٍ سريع، وإعادة الأمور إلى وضعها في مرفأ طرابلس».

وكانت أزمة مرفأ طرابلس قد تكشفت قبل يومين، بعد تحويل إحدى الإرساليات التي وصلت من تركيا إلى مرفأ طرابلس، إلى مرفأ بيروت للتفتيش والتحقيق، بعدما تبين أن ثمة تهريباً، ما دفع المجلس الأعلى للجمارك إلى مباشرة التحقيق في القضيّة، وإصدار قرارٍ يُلزم 

تحويل الإرساليات إلى مرفأ بيروت، بهدف إجراء الكشف الجمركي عليها وتخليصها. وجاء في نصّ القرار أن «كلّ إرسالية واردة على شاحنة من تركيا واصلة إلى مرفأ لبناني غير مرفأ بيروت على عبارات بحرية ناقلة للشاحنات، تُساق إلى مرفأ بيروت حيث تجري إجراءات تخليصها فيه. كما تخضع جميع البيانات الجمركية العائدة لهذه الإرساليات، إلى المسار الأحمر الإلزامي ولعملية كشف حسّي دقيق وشامل وكشوفات معاكسة عند الاقتضاء».

من جهته، قال الطفيلي في اتصال مع «المستقبل» «إن طرابلس في عيوننا، وما حدث هو أن المجلس يكافح الفساد، وهذا دوره في منع التهريب، وطبعاً بناءً لإخبار رفع إلينا عن باخرة أتت إلى مرفأ طرابلس من مرسين، وعلى متنها بضائع ثياب، تم سوق ثلاث شاحنات محملة بالثياب إلى مرفأ بيروت. وتبين أن ثمة تهرباً من دفع الرسوم في كل حاوية ما لا يقل عن 50 أو 60 مليون ليرة، وأحيل المهربون إلى القضاء المختص، وبمجرد انتهاء التحقيقات سيعود الأمر إلى طبيعته». 

أضاف «نحن على تواصل مستمر منذ بداية الأزمة مع الهيئات الاقتصادية في طرابلس، وتواصلنا في هذا الصدد مع رئيسة المنطقة الاقتصادية الوزيرة السابقة ريا الحسن، ومدير المرفأ أحمد تامر وكذلك مع رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال توفيق دبوسي. وقد وضعناهم في أجواء ما حصل، وطبعاً نحن على تواصل مع الحكومة، وما حدث أمر يهدف إلى الحفاظ على مرفأ طرابلس ونحن نريد تنميته وتطويره، ولن نسمح بعمليات التهريب ومخالفة القانون وهذا هو دورنا».

وأمل الطفيلي في ألا يتكرر ذلك مستقبلاً، وألا تحدث عمليات تهريب و«ربما يكون هذا درس للمهرّبين، ونحن بصدد زيادة عدد الكشافين وكذلك تشديد نقاط المراقبة، وطبعاً عدد الكشافين قليل سواء في مرفأ طرابلس أو في بيروت وهذا يتطلب زيادة الأعداد».

واستغرب «الضجة المصطنعة التي أوحت وكأننا نريد توقيف الأعمال المرفئية.. بالعكس تماماً ما حدث هو ضبط المهربين الذين نجري معهم التحقيقات حيث السرقات بالملايين، ونحن بذلك نحمي المرفأ، كون القرار الذي صدر يستهدف فقط «تريلات» التهريب في العبّارات التركية، وليس كل البواخر التركية أو سواها».

وفي سياق ميداني لحل الأزمة، أجرى تامر اتصالاً هاتفياً بالعميد الطفيلي، الذي أكد خلال الاتصال تقديره واحترامه الكبير لطرابلس وأهلها ومرفئها مؤكداً أنّه سيصدر قريباً جداً مع أعضاء المجلس قراراً بعودة الأمور إلى نصابها الصحيح بإلغاء القرار بترحيل الشاحنات القادمة من تركيا من مرفأ طرابلس إلى مرفأ بيروت، وبأنه سيعمل جاهداً على تأمين كل المستلزمات والخدمات الجمركية المتقدمة وزيادة عدد الكشافين بالتعاون مع إدارة وعائلة المرفأ بما يضمن خدمات جمركية متطورة في مرفأ طرابلس. وأكدت إدارة مرفأ طرابلس للطفيلي أنها على استعداد لتقديم كل التسهيلات والمساعدات اللوجستية للكشافين والعناصر الجمركية وبأنها تضع كل إمكاناتها في تصرفه لخدمة طرابلس والشمال.

إلى ذلك، قال رئيس جمعية تجار طرابلس فواز الحلوة «إن الجمعية تؤكد تمسكها بالأطر الشرعية والقانونية، وأنها في طليعة من يسعى إلى محاربة الفساد والتهريب والتخلص من المنافسة غير الشرعية، كما أنها تنتظر نتائج التحقيق المُفترض أن يكون قد انتهى، ولا داعي للإطالة في الإعلان عنه». وطالب بـ«إنزال العقوبة اللازمة بحق المتورطين والمرتكبين».

وليلاً، أفادت مصادر مواكبة لتطورات الملف «المستقبل» أنّ الأجهزة المعنية أوقفت أربعة من المتهمين في قضية التهريب في مرفأ طرابلس، وتمت إحالتهم إلى التحقيق.

تحصين الاقتصاد.. والاعتدال 

وكان الحريري قد ترأس جلسة لمجلس الوزراء أمس في السراي الحكومي جرى خلالها إقرار تعيينات المجلس الاقتصادي الاجتماعي بالأسماء المقترحة، وسط تشديد رئيس الحكومة في مستهل الجلسة على أنّ «المرحلة هي مرحلة اقتصاد وهذا المجلس هو مساحة التفكير والحوار بين كل شرائح المجتمع وعلى القوى السياسية أن تستمع إلى آرائه»، مشيراً في الوقت عينه إلى تفعيل دور المرأة من خلال تعيين 12 سيدة في المجلس الاقتصادي الاجتماعي الجديد أي بنسبة 17% من مجمل أعضاء المجلس. في حين غرّد الحريري على موقع «تويتر» لمناسبة كون يوم أمس «الموعد النهائي لاستلام طلبات المزايدة للتنقيب عن النفط والغاز»، مؤكداً أنها «فرصة حقيقية للاقتصاد اللبناني وأمل للأجيال المقبلة»، مضيفاً: «عملنا بجد لنصل إلى هذا اليوم المفصلي على طريق ازدهار الوطن»، ليختم بهاشتاغ: #مش_بالحكي_بالفعل.

ومساءً، وصل الحريري إلى روما في زيارة يقابل خلالها قبل ظهر اليوم قداسة البابا فرنسيس ويعرض معه الأوضاع في لبنان والمنطقة وعلاقات لبنان مع الكرسي الرسولي، على أن يلتقي بعد ظهر الإثنين رئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتيلوني ويناقش معه آخر مستجدات الأوضاع في لبنان وسبل تطوير العلاقات الثنائية على جميع الصعد.

وعن الزيارة، شددت مصادر حكومية لـ«لمستقبل» على «أهميتها الرمزية والسياسية والوطنية باعتبارها تشكل حدثاً يجمع زعيماً مسلماً وازناً في لبنان مع أكبر مرجعية كاثوليكية في العالم»، مشيرةً إلى أنّ «هذا الحدث يأتي في سياق مكرّس لرسالة الحريري في الاعتدال والتعايش من جهة، ولمقولة البابا يوحنا بولس الثاني الشهيرة حين وصف لبنان بأنه أكثر من بلد بل هو رسالة».