الفوضى التي يعيشها البلد من كافة النواحي السياسية والإقتصادية والمعيشة والأمنية والحياتية وعلى كل المستويات والتي تنتج أزمات ومشاكل تتراكم وتتزايد يومًا بعد يوم، والإخفاقات الكبيرة في معالجة الأوضاع الصعبة التي يعاني منها المواطن والتفاوت الطبقي بين مكونات المجتمع اللبناني واتساع المساحة الفاصلة بين عامة الناس والطبقة الحاكمة والتدهور الحاد في المستوى المعيشي للغالبية العظمى من اللبنانيين يقابله غنى فاحش وثراء غير مشروع للقلة القليلة من ذوي الحظوة الذين وطأت أقدامهم جنة الحكم في غفلة من الزمن وتسلقوا إلى السلطة بقوة الارتباط بمشاريع خارجية وارتهانهم لقوى إقليمية على حساب مصلحة البلد والمشروع الوطني.
إقرأ أيضًا: أمل إبليس وأمل اللبنانيين
كلها صور متناقضة شكلت تفاصيل المشهد اللبناني المربك وهي ناتجة عن مجموعة من العوامل والظروف تراكمت على مدى عقود من الزمن بدأت مع الإحتلال السوري للبلد الذي دام لثلاثين عامًا وضع يده خلال هذه الحقبة البائسة من تاريخ الوطن على كافة مفاصل الحياة فيه واستثمرها لمصلحة نظامه بعد أن تمكن من ضرب معارضيه من المكونات السياسية والحزبية واستبدلها بقوى هزيلة خاضعة لسلطته وتعمل بوحي من قراراته وأوامره وأمعن في مسخ اللعبة الديمقراطية التي تشكل عنوانًا لمبدأ تداول السلطة وفرض أمرًا واقعًا أتاح لفريق من لون واحد الإمساك بأركان الحكم وإدارته.
ولم تقف معاناة اللبنانيين لحظة خروج آخر جندي سوري عن بلدهم تحت تأثير ضغوط دولية وإقليمية وعربية تقاطعت عن نقطة توجيه أصابع الإتهام لرئيس النظام السوري بشار الأسد وبالتنسيق مع حلفائه والفريق التابع له في لبنان باغتيال رئيس الوزراء السابق الشهيد رفيق الحريري، إذ أن المرحلة التي تلت انسحاب القوات العسكرية السورية عن البلد كانت امتداد لمرحلة وجودهم فيه لجهة هيمنة حليفهم القوي حزب الله بقوة منظومته العسكرية على مراكز القرار ومصادرته والتحكم فيه وفرض مشروعه و خياراته على باقي الأطراف اللبنانية الأخرى والمنطلقة أساسًا من ارتباط الحزب بالمشروع الإيراني التوسعي والذي يشكل أحد تفاصيل محور الممانعة في المنطقة.
إقرأ أيضًا: إيران تروج لإنتصارات كاذبة في المنطقة
واليوم وفي ظل الغليان الذي يشهده المشرق العربي بدءًا من اليمن مرورًا بالعراق وصولًا إلى سوريا والذي قد تطال شرارات ناره الملتهبة الداخل اللبناني فقد استشعرت بعض القوى السياسية مخاطر الإعصار المقبل على منطقة الشرق الأوسط بعد التصعيد الأميركي ضد إيران والذي قد يصيب حزب الله أحد الأدوات العسكرية الفاعلة التابعة للحرس الثوري الإيراني وذلك على خلفية تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتصنيف الحرس الثوري كتنظيم إرهابي والذي يتزامن مع عودة المملكة العربية السعودية إلى لبنان من الباب العريض بعد إدراكها أن تراجعها عن الساحة اللبنانية جاء لمصلحة تقوية النفوذ الإيراني وفتح المجال لمزيد من تمدده وهيمنته على البلد.
وفي ظل هذا التشابك الإقليمي بالتطورات الداخلية جاء لقاء كليمنصو الذي جمع إلى النائب وليد جنبلاط الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري كمبادرة جادة للتأكيد على أن الأولوية اليوم يجب أن تكون لتحصين الإستقرار الداخلي في حدوده الدنيا الممكنة تحضيرًا لعبور آمن لإنجاز استحقاق الإنتخابات النيابية المقبلة مع تمسك لبنان بمنسوب من الاعتماد على سياسة النأي بالنفس لتجاوز الهزات المقبلة على المنطقة، وبالتالي فإن هذا اللقاء الثلاثي وفي أحد مفرداته بدا جليًا توجها واضحًا في عدم دفع الرئيس الحريري للخروج عن سياسة المهادنة التي اعتمدها منذ تبنيه انتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية تلبية لرغبة السعودية ويهدف هذا اللقاء إلى إقامة شبكة أمان للبلد في هذه اللحظة الإقليمية المفعمة بالرياح والعواصف التي تهب في كل الاتجاهات وهو رسالة مباشرة تؤكد على أن لبنان ما زال يملك الحصانة الداخلية لأسقاط أي مشروع قد يهدد إستقراره.