يحرص حزب الله على استمرار كسبه المظلة الشرعية الرسمية، الشعبية، والسياسية الطائفية، من خلال استمرار اتفاق مع القوى السياسية. يحتاج الحزب في هذه المرحلة إلى مظّلة تياري المستقبل والوطني الحر والحزب التقدمي الإشتراكي، لمواجهة محاولة عزله والعقوبات الإقليمية والدولية التي ستفرض عليه. وإذا ما أراد المرء توسيع دائرة النظر، لوجد أن الحزب يبحث عن الغطاء السنّي والمسيحي، كما طهران تبحث عن غطاء سنّي في المنطقة من خلال علاقتها التي تذهب نحو التحسن مع تركيا.
تفرض بعض التطورات والظروف تقارباً إيرانياً تركياً، لكن طهران تريد استثمار هذا التقارب في غير وجهته، وذلك عبر الحصول من أنقرة على غطاء سنّي في مواجهة المملكة العربية السعودية، التي تتقارب مع روسيا، في ضوء الإتفاق الروسي الأميركي الذي يقلق إيران، خصوصاً ما يتعلّق بالملف السوري. على السكّة نفسها يسير حزب الله، الذي يستعد لمواجهة عقوبات مالية ستدخل حيز التنفيذ قريباً، وسيواجه محاولات عدة لعزله في الداخل. وهو يريد تعزيز وضعه من خلال الحفاظ على الستاتيكو القائم من خلال التسوية السياسية.
هذه الأسباب كلها، تفسّر الهدوء الداخلي الذي حرص الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على إظهاره والتمسك به في إطلالاته الأخيرة. وتعتبر مصادر معارضة للحزب أنه يعيش في مراحل ضاغطة جداً، لا سيما أنه يترقّب إجراءات قد تؤدي إلى تأثره بشكل سلبي كبير في المستقبل، ليس على صعيد العقوبات المالية الأميركية فحسب، بل من خلال الضغط الخليجي عموماً والسعودي خصوصاً، والإجراءات السعودية التي يمكن أن تتخذها المملكة بحق حزب الله ولبنان ككل. بالإضافة إلى استمرار الضغط السعودي والأميركي على الأوروبيين لتصنيف حزب الله بجناحيه العسكري والسياسي تنظيماً إرهابياً.
وترى المصادر أن حزب الله يعيش مرحلة صعبة. وهو يعرف ذلك. لكن الأيام ستظهر هذا الأمر بشكل جلّي للمواطنين اللبنانيين، لأن الحزب سيكون عاجزاً، كما إيران، عن الاستثمار في الوضع السوري، خصوصاً في ضوء التفاهمات الأميركية الروسية، والسعودية الروسية. فالسعودية ترفض بشكل قاطع أن تكون إيران منتصرة في سوريا، أو لديها حصّة فيها. وهذا لا ينفصل عن حجم الضغط الذي تقوده السعودية في الخارج، لأجل فرض عقوبات على إيران وحزب الله، ولمحاصرتهما في سوريا. وتتحدث المعلومات عن أن السعودية تضغط بكثرة لأجل تصنيف واشنطن الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية. ما سيستدعي رداً من طهران وحزب الله، ليس معروفاً كيف سيكون وأين.
تعمل السعودية على محاصرة حزب الله لبنانياً من خلال اللقاءات التي تعقدها مع القيادات اللبنانية، ودولياً من خلال حملة ديبولماسية تقودها بهدف إعادة الحزب إلى خانة العزل، أو المحاصرة بالقرارات الدولية، كما كانت حاله في ما بين العامين 2004 و2006، أي ما بين القرارين 1559، و1701. ومن الواضح أن السعودية دخلت بقوة على هذا الخطّ. وهذا ما يبدو ظاهراً من خلال تغريدات الوزير ثامر السبهان، وردوده على نصرالله. بينما في السابق لم يكن المسؤولون السعوديون بصدد الردّ على حزب الله، أو حتى إعلان مواقف بشأن لبنان خارج السياق الدبلوماسي. وهذا يعني أن السعودية تنتقل من مرحلة المهادنة أو القيادة في الخلف، إلى مرحلة المواجهة.
ولكن، إلى أين ستقود هذه المواجهة، أو ما الذي يمكن للسعودية تحقيقه في لبنان على الأقل؟
لا شك أن السعودية تهتم بشكل خاص بالوضع السوري، وهي ترفض وجود إيران وبقاءها مسيطرة على بقعة واسعة من الجغرافيا السورية، كما تعارض بقوة وصل الحدود العراقية والسورية والحدود السورية واللبنانية. وبما أن موازين القوى في لبنان لا تسمح بأي تغيير حالياً، فإن الرهان سيتركز على الخارج، وتحديداً على الميدان السوري. بالتالي، فإن السعودية تسعى لإنشاء تحالف عربي ودولي ضد حزب الله، على غرار التحالف الدولي لمحاربة داعش، إذ إنها تعتبر أن حزب الله يشبه تنظيم داعش، ولا بد من محاربته لأنه إرهابي. وتلتقي في ذلك مع الأميركيين. وأكثر من ذلك، فإن السعودية ستقود حملة دبلوماسية وسياسية بهدف إعادة طرح تفعيل القرارات الدولية، لا سيما 1559 الذي يهدف إلى نزع سلاح حزب الله. والأكيد هنا، أن ذلك لا يعني وقوف الأمور عند هذا الحدّ، لأن التصعيد قد يقود إلى مواجهة لن تقف عند حدود السياسة.