تجس الإدارة الأميركية نبض حلفائها الأوروبيين وحتى العرب، بشأن إقامة تحالف دولي ضد حزب الله اللبناني، على شاكلة التحالف الذي تشكل في العام 2014 ضد تنظيم داعش والذي أثبت نجاعته في كل من العراق وسوريا.
وترى إدارة الرئيس دونالد ترامب أن حزب الله لا يقل خطورة عن تنظيم الدولة الإسلامية وبالتالي حان الوقت للتصدي إليه، خاصة وأن المعارك ضد داعش في معاقله الرئيسية في خواتيمها.
وكتب مؤخرا توم بوسيرت، مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب في صحيفة “لوموند” الفرنسية مقالا تطرق فيه إلى التهديد الذي يشكله الحزب اللبناني، وضرورة استئصاله.
وطرح مستشار الرئيس دونالد ترامب، للمرة الأولى مشروع تشكيل تحالف دولي ضد الحزب، وقال في هذا الصدد “لا يزال حزب الله يشكل تهديدا للولايات المتحدة، ولأمن واستقرار دول الشرق الأوسط، لقد آن الأوان لأن تنضم دول أخرى إلى الولايات المتحدة من أجل تقديم صورة واضحة عن هذا التنظيم القاتل، وضرب شبكاته وداعميه ومموليه، والتحضير لرد دولي على التهديد الذي يمثله بالنسبة للعالم المتحضر”.
ووصف حزب الله بالشريك “الجونيور” لإيران، ودعا المجتمع الدولي لكي يبعث برسالة موحّدة لا لبس فيها والإعلان عن أن حزب الله ليس فريقا سياسيا شرعيا.
وقال بوسيرت إن حزب الله حاول الحصول على شرعية سياسية، وشارك في الانتخابات وأصبح له وجود سياسي في لبنان، لكن الولايات المتحدة لا تفرق بين جناحه العسكري والسياسي.
وأكد المسؤول الأميركي أن حزب الله بنى سلطته السياسية على حساب ضحاياه، بمن فيهم رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري والعشرات من المسؤولين اللبنانيين (في إشارة إلى موجة الاغتيالات التي ضربت لبنان بدءا من العام 2005).
ويعتبر حزب الله أحد أبرز مؤثثي المشهد السياسي القائم في لبنان، حيث أنه يشارك في حكومة الرئيس سعد الحريري كما أنه حاضر وبقوة في البرلمان.
ويقول مراقبون إن انخراط حزب الله في الحياة السياسية اللبنانية، والتي لم تكن ضمن اهتماماته سابقا، كان الهدف الأساس منه توفير غطاء “شرعي” للتخفي خلفه، بيد أنه في السنوات الأخيرة أبدى طموحا في التغلغل أكثر لوضع بصماته في كل أركان الدولة اللبنانية، حتى يكاد يتحول إلى “الدولة” نفسها.
إفيغدور ليبرمان: في حال وقوع حرب على الجبهة الشمالية، فإن سوريا ولبنان سيكونان معا
ومن خلال هذه المظلة السياسية التي يحتمي بها يواصل أجندته الإقليمية التي هي في الأصل أجندة إيران القائمة على النزعة التوسعية وتزعّم المشهد الإقليمي، بما يعنيه من تهديد للسلم الدولي.
ويسجل الحزب اليوم وجوده في أكثر من جبهة إيرانية بدءا من سوريا مرورا بالعراق وصولا إلى اليمن، كما أنه ثبت تورطه في أكثر من قضية إرهابية في البحرين والكويت.
ولا يخفى على أحد تورط الحزب في أكثر من عملية استهدفت الولايات المتحدة الأميركية، التي كانت صنفته في 8 أكتوبر 1997 تنظيما إرهابيا.
واعتبر مستشار ترامب في مقاله بالصحيفة الفرنسية أن إيران تستخدم حزب الله لزرع الإرهاب في العالم، مذكرا بالعبوات والمتفجرات التي أرسلها عامي 1983 و1984 لاستهداف السفارة الأميركية والهجمات التي أدّت إلى وفاة لبنانيين أميركيين وفرنسيين.
وأضاف توم بوسيرت “نعتقد أنّ حزب الله يعمل أيضا داخل الولايات المتحدة. وقد أوقف مكتب التحقيق الاتحادي ‘أف بي آي’ مؤخرا أميركيين يعتقد أنّهما يعملان لصالح الحزب في الخارج”.
وأكد أن الإدارة الأميركية في عهد ترامب لن تتوقف عن استهداف بناه التحتية وشبكات الدعم المالي له، إلا أنه أوضح أن أيا من هذه الخطوات التي سبق ذكرها “لن تضر بدعم الولايات المتحدة الثابت للمؤسسات السياسية الشرعية في لبنان”.
وكان الكونغرس الأميركي قد أقر مؤخرا تعديلات على قانون العقوبات ضد حزب الله تشمل عددا من المؤسسات التي ترتبط به ومنها قناة المنار التلفزيونية وإذاعة النور وجهازه الخارجي.
وحرص الكونغرس في تعديلاته على تجنيب المؤسسات المالية والسياسية اللبنانية، تداعياتها، وهناك قناعة أميركية بأن هذه العقوبات لن تؤتي ثمارها ما لم تكن مصحوبة بإجراءات أخرى، وبدعم دولي أكبر.
ويقول مراقبون إن إبداء الإدارة الأميركية رغبة في تشكيل تحالف ضد حزب الله، أكيد سيجد صدى إيجابيا لدى دول عدة ومنها المملكة العربية السعودية التي دعت في وقت سابق إلى قيام مثل هذا لتحالف.
وقال ثامر السبهان وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي في تغريدة على موقعه على “تويتر” الأسبوع الماضي إن “العقوبات الأميركية ضد الحزب الميليشياوي الإرهابي في لبنان جيدة ولكن الحل في تحالف دولي صارم لمواجهته ومن يعمل معه لتحقيق الأمن والسلام الإقليمي”.
في المقابل قد يلاقي هذا الطرح بعض التردد من دول أوروبية ومنها فرنسا خاصة.
وسبق وأن سرب دبلوماسيون فرنسيون مؤخرا معلومات على أن الإدارة الأميركية طرحت عليهم الانخراط في حملة دولية أكبر ضد حزب الله بيد أن هذه الفكرة لا تزال محل درس من قبل السلطة السياسية الفرنسية.
ومعلوم أن فرنسا لها نفوذ مهم في لبنان، وتحظى بعلاقات وثيقة مع معظم قواه السياسية والحية، وتراهن إدارة ترامب على جهد مشترك مع فرنسا لخلق جبهة قوية داخل لبنان لمحاصرة الحزب، كخطوة أولية قد تقود إلى تحالف عسكري ضده في مرحلة موالية.
ويقول مراقبون إن أي عمل عسكري لن يكون كما الحرب التي تشن اليوم على داعش، فالحزب متغلغل في لبنان، كما أن له حلفاء مثل النظام السوري فضلا عن داعمته إيران، وبالتالي قد يكون هذا السبب في تردد قوى غربية في استهدافه ومنها فرنسا.
وهذا التردد على ما يبدو لدى العدو رقم واحد بالنسبة للحزب وهو إسرائيل التي وإن كانت تتبنى وتدافع عن خيار توسيع نطاق الإجراءات ضد حزب الله، بيد أنها ترى أن القيام بعمل عسكري ضده على المدى المنظور ليس سهلا خاصة إذا لم يكن هناك إجماع دولي حوله.
وصرح وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان الثلاثاء بأنه في حال وقوع حرب جديدة على الجبهة الشمالية، فإن سوريا ولبنان سيكونان معا، ولن يكون لبنان وحده على الجبهة.
وزعم المسؤول الإسرائيلي “عند الحديث عن لبنان، لا نتحدث عن حزب الله فقط بل نتحدث عن الجيش اللبناني أيضا، للأسف هذا هو الواقع، فقد صار الجيش اللبناني جزءا لا يتجزأ من منظومة حزب الله”.
وقال ليبرمان أمام جنود إسرائيليين “كل جهودنا تصب في منع حرب قادمة، لكن في الشرق الأوسط الجديد، التقديرات التي عرفناها بالماضي حول ضآلة الاحتمالات لا تنطبق على الواقع، والواقع هش. قد يحدث هذا بين لحظة وأخرى، بين اليوم والغد”.
وأجرى الجيش الإسرائيلي في الخامس من سبتمبر تدريبا عسكريا واسع النطاق يحاكي حربا مع حزب الله، في أضخم مناورات من نوعها منذ قرابة 20 عاما، بحسب مصادر عسكرية إسرائيلية.
ويرى مراقبون أن حزب الله بات يشكل فعليا صداعا بالنسبة للكثيرين، وهناك خياران أحلاهما مر؛ الأول هو الاقتصار على محاصرته سياسيا وماليا وهذا سيؤثر عليه بالتأكيد بيد أنه لن ينهي تهديده، والخيار الثاني شن عملية عسكرية ضده، وهذا لا يمكن أن ينجح دون التفاف دولي لأن الإقدام على هذه الخطوة بشكل منفرد قد تكون لها تبعات سلبية.