بعيداً عن ملف السلسلة، وقانون الضرائب الذي شغل الرأي العام، برزت سياسياً صورة الثلاثي نبيه برّي وسعد الحريري ووليد جنبلاط. الاجتماع الثلاثي، أول من أمس، عُقد تحت عنوان رئيسي «حفظ الاستقرار»، في ظلّ توجس جنبلاط من انعكاس الضغوط السعودية محلياً، واستفادة إسرائيل منها
باستثناء الاجتماعات البروتوكولية التي يفرضها الدستور والأعراف في الانتخابات الرئاسية والاستشارات النيابية، لم يسبق لرئيس مجلس النواب نبيه برّي، طوال السنوات العشر الماضية، أن انتقل من مقرّه في عين التينة، بغية عقد اجتماعات علنية في مقار سياسيين آخرين. أقلّه أنّ الذاكرة السياسية تكاد لا تحفظ أي حادث مُشابه، طوال العقد الأخير. سجّل برّي أحد الاستثناءات ليل الأحد، بمشاركته في اللقاء الذي جمع رئيس الحكومة سعد الحريري بالنائب وليد جنبلاط، في كليمنصو. يأتي ذلك في إطار اقتناع برّي وتأييده لرغبة جنبلاط في عودة الأخير إلى لعب دور «صمام الأمان»، في ضوء الضغوط العربية والدولية المُمارسة ضدّ لبنان.
إضافة إلى أنّ التوازنات المحلية، منذ ما قبل التسوية الرئاسية، وصولاً إلى تشكيل الحكومة الحالية، ساهمت في «إقصاء» جنبلاط عن ممارسة لعبته المفضلة كـ«بيضة القبان»، وهو يريد أن يستعيد هذه «المهمة». لكن برّي وجنبلاط يُدركان أنّه يتعذّر تحقيق ذلك من دون وجود علاقة جيدة تجمع نائب الشوف مع الحريري. التقت مصلحة جنبلاط مع مصلحة رئيس الحكومة الذي لا يريد أن يفقد التنسيق مع السعودية، لكن في الوقت نفسه من دون أن يؤثر ذلك على الهدوء الداخلي، فكانت النتيجة اللقاء الثلاثي أول من أمس، بعدما قطعت العلاقة بين تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي مرحلة الخطر، وبدأ التنسيق الثنائي في التفاصيل الانتخابية. تقول المصادر الاشتراكية إنّ «الاتفاق مع الحريري حول التحالف في دائرة الشوف ــ عاليه تمّ خلال الجلسة في بيت الوسط». وبما خصّ العلاقة بين الطرفين، الخلافات «أصبحت وراءنا، فلكل مرحلة أولوياتها. الهدف الآن معالجة كلّ الأمور على الساحة المحلية».
أسبابٌ أخرى، دفعت جنبلاط إلى فتح دارته أمام برّي والحريري، قد يكون أبرزها توجسه من التطورات الإقليمية، وطريقة التعامل مع لبنان.
في الحزب التقدمي الاشتراكي رأيٌ، ليس جنبلاط بعيداً عنه، يعتبر أنّ خطورة الموقف السعودي من حزب الله وتخيير اللبنانيين بين مواجهته أو تحمّل عواقب الوقوف إلى جانبه، يتجاوزان الخلافات الداخلية ليصب في مصلحة العدّو الإسرائيلي الذي بات لديه غطاء عربي لحربه المُقبلة بأنه «لا فرق بين لبنان والحكومة والمؤسسات المحلية». وما كان راسياً خلال حرب تموز وما قبله، بتحييد إسرائيل للمؤسسات اللبنانية والعاصمة عن الاستهداف، «سقط بفضل ترسيخ السعودية ووزيرها ثامر السبهان لهذا المنطق». لا أحد يعلم أين تنطلق شرارة الحرب المقبلة، ومتى. «ولكن نعرف أنّ حزب الله والعدو الإسرائيلي يتحضّران لها، ولو أنّهما لا يريدانها». التشاؤم الجنبلاطي مردّه أيضاً «عدم وجود سلطة متكاتفة تُناقش هذا الخطر وكيفية مواجهته».
خلال الاجتماع الثلاثي، جرى تناول معظم الملفات الداخلية، والتوتر السعودي تجاه حزب الله وإمكانية انعكاس ذلك على الوضع الداخلي، والدور الذي من الممكن أن يقوم به كلّ من برّي والحريري وجنبلاط للحفاظ على التهدئة في البلد. مرّوا بسرعة على الملف الانتخابي، من دون أن يبحثوا في آليات تطبيق قانون الانتخابات. وبحسب المصادر المعنية، «كانت جلسة المجلس النيابي أمس المُخصصة لإقرار الضرائب مادة للنقاش بين المُجتمعين الثلاثة». وفي خلاصة اللقاء، تبيّن أنّ همّ الحريري الأول «صون الاستقرار»، ويتلاقى مع نظرة برّي وجنبلاط بأن «لا تؤثر التشنجات الإقليمية على الوضع اللبناني. هذه مسألة مُهمّة جداً وجامعة، ليس فقط ثلاثية».
في الإطار نفسه، تؤكد مصادر رفيعة المستوى في تيار المستقبل أنّ الحريري «لن يلجأ إلى أي خطوة من شأنها أن تُشعل البلد، إرضاءً لأي طرف. وقد أثبتت التجارب أنّ الأمور التي لا تُقنعنا، لا نقوم بها»، في إشارة إلى محاولة السعودية تشكيل جبهة معادية لحزب الله. وتقول المصادر إنّه «داخل المملكة هناك تفهم لموقفنا، الذي نعتقد بأنّه يخدم مصلحة البلد».
وفي ما خصّ الانتخابات النيابية، أكد رئيس الجمهورية ميشال عون أمام أعضاء هيئة الإشراف على الانتخابات الذين أقسموا اليمين، بحضور الوزير نهاد المشنوق، أنّ «الانتخابات النيابية ستجرى في مواعيدها على أساس القانون النسبي، وكل ما يُقال غير ذلك لا يمكن الاعتداد به». واعتبر عون أنّ «التجارب السابقة في عمل هيئة الإشراف اعترتها شوائب كان يمكن تفاديها لو التزم الجميع المهل القانونية والأنظمة المرعية الإجراء»، داعياً أعضاء الهيئة الى «الوفاء بقسَم اليمين لضمان نجاحهم وحيادهم في ممارسة عملهم». في الإطار نفسه، اعتبر المشنوق أنّ «وجود هذه الهيئة اليوم وقسَمها اليمين أمام فخامته يؤكدان أنّ كلّ الحديث عن تمديد أو تأجيل للانتخابات غير وارد، وأنّ الانتخابات ستجرى في موعدها، وبالإمكانات المتاحة لدى وزارة الداخلية لتطبيقها، وفي أول مناسبة سنُرسل مرسوماً الى مجلس الوزراء مجدداً حول قراءتنا لتطبيق قانون الانتخاب بعد المشروع الأول الذي عرضناه والذي لم نتمكن من تحقيق التفاهم حوله، وهذا ما يمكن تسميته الخطة «ب» لمناقشتها في مجلس الوزراء، وبداية في اللجنة الوزارية التي تُمثل كل القوى السياسية المعنية بالتفاهم على هذه الخطة».
وبعد ما حُكي عن توجّه تيار المستقبل، والحريري، للعمل من أجل تأجيل الانتخابات، أكدت مصادر الأخير لـ«الأخبار» أنّ الاستحقاق «سيتم في موعده، وفق القانون الحالي ومن دون تعديلات، مع الاستغناء عن التسجيل المسبق والبطاقة الممغنطة أو البيومترية».