مرحلة جديدة من تجديد التسوية السياسية يدخلها لبنان، تجسّدت في اللقاء الثلاثي الذي جمعته كليمنصو، وضم رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط. تحليلات كثيرة رافقت اللقاء، وحاولت استشراف أفقه وماهيّته، حتى وصل البعض إلى اعتبار أن هناك انقلاباً على تسوية السلسلة ولا بد من اللقاء لتحصينها. هكذا كان جواب غالبية المسؤولين الذين طرح عليهم السؤال عن محور اللقاء. ولا شك أن لقاءً من هذا النوع وأن يزور الحريري وبري جنبلاط، يعني أن في الأمر خطورة ما، أو ضرورة تحتّم ذلك.
لم يتوقع أي طرف سياسي حصول هذا اللقاء، إلا أن معلومات متابعة لـ"المدن" تؤكد أن الإعداد له بدأ منذ أيام، على خط عين التينة كليمنصو، ومن خلال اتصالات بين بري وجنبلاط، لضرورة تحييد لبنان والحفاظ على الاستقرار والتسوية، بدون العودة إلى التجاذبات السياسية الإقليمية، أو اللعب على حبال المحاور. لم يكن حزب الله بعيداً من اللقاء، والإعداد له، بل كان أكثر المهتمين به من بعيد، لأنه يعنيه بشكل مباشر. واللافت أن هذا اللقاء جاء بعد كلمة الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، الذي جدد الدعم للحكومة، وجدد موقف الحزب من الحفاظ على الاستقرار، وعدم الانجرار نحو الاشتباك الإقليمي في الداخل.
يأتي كلام نصرالله في ظل مساع سعودية متعددة في اتجاه لبنان، وهو كان واضحاً حين طالبها بالابتعاد عن لبنان، وقال: "لبنان تحل عنه السعودية يصبح فيه أمن وسلام، عندما تعود السعودية لتمول نجد خطوط تماس". واعتبر أن هناك سياسة جديدة لمواجهة حزب الله، من العقوبات والضغوط الأميركية في أكثر من موضوع، وسنرى في الأيام المقبلة ما هي الاستراتيجية التي سيعلن عنها (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب تجاه إيران. وطبعاً، هذه الاستراتيجية الأميركية الجديدة إذا ما كان فيها من جديد ستؤثر على وضع المنطقة. هذا وضع لا يخص إيران فقط".
كل هذه التطورات كانت حاضرة في اللقاء الذي عقد الأسبوع الماضي بين الحريري وجنبلاط، إذ جرى التباحث في الدعوات السعودية إلى لبنان، واستمر بين مختلف الأفرقاء. وتشير المصادر إلى أن جنبلاط كان منذ تلك اللحظة الأولى من دعاة العمل بواقعية، وأنه لا يمكن الدخول في مواجهة لأن الظرف الإقليمي والدولي لا يسمح، وكذلك موازين القوى المحلية. وهذا ما عاد وشدد عليه لقاء كليمنصو، الذي كمنت أهميته في حضور بري. وتعتبر المصادر أن الاتصالات بين بري وجنبلاط، أفضت إلى طلب هذا اللقاء مع الحريري، والتوافق معه على أهمية حماية التسوية، لأن البلد لا يحتمل أي مخاطرة. وبمعنى آخر، هناك من يعتبر أن اللقاء يأتي لتكريس العلاقة غير المباشرة بين الحريري وحزب الله، التي أنتجتها التسوية، وعدم انتكاستها بسبب التطورات أو المواقف السعودية، واعتبار أن المواجهة التي تطالب بها السعودية ليست لمصلحتهم ولا لمصلحة البلد. وتلفت المصادر إلى أن الحريري كان متجاوباً ومتوافقاً مع وجهة النظر هذه، لكنه اعتبر أنه لا يمكن الظهور بمظهر المستسلم أو المهادن لحسابات عديدة، منها شعبياً وداخلياً، ومنها إقليمياً، لكنه شدد على التمسّك بالتسوية وبكامل أفقها.
وهذا التناغم بين الحريري وحزب الله، كان ظاهراً في كلام نصر الله، الذي جدد دعمه الحكومة، لا سيما في ما يخص التعاطي بمسألة العقوبات الأميركية ضد الحزب، إذ قال: "نحن ندعم هذا المسعى الرسمي والحكومي اللبناني، الذي يحاول أن يعزل الاقتصاد اللبناني والوضع المالي اللبناني عن تأثيرات قانون العقوبات". وفي السياق الأوسع، فإن جنبلاط ألمح إلى هذا التناغم بالموقف الذي أطلقه بعد اللقاء معتبراً أنه "جمعة حوار ووفاق وإتفاق على أهمية الاستقرار ومقاربة الأمور بواقعية. إنّ تحصين لبنان يجب أن يبقى أولوية فوق كل إعتبار".