ما يجري في سوريا يخضع لمنطق خفض التوتر الذي وافقت عليه الدول الفاعلة في الحرب واستجابت له كل من إيران وتركيا بإعتباره يقسّم البلاد بينهما كواقع يستجيب لمحاصصة سياسية تنسجم مع مصالح الدولتين أولاً ويلبي حاجة روسيا منه باعتبارها صاحبة مشروع التهدئة المفروضة بالقوّة من قبل المعنيين لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية التي حرصت على إعطاء روسيا الدور الأكبر في تظهير صورة الحلّ بدءًا من مشروع إنهاء تنظيم داعش المُضر بمصالح الغرب وبمصالح المعارضة السورية التي تأذت من آستحضار هذا الوحش باسم المعارضة لا ليذبح الأسد بل لينهش بنعاج المعارضة وليأكل الثروة السورية من النفط إلى الآثار وما بينهما من ذهب وثروات طبيعية ليتحوّل هذا التنظيم الى ترسانة مالية ضخمة توازي القوّة المالية للدول المصدرة للنفط.
إقرأ أيضًا: أباطرة الشرق الأوسط
من الملفت أن الدولتان المتهمتان باستحضار تنظيم داعش والمتطرفين الإسلاميين من قبل تركيا والحرس الثوري الإيراني وحزب الله لبنان والعراق وأفغانستان من قبل إيران لتغذية الحرب السورية ومدّها بالأسباب المذهبية الكافية والكافلة لإخضاع العالم الاسلامي لمنطق الصراع المذهبي قد لبتا الدعوة لتصحيح الوضع السوري بإنهاء تنظيم داعش كمرحلة مستحضرة لخروج أحزاب إيران من سورية بغية الإستعداد لتسوية ما بعد الحرب والتي تضمن مصالح الجميع من أمن إسرائيل إلى مصالح روسية الإقتصادية بعد أن ضمنت للإدارة الأمريكية ترتيب المستقبل السياسي السوري وفق الرغبة التي تتيح شراكة سياسية متعددة الأقطاب.
لقد سقطت كل الإتهامات التي كانت مرفوعة من قبل إيران بوجه تركيا ولم تعد إيران مشكلة الأزمة السورية بالنسبة لتركيا وبات الإيرانيون والأتراك في جبهة روسية واحدة ويقومون بخدمة ميدانية منسجمة فيحررون من خلالها الأراضي التي أعطوها لتنظيم داعش في عملية إسترداد واضحة إذ تبيّن هشاشة المواجهة مع التنظيم الذي ترك المناطق التي يحتشد فيها جنود خفض التوتر وبسرعة هائلة لتكشف عن عمق العلاقة القائمة مابين هذه الدول وبين تنظيم الخلافة.
إقرأ أيضًا: سوريا وسواقة المرأة للسيارة
لقد إستمرت المعارك مع داعش العراق سنوات وتدخلت فيها دول العالم بقيادة أميركا في حين أن تنظيم داعش السوري إنتهى بلمحة بصر وصعد في باصات النقل ضمن حماية ورعاية عالية غير متوفرة في الفنادق السورية.
تتجه الأنظار السورية نحو سير الدبابات التركية باتجاه إدلب في ظل زئير أسد غير مسموع فلم تعد تركيا طامعة في سورية ولا أداة إحتلال أو تخريب وباتت جزءًا من منظومة الضرورة للحلّ في سورية والدولة القادرة على ضرب الإرهاب من داعش إلى النصرة لتحرير إدلب بعد أن نجحت في تنظيف ما يحيط محافظة الرقة من ألغام بشرية وسهلت عملياً لقوات سورية الديمقراطية أسباب النجاح في مهمتهم الأمريكية داخل الميدان السوري.
إن الجيش الحرّ المتواجد فعلياً في إدلب يرحب بتركيا كدولة داعمة له كما أن الشعب السوري في إدلب يرحب بالحضور وبالدور التركي وهذا ما يؤشر على عمق الأزمة في السورية والتي بات فيها النظام مجرد هيكل قائم على أطلال بعد أن توزعت الولاءات السورية ما بين الدول المعنية على المستوى السياسي والديمغرافي والجغرافي فباتت سورية الدولة ذات سيادة إيرانية وتركية وروسية ومجرد مجالاً للإستثمار كلٌ بحسب حاجته وكل بحسب قدرته.