ليست المرة الأولى التي تتمخض فيها الطائفة الشيعية ويخرج من رحمها مولود يضج بأفكار تتجاوز الهوامش المذهبية والطائفية ليسبح في رحاب الوطن ويتكامل مع باقي المكونات المتحررة من قيود التبعية السياسية والإصطفاف الحزبي وتتلاقى معها في المساحة الوطنية التي تتسع لكافة شرائح المجتمع اللبناني تحت يافطة المشروع الوطني الهادف إلى بناء الوطن والمواطن وإقامة الدولة الحديثة على أسس علمية وحضارية تحاكي المجتمعات الراقية والأنظمة المتطورة التي بنت بلدانها ودولها إنطلاقا من حرصها على المحافظة على المصالح العليا العامة للوطن وبعيدا عن المصالح الشخصية والخاصة بالأفراد أو المجموعات.
ففي العقدين الماضيين إنطلقت أصوات من على منابر شيعية مستقلة وخارج إطار الثنائية الشيعية حزب الله وحركة أمل مطالبة كافة شرائح المجتمع اللبناني على إختلاف تلاوينهم الطائفية والمذهبية وانتماءاتهم السياسية والحزبية للإنخراط في المشروع الوطني الجامع وتفعيل صيغة العيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد وبناء دولة القانون والمؤسسات على أسس ديمقراطية تحفظ حق الجميع في المشاركة في الحياة السياسية وحرية الفرد في التعبير عن رأيه وكذلك ظهرت تجمعات وفعاليات وحركات هادفة للإصلاح في العديد من المناطق اللبنانية وخصوصا تلك التي تقطنها أغلبية شيعية.
واليوم إنطلق إطار جديد تداعت إليه شخصيات شيعية متعددة الإنتماءات والمشارب والمناطق وخاصة من قرى وبلدات ومدن البقاع والجنوب. ومن مختلف العائلات والعشائر والتقت في قاعة فندق " مونرو " في العاصمة بيروت يوم الأربعاء الماضي وأطلقت تحركا تحت عنوان " نداء الدولة والمواطنة. "
ومما جاء في النداء " نحن لبنانيون وطنيون وديمقراطيون من مشارب مختلفة التقينا وتناقشنا فوجدنا أن ما يجمعنا هم واحد هو بناء دولة مدنية قوية. دولة سيدة على أرضها وحدودها تؤمن بتداول السلطة الدوري وفق النصوص الدستورية. دولة تبسط سلطتها بواسطة جيشها وقواها الأمنية دون سواها ".
أقرا ايضا: إيران تروج لإنتصارات كاذبة في المنطقة
وأضاف النداء " نحن لبنانيون أولا وشيعة ثانيا. ننتمي إلى ثقافة ترفض الظلم والإنصياع لمستبد وترفض الفتنة وهدر الدماء من أجل سلطة ظالمة مهما علا شأنها ولا تسلم بشرعية غير شرعية الدولة. ولا بسلطة غير سلطة القانون، كما وأننا نرفض سلطة المحاصصة الطائفية واستمرار الإصرار والإمعان في أخذ طائفة بمجملها إلى صحراء التيه السياسي والثقافي في خدمة أجندات إقليمية والإشتراك في حرب دائرة على قاعدة إنقسام مذهبي سيحرق بلهيبه مستقبلنا ".
وتوجه النداء إلى " أهلنا أبناء الطائفة الشيعية في لبنان خصوصا وأخواتنا اللبنانيين عموما لنؤكد أن مسؤوليتكم ومسؤوليتنا اليوم هي التأكيد على أن التغيير في الساحة الشيعية هو أساس مفصلي للتغيير في كل لبنان عبر وضع حد لإحتكار التمثيل الشيعي في السلطة من قبل ثنائية حزبية وتوسيعه لصالح فضاء مدني أرحب ".
إقرا ايضا: الشيخ عباس الجوهري: نحن لبنانيون أولًا وشيعة ثانيًا
لا شك أن هذا التجمع المغلف بطابع شيعي هو النواة الحقيقية والصادقة لحراك سياسي يتجاوز بفعاليته إصدار البيانات والتصاريح والخطابات من على المنابر ليخترق جدار إستحقاق الإنتخابات النيابية المقرر إجراؤها في شهر أيار القادم بتشكيل لوائح منافسة للوائح التقليدية التي كانت تفرض على الناخب الشيعي وبالتالي ليطلق صرخة مدوية بأن للطائفة الشيعية حضور وازن وفاعل على الساحة السياسية في البلد ولا يمكن إختصارها بثنائية حزبية عملت على مصادرة قرارها ومصادرة البلد وزجت بخيرة شبابها في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل وربطت مستقبل الشيعة والبلد بمشاريع إقليمية إنعكست تعطيلا للدولة بكافة مؤسساتها وأجهزتها .