يسابق حزب الله، في السياسة والميدان، كل التطورات أو الضغوط التي تسعى بعض الدول لفرضها عليه. في مقابل تكثيف الدعوات لإخراجه من سوريا، يسعى الحزب إلى تعزيز وجوده وتوسيع أماكن سيطرته، سواء أكان في شرق سوريا أم في جنوبها. وتزامناً مع إقرار قانون العقوبات الأميركي ضده، يتمسك الحزب بالاستقرار الداخلي، وبالحفاظ على الحكومة التي يعتبر أنها تشكّل شرعية رسمية لبنانية له ولنشاطاته، خصوصاً أن رئيسها قصد الولايات المتحدة للمطالبة بتخفيف العقوبات التي ستضرّ بالإقتصاد اللبناني. هوامش سياسية أخرى يسعى الحزب لتحصين نفسه فيها، على رأسها الانتخابات النيابية المقبلة، التي سيواجه أي محاولة لتأجيلها. ومن الآن حتى ذلك الموعد، لدى الحزب أولويات أساسية.
لم يعد خافياً، حجم الإنزعاج الإسرائيلي من التقدم الذي يحرزه الحزب وإيران في سوريا. بالتالي، فإن إسرائيل قد تنتهز لحظة معينة في ظرف مناسب لتوجيه ضربة خاطفة. هذا ما يأخذه الحزب في الحسبان، لذلك يلوّح بفتح أكثر من جبهة، سواء أكان من جنوب لبنان أم من جنوب سوريا. لكن الأساس في تعزيز وضعه سيكون في حلّ مسألة اللاجئين السوريين.
وقد أسهمت زيارة الوزراء، وكذلك لقاء وزير الخارجية جبران باسيل بوزير خارجية النظام وليد المعلم، في تسريع تطبيع العلاقات بين لبنان والنظام السوري، لكن الأهم راهناً، بالنسبة إلى الحزب، هو إعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا.
فالحزب الله لن يرضى ببقاء اللاجئين بهذا الشكل العشوائي والمتوسع على الجغرافيا اللبنانية كلها، ولا سيما في مناطق أساسية بالنسبة إليه سواء أكانت ضمن بيئته أم ضمن مناطق تعتبر ممرات أساسية له في البقاع. بالتالي، فإن حساباته لأي ضربة إسرائيلية محتملة، يقاربها بميزان ضرورة إخراج اللاجئين السوريين. أولاً لما يمثّلونه من تهديد ديمغرافي في لبنان ككل، وثانياً لتخوفه من إنفلات الوضع بحال حصول أي ضربة إسرائيلية. إذ يضع الحزب في حساباته محاولات بعض الجهات استغلال الوجود ذاك لإلهائه وإشغاله في عدد من المناطق. هذا على الأقل سبب أساسي يعتبره الحزب دافعاً لأجل العمل في سبيل إعادة اللاجئين.
ولا شك أن الحزب يعتبر أن الدولة اللبنانية لم تستجب بالسرعة المطلوبة للعمل على إعادة اللاجئين من خلال التواصل مع النظام السوري. لذلك يمسك الحزب بخيوط المبادرة التي يمتلكها، والتي حصلت على أساسها أول عملية إعادة لاجئين من بلدة عرسال إلى بلدة عسال الورد القلمونية. وقد يستنسخ في الأيام المقبلة هذه التجربة، لإعادة آلاف اللاجئين إلى عدد من المناطق، سواء أكانت قريبة من الحدود أم بعيدة عنها،. وسيرتكز ذلك على مفاوضات تتضمن إعادة اللاجئين عبر تسوية أوضاعهم مع النظام السوري، وإعادتهم إلى مناطق آمنة.
من جهة أخرى، يترقب الحزب مزيداً من الضغط الدولي، لا سيما من جانب الولايات المتحدة الأميركية، أو الأمم المتحدة. ففي أواخر الشهر الحالي، سيطرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتيريس مجدداً مسألة سلاح حزب الله على طاولة مجلس الأمن. وذلك في إطار مناقشة القرار 1559، ويتضمن التقرير إنتقادات كبرى لحزب الله، الذي لم يلتزم بهذا القرار، ولا يزال يخرقه إلى اليوم، كما يتضمن إشارة إلى ما فعله الحزب على السلسلة الشرقية، وما يمثله نشاطه هناك من تخطّ لكل القوانين الدولية، في مقابل التذكير بأهمية دور الدولة ومؤسساته ولا سيما الجيش اللبناني، باعتباره الجهة الوحيدة المخولة الدفاع عن الحدود. وقد يكون التقرير مقدّمة لإعادة الحديث مجدداً بضرورة تخلي الحزب عن سلاحه. وسيتزامن ذلك مع ضغوط سياسية وديبلوماسية، ستكون مقرونة مع تنامي الحراك السياسي في لبنان من قبل بعض الأطراف، في سبيل إثارة هذا الموضوع.