وصف المرشد الأعلى آية الله علي خامئني تصويت أكراد العراق للانفصال بأنه “خيانة تهدد مستقبل المنطقة”. وذات الوصف استخدمه قبله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وبينما تحدّث أردوغان عن هذه “الخيانة” وعينه على أكراد تركيا، تحدّث المرشد الأعلى وعينه على قائمة طويلة من الأقليات المثيرة لوجع رأس طهران.
يأتي في صدارة هذه القائمة الأكراد وعرب الأحواز، وهؤلاء يمكن اعتبارهم الأكثر إثارة لقلق إيران، حيث ترتكز مطالبهم على حجج تاريخية وجغرافية ووقائع مثبتة. وفيما يكتفي الأكراد، وأقليات أخرى كالتركمان والأذريين والبلوش، بالاحتجاجات والمظاهرات، يذهب تصعيد عرب الأحواز إلى حد المطالبة بـ”الاستقلال عن المحتل الإيراني”، ويتحدثون عن ذلك من منابر دولية.
في الوقت الذي نزل فيه أكراد إيرانيون إلى شوارع مدينة بانه وساغر وسانانداج تأييدا لنتائج استفتاء انفصال كردستان العراق، كان ممثلون عن عرب الأحواز يشاركون في مؤتمر نظمته المؤسسة العربية الأوروبية بالقاهرة تناول بالدراسة مطالب الأحوازيين وأي دور يمكن أن تلعبه الدول العربية والمجتمع الدولي في الدفع بهذه القضية نحو واجهة الاهتمام. ويحاول الكثير من السياسيين الأحوازيين استغلال الظرف السياسي القائم حاليا للتعريف بقضيتهم أكثر.
ويؤكّد هذا التوجه عارف الكعبي رئيس اللجنة التنفيذية لإعادة شرعية دولة الأحواز، في لقاء مع “العرب”، متحدّثا عن سعي عرب الأحواز إلى إحياء مشروع وحلم استعادة الحكم الذاتي، وصولا إلى إقامة دولة مستقلة.
القضية الأحوازية، باتت اليوم تشكّل تهديدا كبيرا لإيران، باعتبارها قنبلة موقوتة، سيؤدّي انفجارها إلى فقدان طهران منجم ذهب لا يقدّر بثمن. فإقليم الأحواز يحده من الغرب العراق ومن الجنوب الخليج العربي وبحر عمان من الشرق ومن الشمال إيران بحدود جبال زاغروس. وتشكل من الناحية الاستراتيجية مفتاح الضعف والقوة بالنسبة إلى إيران، وهي في نفس الوقت تشكّل بالنسبة إلى العراق والخليج العربي السدّ المنيع في وجه الأطماع الإيرانية.
بمجرد أن يعلو صوت هذه الأقلية، يكفي لإقلاق راحة طهران. وحين يعلو هذا الصوت في مرحلة زمنية مثل المرحلة الراهنة فإن القلق سيسجل أعلى مستواياته، مثلما يتوقّع أن يسجل قمع هذه الأصوات أعلى معدّلاته. لكن الكعبي شدّد على أن قمع النظام لن يثني الأحوازيين عن المضي قدما في مشروعهم، مشيرا إلى أن “مؤتمر القاهرة الذي يعد امتدادا طبيعيا للجهد المبذول لمطالبة المنظمات الإقليمية والدولية بالاعتراف بدولة الأحواز العربية”.
وأضاف الكعبي، الذي حضر إلى القاهرة مؤخرا للإعداد للمؤتمر وغادرها متجها إلى بروكسل، أن “ما تم في القاهرة لم يكن الأول من نوعه بل سبق وعقدت اللجنة التنفيذية لدولة الأحواز العربية خلال شهر فبراير من العام الحالي مؤتمرا صحافيا سلطت فيه الضوء على المحاور السياسية والقانونية لمشروع إعادة شرعية دولة الأحواز”.
وقال إن “الفترة القادمة سوف تشهد عقد ندوات في عدد من الدول الغربية والمرجح أن تكون لها تأثيرات إيجابية وفعالة لتقدم مشروعنا السياسي”، حيث يشغل الجدول السياسي للكعبي العديد من الزيارات الخارجية لبعض الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي لإثارة القضية بشكل أوسع.
ويسعى في الوقت الحالي إلى تكثيف زياراته للولايات المتحدة خصوصا للترويج للقضية وحث أعضاء الكونغرس والبيت الأبيض على دعم قضية الأحواز.
ويعد عارف الكعبي إحدى الشخصيات السياسية المؤثرة داخل الإقليم، ويشغل منصب رئيس المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الأحوازي، أحد الأحزاب السياسية الأحوازية الذي تأسس في إيران عام 1998، ويعتمد في المقام الأول على تعريف العالم بالقضية الأحوازية، وعقد مؤتمرات عن الاحتلال الإيراني للأحواز العربية، ويؤمن بالدور العربي الهام لدعم قضية الأحواز.
مشروع إعادة الشرعية لدولة الأحواز تم عرضه أيضا على بلدان خليجية عدة وإنهم بانتظار تفعيل ذلك المشروع ومساندته بشكل رسمي
وأوضح أن القاهرة ترحب بعقد أكثر من مؤتمر يدعم قضية الأحواز، وأول هذه الخطوات والتي بدأت مطلع العام الحالي لاقت قبولا واسعا من القيادة السياسية المصرية، والخطوة القادمة تكمن في الإعداد لفتح مكتب تمثيلي لمشروع إعادة الشرعية للأحواز.
ويرى أن تواجد الجامعة العربية في القاهرة يعطي اهتماما أكبر بالنسبة للعديد من السياسيين الأحوازيين لرغبتهم في تقديم ملف يطالبون فيه بإدراج قضيتهم في جدول أعمال الجامعة العربية المقبلة.
وكانت قضية الأحواز أدرجت في جدول أعمال مؤتمر القمة العربية الأول المنعقد في القاهرة في عام 1964. ومن بين القرارات التي خرجت بها القمّة إدراج قضية الشعب الأحوازي العربي في المناهج المدرسية العربية وفي برامج الإعلام.
ويؤكد أن “هناك دعما عربيا وتفهما غربيا واضحا للتحركات الدولية من قبل إقليم الأحواز، وهو ما يشكل ضغطا سياسيا على إيران وسيؤتي أكله إذا بادرت الدول العربية بالسماح بفتح مكاتب لممثلي اللجنة التنفيذية لدولة الأحواز على أراضيها، واعترفت دول مجلس التعاون الخليجي بالجالية الأحوازية التي تتواجد على أراضيها كجالية أحوازية عربية وتتمتع بحقوقها كاملة كي نتمكن بالدفع بقضيتنا إلى الأمام في ظل الظرف الحساس التي تمر به المنطقة”.
قضية عربية
الأحواز هي عاصمة ومركز إقليم خوزستان، وتقع شمال غرب إيران. ويطلق الفرس على هذا الإقليم منذ القرن السادس عشر اسم “عربستان”، والذي يعني بالفارسية “بلاد العرب’”. وسكنت منطقة الأحواز قبائل عربية عراقية وكانت جزءا من ولاية البصرة تحت حكم الخلافة الأموية والعباسية، لكن ضمت بريطانيا الإقليم إلى إيران بعد انهيار الخلافة العثمانية. وكانت مشيخة عربستان تتمتع بحكم شبه ذاتي قبل سيطرة الحكومة الإيرانية.
ويسعى الأحوازيون منذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية لترويج قضيتهم في كافة المحافل الدولية والمؤتمرات الكبرى والتعريف بها والتي غابت عن الرأي العام العربي سنوات طويلة.
ويعول القيادي الأحوازي على أهمية الدور الأميركي لتحريك عجلة قضيتهم بعدما زادت وتيرة الخطر اﻻيراني وأصبحت تمثل تهديدا لدول المنطقة والعالم، مشددا على أن الحصول على دعم القوى الكبرى لمشروع الأحواز بات قاب قوسين.
ولا يقل التعويل الأحوازي على الولايات المتحدة تحديدا عن اقتناعهم بأهمية الدور الخليجي في دعم قضيهتم. وأكد الكعبي أن مشروع إعادة الشرعية تم عرضه أيضا على بلدان خليجية عدة وأنهم بانتظار تفعيل ذلك المشروع ومساندته بشكل رسمي، وهو ما أفرز تقديم طلب إلى مجلس التعاون الخليجي طالبوا فيه بالاعتراف بدولة الأحواز كدولة عربية محتلة من قبل إيران.
وقال الكعبي إن “المتغيرات الراهنة دفعتنا إلى زيارة عدد من الدول الخليجية والمملكة الأردنية لتبادل وجهات النظر حول المتغيرات الإقليمية الجديدة وما يمكن أن توفره القضية الأحوازية من دعم للموقف العربي”.
عارف الكعبي: الفترة القادمة ستشهد عقد ندوات في عدد من الدول الغربية والمرجح أن تكون لها تأثيرات إيجابية لتقدم مشروعنا
ويعترف الكعبي بأن “الأحوازيين يفتقرون إلى الدعم اللوجستي وعدم وجود ظهير أمن ليكون داعما لهم في ظل سيطرة الميليشيات الشيعية العراقية التابعة لإيران على معظم الحدود العراقية”، مشيرا إلى أهمية “الدعم العربي لقضيتهم، بعد أن كشفت طهران عن وجهها التخريبي التوسعي باتجاه المحيط العربي، وأنه بات من الضروري وضع سياسة ممنهجة للتصدي إلى هذا التمدد الذي قد يطال غالبية البلدان وهو ما أدركه العديد من السياسيين العرب مؤخرا”.
مواجهة بالوثائق
كشف العكبي عن “تحركات لجنة إعادة شرعية الأحواز على مستويين؛ الأول يرتبط بواشنطن، فقبل شهر تقريبا توجه وفد أحوازي إلى الولايات المتحدة لعرض العديد من الوثائق بشأن حقوقهم الشرعية، ويجري حاليا الإعداد لزيارة أخرى مطلع الشهر المقبل وتشمل عرض العديد من الوثائق التاريخية الأخرى وإبلاغ القيادة الأميركية بتطلعاتنا السياسية مستقبلا والتي يأتي على رأسها إنهاء الاحتلال الإيراني.
ويسير الخط الثاني باتجاه الاتحاد الأوروبي”. ولفت الكعبي إلى أن “الفترة الحالية تشهد الإعداد لزيارة مماثلة إلى البرلمان الأوروبي ومقرر إتمامها خلال الأيام المقبلة للاتفاق على كيفية التحرك ضد النظام الحاكم في طهران”.
وترفض إيران أي محاولة للمطالبة باستقلال الإقليم، وأدى اكتشاف النفط في المنطقة مطلع القرن العشرين إلى صراع أكبر على الإقليم بين العراق وإيران، ورفض شاه إيران رضا بهلوي ومن بعده جمهورية إيران الإسلامية الدخول في مفاوضات مع العراق بشأن الإقليم.
وأزاح السياسي الأحوازي الستار عن العديد من الوثائق التي تؤكد شرعية الحكم في الإقليم واستقلاله والتي سوف يتم توظيفها دوليا وعلى نطاق واسع، لافتا إلى أن كل ما تتمتع به الأحواز من استقلال وسيادة يتمثل بمعاهدات ورسائل مثبتة عن طريق حاكمها الشرعي الشيخ خزعل الكعبي.
وأشار إلى أن الأحوازيين سوف يسعون بقوة لاستحضار جميع الوثائق والمعاهدات والاتفاقيات والمخاطبات والخرائط التي تؤكد استقلالية إقليمهم، عن طريق اللجنة القانونية المتشكلة من مجموعة من المحامين المحليين والدوليين.
وأضاف أن “هذا الفريق سيتقدم بطلب إلى تركيا لفتح الأرشيف العثماني والحصول على الوثائق المهمة والمستندات والمخاطبات والمعاهدات التي أبرمت حين ذاك من قبل حاكم الأحواز الشيخ خزعل مع الدول الكبرى، مثل بريطانيا وحكام وأمراء دول الخليج”.
والأمر ذاته سيتم مع بريطانيا ليكون الملف جاهزا لتقديمه إلى المؤسسات الدولية الخاصة باسترداد الحقوق والبت في الوضع القانوني، والذهاب إلى محكمة العدل الدولية لتقديم شكوى ضد الدولة الإيرانية لاحتلالها الإقليم وما ترتب على ذلك من أثار وسفك الدماء ومصادرة الحقوق.
وشدد على أن هناك متابعة يومية دقيقة لجميع الانتهاكات والممارسات التي تقوم بها إيران ضد الشعب الأحوازي، وأن ذلك يتم بشكل موثق ليضم إلى ملفات تقدم إلى المؤسسات الإنسانية والحقوقية، وقد حصلنا على قرارات إدانة وإيقاف لأحكام صدرت ضد مجموعة من الشباب الأحوازيين بالإعدام ظلما وبتهم كيدية حيث أصدر الاتحاد الأوروبي قرارا يطالب فيه إيران بإيقاف الإعدامات بحق الشباب.
منطقة الأحواز تتربع على أهم الموارد الطبيعية في إيران وتعتبر مصدر الدعم الرئيسي لاقتصاد البلاد بينما يعيش سكانها في فقر مدقع. (عن موقف كاران الثقافي).
تمارس السلطات الإيرانية تعتيما كبيرا على ما يجري داخل الأراضي الإيرانية الممتدة على مساحة 1648 ألف كم². وهي من بين أكثر دول العالم تجاهلا للأقليات وقمعا لحريات الفئات غير الفارسية، حيث تسلّط عليهم يد الحرس الثوري الطولى أينما وجدوا من شمال البلاد، حيث الحدود الإيرانية مع تركمانستان وأذربيجان، إلى الغرب المضطرب مع العراق وتركيا، فالشرق حيث الإطلالة على أفغانستان وباكستان. وسيطرت طهران على ثروات الإقليم من نفط وغاز وأراض زراعية.
ونفذت الحكومات الإيرانية المتعاقبة خطة شاملة لمحو الهوية الأحوازية. وحرمت الأهالي من الدراسة بلغتهم الأم وغيّرت أسماء المدن إلى الفارسية. ومنعت أي أنشطة ثقافية عربية. وعوقب النشطاء بالسجن والتعذيب حتى الموت.
ولفت الكعبي إلى أن إيران مارست منذ اليوم الأول لاحتلال الإقليم منهج التفريس بشتى أنواعه، إذ سعت إلى طمس الهوية العربية وتذويبها وأغلقت جميع المدارس العربية والمراكز الثقافية ومنعت التحدث باللغة العربية واللباس العربي وإزالة الآثار والقصور العربية وتغير أسماء المدن العربية إلى الفارسية. كما أنها سعت للتغيير الديموغرافي وتجريف الأراضي الزراعية وتحريف مسارات اﻻنهار بقصد إنهاء كل أثر يدل على عروبة المنطقة.
وأكد أن “مقاومة الشعب الأحوازي وصموده أفشل الكثير من المخططات الفارسية، إذ تعاقبت الثورات والانتفاضات طيلة عقود الاحتلال التسعة وتركزت على تشكيل مجاميع ثورية على الأرض ونفذت عمليات فدائية ضد الإيراني المحتل واستهدفت مراكز مهمة ومنشآت وﻻ تزال تمارس عملها بشكل مستمر”.
تعبير شعب الأحواز عن إرادته نحو التحرير، ساهم في أن تكون القضيّة الأحوازيّة حيّة وحيويّة على الدوام، كما لا يمكن اعتبار قضيّة الأحواز شأنا إيرانيّا داخليّا، إذ لطالما عدت وتعد هيئة الأمم المتحدة الجهة الدوليّة ذات الصلاحيّات الواسعة لضمان حق تقرير المصير لكافة شعوب العالم بما في ذلك الشعب الأحوازي.