العراقيون يخشون أن تكون استعادة الأراضي من تنظيم داعش مجرّد انتقال نحو مرحلة أخرى من اضطراب الأمن
 

أعلن الجيش العراقي الأربعاء اقتحام مركز قضاء الحويجة غربي محافظة كركوك بشمال البلاد، لتدخل بذلك الحرب الضارية المتواصلة منذ سنة 2014 ضدّ تنظيم داعش منعطف الحسم النهائي.

ويثير هذا التقدّم المهمّ في المعركة على التنظيم المتشدّد في أذهان العراقيين أسئلة باتت لصيقة بقرب نهاية الحرب تدور حول مستقبل الاستقرار في البلد الذي طالت معاناة سكانه من الفوضى والاضطراب، خصوصا وأنّ النصر على داعش على أهميته لا يحلّ مشاكل مستعصية سياسية واقتصادية واجتماعية، وحتى أمنية.

ويخشى العراقيون أن تكون استعادة الأراضي من التنظيم مجرّد انتقال نحو مرحلة أخرى من اضطراب الأمن يبدّل خلالها داعش طبيعته من هيكل كبير طامح إلى احتلال الأرض وإنشاء كيان له تحت مسمّى “خلافة” إلى عصابات متفرّقة في أنحاء العراق تمارس التفجير والقتل والخطف وتدمير البنى التحتية.

ويستند المتخوّفون من هذا السيناريو إلى أنّ السياسات الخاطئة التي أوجدت حواضن للتنظيم في العراق لا تزال هي ذاتها، في إشارة إلى تجربة حكم الأحزاب الدينية القائمة على المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية، وما نتج عنها من خراب لمؤسسات الدولة ومن فساد كبير في التصرّف بمقدّراتها ومواردها ما وسّع من دائرة الفقر والتهميش وضاعف من أعداد الغاضبين والناقمين القابلين للتحوّل إلى صيد سهل للتنظيمات المتشدّدة على غرار القاعدة وداعش.

ولم تخل إدارة الحرب ضد تنظيم داعش بحدّ ذاتها من أخطاء يمكن أن تلقي بظلالها على مستقبل الاستقرار في العراق.

يستند المتشائمون بشأن مستقبل الاستقرار في العراق بعد داعش إلى أن السياسات التي أوجدت حواضن للتنظيم لا تزال هي ذاتها
وشارك عشرات الآلاف من عناصر الميليشيات الشيعية المنضوية ضمن الحشد الشعبي في الحرب التي دارت أغلب فصولها داخل المناطق السنية التي تعرّض الكثير من سكانها لعمليات انتقام طائفي على أيدي تلك الميليشيات، ما رفع من منسوب الطائفية في البلد وزاد من ضعف وحدته الاجتماعية المتآكلة أصلا.

ويمثّل مصير تلك الميليشيات بحدّ ذاته معضلة بعد نهاية الحرب، إذ أن إدماجها بالكامل في القوات المسلّحة يحوّل تلك القوات إلى جيش شيعي بامتياز، فيما تسريح مقاتليها بما يمتلكون من أسلحة ومن خبرات قتالية عالية سيكون وصفة حرب أهلية جديدة في العراق.

وخلّفت الحرب أيضا قدرا كبيرا من الدمار وعددا هائلا من النازحين والمشرّدين وفاقدي موارد الرزق، ما سيتطلّب قدرا هائلا من المال أكبر من القدرات الضعيفة للعراق، لتجاوز مخلفات الحرب وتطبيع الحياة في المناطق التي كانت مسرحا لها.

وفي بيان بثه التلفزيون الرسمي العراقي، أوضح الفريق الركن عبدالأمير رشيد يارالله، من القوات الخاصة بالجيش، أن قوات مشتركة من الجيش والشرطة الاتحادية والرد السريع (التابعتين لوزارة الداخلية)، والحشد الشعبي، اقتحمت مدينة الحويجة الواقعة على بعد 45 كلم جنوب غرب مدينة كركوك.

وأضاف أن تلك القوات “تواصل التقدم في المدينة، بعد تكبيد داعش خسائر في المعدات والأرواح”.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 78 ألف مدني لا يزالون محاصرين داخل المدينة التي يسيطر عليها التنظيم منذ 2014.

وبدوره، قال الملازم أول في قوات مكافحة الإرهاب عبدالغفور الجميلي، لوكالة الأناضول، إن قوات مكافحة الإرهاب (النخبة بالجيش) والحشد الشعبي استعادت عدة مناطق في غربي قضاء الحويجة.

وأوضح أن تلك القوات استعادت الأربعاء قرى المصلخة، والملالي، والسادة، والفتحة، من قبضة داعش.

وتابع أن القوات المشتركة سيطرت أيضا على سلسلة جبال مكحول بالكامل، فضلا عن تطهير منطقة الحراريات والضفة الغربية لجسر “الفتحة” غرب نهر دجلة، غربي القضاء.

وأطلقت القوات العراقية، فجر الأربعاء المرحلة النهائية لحملة استعادة قضاء الحويجة، بالتوجه نحو مركز القضاء، وناحية الرياض، والقرى المحيطة بهما.

وإلى جانب ما تبقى من الحويجة، لا يزال التنظيم يسيطر على قضاءي راوة والقائم غربي محافظة الأنبار بغرب العراق قرب الحدود مع سوريا.

وفي سياق متصل باقتراب الحرب على داعش من نهايتها في العراق، عقدت قيادات عسكرية في شمالي العراق الأربعاء اجتماعا أمنيا موسعا لإدارة ملف قضاء تلعفر الواقع على بعد 60 كلم غربي محافظة نينوى.

وقال العميد علي سعيد الهبابي، من قيادة عمليات “قادمون يا نينوى” إن “اللواء الركن كريم شويلي، قائد عمليات غرب نينوى، واللواء الركن عماد الصميدعي، قائد الفرقة الخامسة عشرة في الجيش العراقي، عقدا في مقر القيادة العامة بنينوى اجتماعا لمناقشة أوضاع قضاء تلعفر”.

وأضاف أنه “جرت خلاله مناقشة آلية تنظيم أمن القضاء والعمل على تطهيره من مخلفات الحرب التي أوجدها داعش، وإعادة النازحين الى ديارهم، ومساعدة الكوادر الخدمية على تأدية واجباتها لتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين”.

وإدارة المناطق المستعادة من داعش تمثّل بحدّ ذاتها موضوعا إشكاليا وموضع خلافات بين المكونات العراقية التي يخشى بعضها سيطرة قوى غير مرغوب فيها على المناطق بعد استعادتها من داعش، على غرار سيطرة ميليشيات الحشد الشعبي على مناطق في بابل وديالى وصلاح الدين ورفضها إخلاءها والسماح بعودة أهاليها النازحين إليها.