الإعتقاد السائد لدى أوساط عديدة في المجتمعات العربية عمومًا وفي المجتمع اللبناني بوجه خاص بأن إيران ومن خلفها محور الممانعة باتت في موقع المنتصر بعد الإنجازات التي حققتها في العديد من الدول التي إنخرطت في حروبها عسكريا وأمنيا ولوجستيا إلى جانب مكونات مسلحة ساهمت في إنشائها ودعمها في مختلف المجالات وخاصة على الصعيد المالي والإحتياجات العسكرية المطلوبة كما حصل في سوريا والعراق واليمن إضافة إلى دعمها الغير محدود إلى حزب الله في لبنان لكن هذا الإعتقاد يبدو مبالغًا فيه كثيرا حيث أن الوقائع الميدانية تشير إلى غير ذلك تمامًا.
في مراقبة متأنية لتفاصيل المشهد الإقليمي فإن ما تدعيه طهران من إنجازات تم اكتسابها بأيدي الميليشيات والمجموعات والأحزاب التابعة لها هي في غالبيتها إدعاءات غير واقعية وهي عاجزة عن ترجمتها على أرض الواقع وليس في الإمكان فرض هذه المكتسبات بقوة السلاح في المناطق التي تتواجد فيها من النواحي السياسية والحياتية والإجتماعية وبالتالي فإن إيران ومن خلال تدخلها في الشؤون الداخلية لدول الإقليم تكون قد ساهمت في التأسيس لأزمات ومشاكل في هذه الدول وإذكاء الفتن المذهبية في المنطقة العربية وإطالة أمد الحروب المشتعلة في دولها وتدميرها عمرانيًا وإقتصاديًا وإجتماعيًا ومعيشيًا.
إقرأ أيضًا: حزب الله يستكمل هيمنته على البلد
فالمكونات العسكرية التي أنشأتها إيران في الدول التي وطأتها أقدامها هي إمتداد للحرس الثوري الإيراني الذي يستخدمه النظام كبديل عن الجيش النظامي ويتكأ عليه في الدفاع عن ركائزه وثوابته ويعتمد عليه كأداة من أدواته لترسيخ جذوره والإمساك بالسلطة وسياج لمشروعه التوسعي وتصدير الثورة إلى خارج حدود إيران.
في العراق مثلًا العلاقات مع رئيس الوزراء حيدر العبادي ليس مسهلة لطهران كليا كما تحاول الأخيرة الإيحاء بها في ظل إندفاع يبديه العبادي إتجاه الدول العربية للإلتقاء معها فضلا عن عدم مقاطعتها في المقابل هناك توجه عربي بإتجاه العراق وخاصة من المملكة العربية السعودية - وربما بإشارات أميركية - للحؤول دون وقوع بلاد الرافدين ضمن مناطق النفوذ الإيراني كما حصل في السابق بعد الإنكفاء الأميركي عن العراق ويترافق ذلك مع إمتعاض وتذمر وتململ زعامات شيعية عراقية لها إمتداداتها الشعبية من الهيمنة والسيطرة الإيرانية على مفاصل البلاد مع رفضها لإتباع ولاية الفقيه في ظل الخلاف على المرجعية الدينية مما يعني أن أمور العراق ليست مستتبة لإيران كما تحاول طهران الإيحاء به.
إقرأ أيضًا: المرأة السعودية تقود السيارة بمفردها
وفي سوريا وبالرغم من أن إيران لعبت دورًا أساسيًا ومتقدمًا في إنقاذ نظام الرئيس بشار الأسد من الإنهيار والسقوط واستطاعت أن تخترق مفاصل حكمه والتحكم فيها إلا أن روسيا فعليًا هي من تمتلك الورقة السورية وهي التي تدير اللعبة السياسية إن كان بالحوار مع الولايات المتحدة الأميركية أو في محادثات أستانا وبالتالي فإن إيران لا تستطيع آختراق سقف التفاهم الروسي الأميركي بالنسبة لأي حل سياسي محتمل للأزمة السورية وكذلك فإن إيران تدرك أن قدرة الأسد على الحكم مرتبط بحل سياسي يحظى برضى دولي وإقليمي وداخلي في سوريا وهي زادت من منسوب العنف والخراب والفوضى في سوريا.
وفي اليمن فالأمر لا يختلف كثيرا حيث أن دعم إيران المتواصل لحلفائها الحوثيين في كافة المجالات لم يمكنها من فرض وقائع ميدانية لمصلحتها بل أن تدخلها في اليمن ساهم في تدميره وزاد من مأساة اليمنيين ومعاناتهم الحياتية والمعيشة وانتشار الأوبئة والأمراض مع غياب الرعاية الصحية وفقدان الإحتياجات الغذائية الضرورية.
أما النموذج اللبناني فإنه لا يقل سوءا عن محيطه العربي إذ أن حزب الله وهو الأداة الإيرانية الطيعة لولاية الفقيه وبمنظوته العسكرية الهائلة وصواريخه التي يهدد بها إسرائيل لم يستطع إكتساب شرعية فرض مشروعه على الواقع اللبناني واكتفى بتعطيل الحياة السياسية في البلد ومصادرة مؤسساته وأجهزته وإداراته وقراراته المصيرية بقوة الأمر الواقع .