نحن لبنانيونَ وطنيونَ وديمقراطيونَ من مشاربَ مختلفةٍ، إلتقينا وتناقشنا فوجدنا أنه يجمعُنا همٌّ واحدٌ، هو بناءُ دولةٍ مدنيِّةٍ قويِّةٍ وقادرة، دولةٍ سيّدةٍ على أرضها وحدودها، تؤمّنُ تداولَ السلطةِ الدوريّ وفقَ النصوصِ الدستورية، هي دولةٌ تَبسطُ سُلطتَها بواسطةِ جيشِها وقواها الأمنيّة دون سواها، دولةٌ تقومُ على فصلِ السلطات وتعاونِها وعلى محاربةِ الفساد وصرفِ النفوذ، دولةٌ تحتكمُ لأصولِ المحاسبةِ العموميّةِ والشفافيةِ الماليةِ وتمنعُ استغلالَ السلطةِ بهدف الإثراءِ غيرِ المشروع، دولةُ رعايةٍ لمواطنينَ أحرارٍ، لا دولةََ محاصصةٍ لرعايا مستعبَدين. دولةُ عدلٍ وقانونٍ لا دولةََ ظلمٍ واستبداد.
نحن لبنانيونَ أولاً وشيعةٌ ثانياً، ننتمي الى ثقافةٍ تأبى الظلمَ والإنصياعَ لمستبد، وترفضُ الفتنةَ وهدرَ الدماءِ من أجلِ سلطةٍ غاشمة مهما علا شأنُها، ولا تُسلِّمُ بشرعيّةٍ غيرِ شرعيّةِ الدولةِ ولا بسلطةٍ غير سلطةِ القانون.
نحن لبنانيونَ مواطنونَ أحرارْ نعلنُ أن سلطةَ المحاصَصَةِ الطائفيّةِ قد تجاوزتْ كلَّ الحدودِ، بعدما أطاحتْ بالدستورِ والقوانين وقوَّضتْ الإدارةَ وأنظمَتَها وجيَّرتْها للأزلام والمحاسيب، وعطَّلتِ الحياةَ البرلمانيةَ والمؤسساتِ الدستوريةَ والإستحقاقاتِ الديمقراطيةَ، وسخَّرتْ الوطنَ لأجنداتٍ إقليميةٍ خارجيةٍ، واستباحتْ الأملاكَ والمرافقَ العامةَ والبلدية، وباشرتْ إستحوازَ الثروةِ النفطية وأغرقتِ البلادَ والعبادَ في دينٍ متفاقمٍ سيسترهن المواطنين لأجيالٍ مديدة.
في مراجعة تجربة العقد ونيِّف المنصرمين نرى، أنها حفِلتْ بمحاولاتٍ عديدةٍ عقيمةٍ قامتْ بها أطرافٌ وقوى مختلفةٌ، لعقدِ تسوياتٍ بين منطقِ الدولةِ ولا منطقِ الدويلة، وقد سعتْ هذه القوى جاهدةً لفكّ إرتباطِ أزمةِ الإقليمِ بالواقع اللبناني: فلا النأيُ بالنفسِ، ولا تحييدُ لبنانَ عن النزاعِ الإقليميِّ، ولا الإلتزامُ بقراراتِ الشرعيّةِ الدوليّةِ أثمرتْ، بل إستمر الإصرار والإمعان في أخذ طائفة بمجملها الى “صحراء تيه سياسي وثقافي في خدمة أجندات اقليمة”، وفي الإشتراك في حرب دائرة على قاعدة إنقسام مذهبي سيحرق بلهيبه مستقبلنا.
أيها اللبنانيون
مسؤوليتُكم ومسؤوليتُنا اليوم مضاعفة، فمنذُ ربعِ قرنْ تستمرُّ سلطةُ أحزابٍ بعينها، وتزيدُ من نفوذِها يوماً بعد يوم، ويتدهورُ مستوى معيشتِكُمْ كلَّ يومْ، كلما زادت الأحزاب القابضة على أنفاسِ الطوائفِ مكاسبَها، كلمّا تدنَّى مستوى دخلِكم، وجودةَ تعليمِ أبنائكم، وفعاليةَ تغطيتِكم الصحية وإستشفائكم، وسُدَّت فرصُ العملِ أمامَ شبابكم… المشهدُ اليومَ أنَّ نظامَ الحكم في لبنان معطّلٌ، والدولةُ على مسارِ الفشلِ، والإقتصادَ الوطنيَ إلى إفلاس. وإن المسؤولية في ما آلتْ إليه الأمورُ، تتَشَاركَ فيها جميع القوى، حكماً ومعارضةً، وإن بتفاوت.
من هنا نرى لزاماً علينا التوجهَ إلى أهلِنا أبناءِ الطائفِة الشيعيةِ في لبنان خصوصاً ، وإخوتِنا اللبنانيين عموماً، لنؤكِّدَ أن مسؤوليتَكم ومسؤوليتَنا اليومَ هي التأكيدُ على أن التغييرَ في الساحةِ الشيعيةِ هو أساس مفصلي للتغيير في كل لبنان عبر وضع حد لإحتكار التمثيل الشيعي في السلطة، وتوسيعه لصالح فضاء مدني أرحب. قد يكون مفيداً ومساعداً تجديد النخب السياسية على مستوى الوطن كله، لكن استمرار التمثيل الشيعي على حاله يجعل من كل تقدّم في الساحات الأخرى، جزئيا، قليل الجدوى، ويمكن الإلتفاف عليه ومحاصرته. الإنسداد الوطني لا يمكن إزالته إلا بتغيير حقيقي في البرلمان والسلطة وتلك مسؤولية وطنية وضرورة لبنانية تقع على عاتقنا وعاتقكم، وأن إختيارَنا الحرَّ لممثلينا في الإنتخاباتِ النيابيةِ القادمةِ هوبدايةُ لإصلاح منشود يوقفِ الإنزلاق نحو الهاوية.
أيها اللبنانيون يقعُ على عاتقِنا وعاتِقِكم واجبُ تنكّبِ مشروعِ الإصلاح والشروعِ في مسيرةِ بناءِ الدولةِ الوطنيةِ المرتجاة. فمعركتُنا هي معركةُ لبنانَ كلِّ لبنان.هي معركةُ مستقبلِنا ومستقبلِ أولادِنا وهي تتطلبُ الشجاعةَ والتضحيةَ والعزمَ على خوضِها برغمِ الصِعاب. فلنتكاتفْ جميعاً لإنجازها متحرِّرين من الخوفِ ومتمسكينَ بالحقِ، الذي وحدَه يحررُنا ويحمينا ويحمي وطننا لبنان.