تتعدّد أدوات الجذب بين اثنين، إلّا أنّ الزواج واحد. منهم مَن يتزوّجون بسبب الحب، وآخرون لمصالح مشترَكة، إجتماعية، عائلية واقتصادية، فقد تتزوّجه لثروته الطائلة أو هرباً من القسوة أو ربّما عدم الراحة في المنزل الوالدي، وهو قد يتزوّجها لأخلاقها المناسبة كأم لأولاده. كما يلعب الإنجذاب والجمال والإغواء دوراً هاماً في الإقدام على الزواج الذي قد يصيب أو يخيب. لتقيا للمرّة الأولى خلال نشاط إجتماعي مشترَك، جذبه جمالُها الخارجي وسرعة بديهتها، وشعرت منذ اللحظة الأولى كأنها تعرفه منذ زمن. عشر سنوات مضت على علاقتهما، بوفاق واتّفاق تام، حب، وتفاهم وانسجام، إلّا أنّ كل واحد منهما يقيم في منزله، وإمكانية زواجهما مرتبطة بـ"لا" شديدة اللهجة، إذ تكبره بعشر سنوات.
فارق العمر لم يؤثّر يوماً على نوعية العلاقة بينهما، إلّا أنه مرفوض من جهة الأهل الذين يهدّدونه بقطع العلاقة معه لو أقدم على خطوة الإرتباط الشرعي بها. ما أهمية فارق العمر بموضوع العلاقة والزواج بين الرجل والمرأة؟ هل يكون الزواج في خطر عندما تكبر المرأة الرجل؟ ولماذا يصعب على الأهل والمجتمع تقبّل تلك العلاقة؟
العمر والمرأة
يكبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب زوجته ميلانيا بـ24 عاماً، في حين يصغر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زوجته بريجيت بنفس عدد السنوات، ما دفعه للردّ على الإنتقادات بـ:"لو كنت أكبرها أنا بعشرين عاماً لما كان أحد تحدّث عن الموضوع". وبالإضافة إلى الرئيسَين المذكورَين، هناك تزايد وارتفاع لنسبة الإرتباط الزوجي مع فارقٍ عمري كبير، خصوصاً من جهة المرأة.
تزامن تزايدُ الفارق العمري في الزواج لصالح المرأة مع انخراطها في سوق العمل، وقدرتها على جني المال، وقد تتساوى مع الرجل بما تتقاضاه، كما قد تتخطّاه أحياناً. هذا بالإضافة إلى نجاحها إجتماعياً على صعد عدّة أهمها تحصيل الشهادات العلمية وتبوُّء مراكز إدارية، سياسية مرموقة.
ما تجدر الإشارة إليه هو التغيّر في الأدوار الإجتماعية المتوارثة بين الرجل والمرأة، فبعد أن كان الرجل الصياد، الحامي للعائلة، يجني المال ويؤمّن الغذاء، ها هي المرأة اليوم تقوم بكل ذلك.
وبعد أن كانت تلزم بيتها للعناية بالأولاد، ويقتصر دورها على الحمل والإنجاب والتربية، بالإضافة إلى الإهتمام بشؤون المنزل وتحضير الطعام، نراها تعود اليوم إلى منزلها أحياناً كثيرة في أوقات متأخرة، تساعدها عاملة متخصّصة بشؤون البيت، وقلة مَن يقلقن بشأن تحضير الطعام، مع وفرة المطاعم والوجبات السريعة.
قديماً، كان الأهل يختارون الزوج الأكبر سناً، كي يتمكّن من حماية ابنتهم وتأمين العيش الكريم لها، خصوصاً أنه غالباً ما لم يكن لها يد في اختيار شريك حياتها. فهل لا زالت المرأة بحاجة للتقيّد بهذا الفارق العمري مع زوجها؟
تقبّل الآخر
إنّ فرق العمر في الزواج بين الرجل والمرأة شأنه شأن فروقات كثيرة، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمجتمع المحيط من عائلة وأصدقاء، وليس بالشخصين المعنيّين. فنرى اختلافَ دين الزوجين قد تخطّته مجتمعاتٌ كثيرة، في حين تتجاوب مع ذلك ببطء المجتمعاتُ الأكثر تحفّظاً وتديّناً، ولا يُخفى على أحد رفض تخطّي ذلك في مجتمعات معيّنة، ما يجعله سبباً لمعاناة مَن يقعون في حبّ مَن يختلفون في اعتناقهم لدينهم.
أما الإختلاف بين الطبقات الإجتماعية، الذي يذكّرنا بالإقطاعية، فهو يتلاشى شيئاً فشيئاً، ويأخذ معه قوافل من الأحباب الذين حرم عليهم الإرتباط بسبب رفض المجتمع لذلك. ناهيك عن الفروقات العلمية، الفكرية والثقافية بين المتحابّين.
ما يؤثر في العلاقة الزوجية بين إثنين مختلفين على أساس قواعد السنّ، الدين، المستوى الإجتماعي وغير ذلك، هو ليس فقط تلك الفروقات، بل تدخّل الآخرين في العلاقة الزوجية وسماح الأزواج للغير، أيّاً كان، باستباحة حدودهم الخاصة. فالعلاقة الزوجية تحتاج لترسيم حدود يدخلها الزوجان فقط، بالإضافة إلى تدعيم ثقة الإثنين بالنفس، بالشريك، بالإختيار، واتّخاذ القرار بالإلتزام بهذا الإختيار.
تمتلئ خزائن المحاكم الروحية بملفات الطلاق في لبنان، لكن كم تبلغ نسبةُ أصحاب تلك الملفات الذين بلغوا تلك المرحلة بسبب الفروقات التي ذكرنا؟ فمراعاة القواعد الإجتماعية لا تؤمّن نجاح العلاقة الزوجية وضمان إستمراريّتها، بل هو النضوج والوعي وتقبّل الآخر...