لا يزال الغموض يسيطر على الغارة التي استهدفت موقعاً لحزب الله في حميمة بريف حمص الشرقي. سارع التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش بقيادة الولايات المتحدة الأميركية إلى نفي استهداف أي موقع لحزب الله، أو شنّ أي ضربة ضده. ما زاد الشكوك والتفاصيل ولم يكشف كامل ملابسات الحادثة. إذ هناك من يعتبر أن ثمة غموضاً متعمّداً من جانب مختلف الأطراف إزاء ما حصل، ولا يزال الاستهداف الأميركي قائماً، بأن تكون واشنطن هي من استهدف موقع الحزب، من خارج التحالف الدولي. فيما هناك من يتحدّث عن أن الغارة روسية وقد حصلت من طريق الخطأ. كما أنه لا يمكن إغفال العامل الإسرائيلي، الذي قد يكون استغلّ اشتعال الجبهات في البادية السورية، واستفحال التنافس والقتال هناك، ووجّه الضربة إلى الحزب.

عزز حزب الله من خلال تعامله مع الحدث، الغموض بشأن الموضوع. فعادة، كان الحزب يسارع إلى إصدار توضيح بشأن ما يجرى، ويعلن الجهة المستهدِفة، مع الاحتفاظ بحق الردّ. وسابقاً، حصل أن استهدف سلاح الجو الروسي قوات للحزب والجيش السوري في حلب مثلاً، وحينها قيل إنها من طريق الخطأ، وإنه تمت معالجة الموضوع. أما في هذه الغارة فلم يعلن الحزب أن الغارة روسية، أو أنها حصلت من طريق الخطأ. بل تم تسريب ذلك، عبر بعض وسائل الإعلام. وذلك لم يكن كافياً لتوضيح ملابسات القضية.

ويبدو أن الإصابات التي حققتها هذه الغارة كانت مباشرة، إذ أدت إلى سقوط كثير من القتلى والجرحى. حتى أن المعلومات تتحدّث عن سقوط ثلاثين قتيلاً لحزب الله، مقابل الإشارة إلى أن الثلاثين قتيلاً ليسوا جميعاً من الحزب، بل من القوات الداعمة للجيش السوري، من دون توضيح جنسياتهم. فيما الأكيد أن عدد قتلى الحزب، يتخطى الثمانية، وفق المعلومات الأولية.

لا يقاس هذا النوع من الهجمات أو الضربات، بحجم الخسائر التي أدت إليها، بل في الظروف التي فرضت حصول الضربة، والأسباب التي دفعت إلى توجيهها، والرسائل المراد إيصالها. لذلك، تكمن أهمية معرفة الجهة التي نفّذت هذه الغارة. ولا شك أن تكون الغارة قد حصلت من طريق الخطأ، لهو أهون من أن تكون متعمّدة. وأن تكون روسية أفضل من أن تكون أميركية. لأن أي ضربة أميركية، ستلزم حزب الله بواجب الردّ سريعاً، خصوصاً أنه تعوّد الرد على استهداف عناصره وقيادات منه بشكل فوري. ولم يحدث أن أجّل الرد على هكذا عمليات. كما كان يحتفظ بحق الرد ويؤجله في التعاطي مع استهداف موقع أو قافلة سلاح. وفي حال كانت الضربة أميركية أو إسرائيلية، يعني أن قواعد الصراع تتغير، خصوصاً أن الغارة تأتي بعد ساعات على كلام السيد حسن نصرالله، الذي توجه به إلى الإسرائيليين، داعياً إياهم إلى وجوب مغادرة مستوطناتهم، لأن الحرب المقبلة ستكون قاسية عليهم، كما توجه إليهم بضرورة الضغط على حكومتهم وقيادتهم لعدم شنّ حرب، لأنها لا تفقه تداعياتها ولا تتوقع نتائجها.

قد تكون الضربة الأكبر التي يتعرض لها حزب الله، منذ دخوله الحرب السورية. لكن الأكبر من نتائجها، هو غموضها وتداعياتها. فإذا كانت الغارة إسرائيلية أو أميركية، يعني أن الأمور ذاهبة إلى مزيد من التحول. أما إذا كانت روسية، فستختلف التقديرات بشأنها، إذا ما كانت خاطئة أم متعمّدة. فإذا ما كانت خاطئة، كما تتحدث بعض المصادر، فهذا يعني أن هناك سوء تنسيق بين الحلفاء على الأرض وفي الجو. ما يحتّم إعادة بعض الحسابات. أما إذا كانت متعمّدة، فهناك من يعتبر أن تداعياتها ستكون أخطر من أن تكون الجهة المنفّذة معادية للحزب. ويستبعد هؤلاء أن تحصل غارة بهذا الحجم الدقيق والمركّز من طريق الخطأ.

ولا شك أن اللغارة تأتي في ظل ظروف وتحولات كبرى يمرّ فيها الشرق السوري وتحديداً ما بين الحدود العراقية والبادية وصولاً إلى حمص، خصوصاً أن هذه المنطقة تتحول إلى ميدان للتصارع الدولي، للسيطرة على معابر أساسية، ومساحات شاسعة غنّية بالنفط. وأكثر من ذلك، فإن الغارة، تأتي بعد خلط للأوراق شهدته تلك المنطقة، في ظل الاختلافات الروسية الأميركية، وربما الروسية الإيرانية، التي كان نتيجتها، مقتل عسكريين روس من بينهم ضابط كبير. بالإضافة إلى ما أعلنه تنظيم داعش عن أسر جنديين روسيين. كذلك، فإن توقيت الغارة يتزامن، مع زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى روسيا، لبحث التطورات في المنطقة، ومن بينها إيجاد حلّ للازمة السورية، ربطاً بالموقف السعودي والأميركي المتشدد بوجوب تحجيم نفوذ إيران في سوريا. ولا تخفي بعض المصادر أن الرياض تراهن على الدور الروسي لتحجيم نفوذ طهران في سوريا. وهذا الرهان يبنى على الكلام الذي يشير إلى توافق أميركي روسي بشأن رؤية الحلّ للازمة السورية.