مثّل استطلاع لآراء القطريين نشره معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى صدمة للسلطات القطرية، لما كشف عنه من تصادم شديد بين ما يؤمن به المواطن القطري وبين الموقف الرسمي خاصة ما تعلق بالانفتاح على إيران وإيواء جماعة الإخوان المسلمين، وكلاهما سبب في الأزمة العميقة مع السعودية التي يطالب أغلبية المستجوبين بتقديم تنازلات للتوصل فيها إلى حل وسط.
وأجري الاستفتاء في أغسطس 2017 على يد شركة أبحاث في السوق العربية تتمتع بعقود من الخبرة في مجال مجتمعات الخليج العربي.
وعبر أكثر من نصف المستجوبين القطريين (56 بالمئة) عن معارضتهم دعم السلطات لجماعة الإخوان وإيواء قيادات هاربة من أحكام قضائية في بلدانها الأصلية، فضلا عن توظيف هذه الجماعات وجماعات أخرى متشددة لابتزاز دول الجوار أو البحث عن دور إقليمي من بوابة تمويل الإرهاب.
وقال متابعون للشأن القطري إن هذه النتائج المثيرة ستجعل التنظيم الدولي للإخوان، الذي يتخذ من الدوحة مقرا لقيادات بارزة فيه ويعتبرها بمثابة قاعدة ارتكاز لأنشطته، يعيد حساباته حول وضعه ما بعد التغيير الذي يبدو أنه صار مطلبا شعبيا وليس فقط مطلبا بين النخبة القطرية وأعضاء بارزين في الأسرة الحاكمة.
واعترض القطريون بشدة، وبفارق يتراوح بين 79 إلى 16 بالمئة، على سياسات إيران في المنطقة على الرغم من الحظوة التي تتمتع بها لدى السلطات القطرية، والتي كان آخر مظاهرها استقبال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، فضلا عن وصف أحد مسؤولي الخارجية القطرية لإيران بكونها “دولة شريفة” في تبرئة لها من التدخلات في شؤون دول الخليج، وتحريك مجموعات تابعة لها مذهبيا وماليا لتخريب الأمن في دول مثل البحرين واليمن.
واستقبل الشيخ تميم وزير الخارجية الإيراني في الدوحة الثلاثاء. وقالت وكالة الأنباء القطرية الرسمية إنه “جرى خلال المقابلة استعراض علاقات التعاون بين البلدين في مختلف المجالات إضافة إلى تبادل وجهات النظر حول الأوضاع الراهنة في المنطقة، بما فيها الأحداث الجارية”.
وفي خلاف تام مع الحفاوة القطرية بظريف، قال 53 بالمئة من المستجوبين إن أهم قضية الآن هي التوصل إلى أقصى قدر من التعاون العربي ضد إيران.
ومن الواضح أن المزاج العام في قطر يتماشى مع مواقف دول مجلس التعاون الخليجي، ومع قرارات قمم الرياض الثلاث التي حضرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وشارك فيها الشيخ تميم، وصدر عنها بيان ملزم بضرورة بناء تحالف إسلامي أميركي لمواجهة التمدد الإيراني.
ولا تزيد زيارة وزير الخارجية الإيراني واستقباله على أعلى مستوى في الدوحة سوى من إثارة الغضب الشعبي، خاصة أنها تؤثر سلبا على وضع قطر في الخلاف مع الرباعي العربي.
وقال الباحث السعودي سلمان الأنصاري إن طهران ليست في موقف يسمح لها بإحداث أي تأثير في الأزمة القطرية سوى أنها تزيد من انغماسهما معا أكثر في سلبيات هذه الأزمة.
وكشفت نتائج الاستفتاء عن شبه إجماع في الشارع القطري ضد أنشطة الوكلاء الإقليميين لإيران، وخاصة حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، حيث أعلن 90 بالمئة من المستجوبين رفضهم لأنشطتهما في لبنان وسوريا واليمن، وهو ما يتناقض تماما مع مواقف قطر التي تدعم الجماعتين وتقيم معهما علاقات مثيرة للتساؤل خاصة في ضوء الدور الذي تلعبانه لتخريب الأمن القومي لدول عربية مختلفة.
وفي ضوء توجه عام معاد لقطر وجماعة الإخوان، أعلن 81 بالمئة من المستجوبين أنهم يؤيدون التوصل إلى حل وسط تقدم فيه كل الأطراف بعض التنازلات بمن في ذلك السلطات القطرية.
وتمثل التركيبة الديموغرافية لعيّنة المشاركين أيضا مجموع السكان البالغين من الشعب القطري: 60 بالمئة منهم تحت سن الخامسة والثلاثين؛ حيث يقيم نصفهم في العاصمة الدوحة، ويقيم ربع عددهم في الريان المجاور، والربع الآخر في أماكن أخرى من البلاد؛ كما أن 90 بالمئة من المصوتين كانوا من المسلمين السنة و10 بالمئة فقط من الشيعة، وخُمس المصوتين فقط كانوا من طلبة الجامعات.
واعتبر ديفيد بولوك، المستشار البارز السابق بالخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، أن “ما هو حتمي هنا أن قطر ليست دولة ديمقراطية، لذلك فإن الرأي العام هناك له تأثير غير مباشر على تشكيل السياسة العامة. لذلك يجب على الأسرة المالكة أيضا توجيه بعض الاهتمام لرد الفعل الشعبي”.
وقال بولوك إن نتائج هذا الاستبيان تشير إلى أنه “يتعين على الأمير من أجل الحفاظ على شعبيته، أن يبذل جهودا لا بأس بها للوقوف على أرض محايدة والبحث عن حل وسط يستطيع من خلاله بحث سبل التوصل إلى حل أزمة قطر الحالية مع الدول العربية الأخرى”.
وأضاف “يبدو أن قبول الابتعاد عن إيران وجماعة الإخوان المسلمين، هو الحل الأمثل لقطر”.
ويرى مراقبون خليجيون أن نتائج الاستطلاع سيكون لها تأثير كبير على الشيخ تميم لأنها ستعطي مشروعية لمواقف الشيخ عبدالله بن علي آل ثاني، والشيخ سلطان بن سحيم، ولمؤتمر المعارضة الذي عقد منتصف سبتمبر في لندن، وهو ما يجعل الأمير أمام امتحان صعب لاسترضاء رأي عام شعبي داعم لعمقه الخليجي ومعارض لاستبدال هذا العمق بعلاقة مثيرة للمخاوف مع إيران، فضلا عن إيواء تنظيمات متشددة يمكن أن تنقلب على قطر نفسها في أي لحظة.