في ظلّ أجواء التفاهم المظلِّلة كلَّ المقرّات الرئاسية، يُنتظَر أن يشهد النصف الأوّل من تشرين الأوّل الجاري، مزيداً من الترجمة الإيجابية لهذا التفاهم، سواء في الجلسة التي سيَعقدها مجلس الوزراء بعد غدٍ الجمعة في السراي الحكومي، أو في الجلسة التشريعية التي ستُعقد الإثنين المقبل لإقرار المشاريع الضريبية، أو في جلسة مناقشة الموازنة العامة للدولة وإقرارها التي ستُعقد خلال النصف الثاني من الجاري وبعد عودة رئيس الحكومة سعد الحريري من زيارة الفاتيكان.
وفي هذا الإطار، علمت «الجمهورية» أنّ الحريري يستعدّ لزيارة دولة الفاتيكان خلال النصف الاوّل من الشهر الجاري للقاء البابا فرنسيس. وقالت مصادر معنية لـ«الجمهورية»: «إنّ هذه الزيارة تنطوي على اهمّية كبرى في هذه المرحلة، خصوصاً أنّها تشكّل أولى الزيارات لمسؤول عربي مسلِم الى الكرسي الرسولي، في وقتٍ يَشهد العالم توتّرات على غير صعيد، في ظلّ تنامي التيارات المتشدّدة».

واعتبَرت أنّ الحريري «يكرّس من خلال هذه الزيارة انّه يمثّل الاعتدالَ الذي ينبغي ان يسود على مساحة الكرة الارضية، إذ إنه يرفض كلّ الأطر والتجمّعات المتطرفة الى أيّ جهةٍ انتمت».

وأكّدت أنّ لبنان سيكون بنداً أساساً في اجندة الحريري حيث سيركّزعلى تقديم الصورة اللبنانية التي تعكس نموذج الحوار والتلاقي والعيش الواحد مع كلّ المكوّنات والديانات، وأنّه واحة حوارٍ وتلاقٍ وليس مساحةَ حروب ونزاعات، مع تأكيد التمسّك بهذه الصيغة ووجوب تعميمها».

وكان السفير البابوي المونسنيور غبريال كاتشيا قد زار كلاً من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، مودعاً بعد إنتهاء مهامه في لبنان.

أولويات المرحلة

وفي غضون ذلك، يبدو أنّ ملف إعادة النازحين السوريين الى بلادهم سيشكّل اولوية اولوياتِ المرحلة الراهنة في ظلّ توافرِ معلومات لـ«الجمهورية» عن انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عازمٌ في القريب العاجل على وضعِ ملفّ إعادتهم الى سوريا على سكّة التنفيذ، نتيجة المعطيات التي توافرَت للدولة اللبنانية عن وجود مناطق كبيرة آمنة داخل سوريا تستطيع ان تستقبل هؤلاء النازحين، خصوصاً انّ الدولة اللبنانية لم تتلقَّ ايّ ردّ سلبي من الدولة السورية حيال استعدادها لاستقبال مواطنيها العائدين الى ديارهم. وعُلم ايضاً انّ الدولة اللبنانية الحريصة كذلك على أمن النازحين، لن تجبرَ أيّ نازح يشعر بخطر أمني بالعودة في الوقت الحاضر.

ويُنتظَر ان يُعقد اجتماع تقويمي لهذا الملف لتحديد خيارات تنفيذية عدة تُوفّق بين أمن لبنان الذي يمرّ بإعادة النازحين، وأمن النازحين الذي يمرّ بضماناتٍ يقدّمها النظام السوري للّذين يذهبون الى مناطق النظام، ومن المعارضة المعتدلة للّذين سيذهبون الى المناطق المعتدلة.

وفي المعلومات، سيعرض لبنان هذه الخيارات على ممثّلي الدول الكبرى والامم المتحدة من اجل ان ترعى هذه العودة وتشاركَ في تأمين مستلزماتها المالية والاجتماعية والصحّية. ويَعمل رئيس الجمهورية على استمزاج رأي الاطراف اللبنانية لئلّا يصبحَ موضوع النازحين محورَ خلافٍ لبناني، في وقتٍ لبنانُ ليس في حاجة الى ملفّ خلافي جديد.

وفي هذا الإطار، قد تتولى الدولة اللبنانية عبر رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية ووزارة الشؤون الاجتماعية وأحد الاجهزة الامنية، مسؤولية تنسيقِ مشروع إعادة النازحين الى سوريا في مرحلة قريبة.

وذكرَت المعلومات أنّ هذا التصميم اللبناني يأتي في وقتٍ اكّدت التقارير الامنية والمخابراتية خطورةَ استمرار النازحين السوريين على الاراضي اللبنانية، خصوصاً على النحو الذي ينتشرون فيه، وستستفيد الدولة من الأحداث الامنية الاخيرة التي حصَلت في بعض المناطق اللبنانية بغية تسريع هذه العودة ووضعِ المجتمع الدولي امام مسؤولياته، فلا يجد في كلّ مرّة ذرائعَ واهية تؤخّرعودةَ النازحين وتُسرّع التوطين.

وكان قد سبقَ لرئيس الجمهورية ان عرَض في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة المعطياتِ المتعلقة بواقع النازحين بالأرقام والإحصاءات، خصوصاً بالنسبة للجرائم المرتكَبة.

وأكّد مصدر رسمي يواكب ملفّ النازحين أنّ الدولة اللبنانية يَهمّها ان تخلقَ واقعاً جديداً لهذا الموضوع قبل انعقاد المؤتمر الاستثماري الذي وعَد به الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أثناء زيارة الرئيس عون الاسبوع الماضي الى باريس.

وفي السياق، دعا تكتّل «التغيير والإصلاح» الحكومة الى البحث في ورقة وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل لمعالجة ملفّ النازحين السوريين، مؤكّداً «أنّ لبنان يلتزم القوانين وحقوقَ الانسان، وهذه الورقة تحترم المواثيقَ الدولية».

الجرّاح

وسط هذا المشهد، ظلّ حديث الامين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله والرسائل السياسية التي وجّهها الى الداخل والخارج محورَ المتابعة والاهتمام، خصوصاً بعد تحذيره من «محاولة الدفع بلبنان في مواجهات داخلية وإقليمية جديدة، خصوصاً من جانب السعودية».

وفي ظلّ تخوّفِ البعض من اتّجاهٍ لدفع الساحة اللبنانية الى المواجهة، قال أحد وزراء تيار «المستقبل» جمال الجرّاح لـ«الجمهورية»: «إنّ من يحاول ان يؤشّر الى انّ اللقاءات التي تعقدها السعودية مع قيادات لبنانية هي نذير إرباك او توتّر في البلاد لا يدرك في الحقيقة تاريخَ علاقة المملكة مع لبنان، وهي علاقات ودّية ومساعدة دائماً، وهمُّها الاساس هو استقراره ورخاؤه وتقدّمُه وليس ايّ شيء آخر.

ويدرك الجميع مساهمات المملكة، فهي وقفَت الى جانبنا في إعمار لبنان وبعد عدوان تمّوز 2006 لكن ويا للأسف قابلها البعض بالتهجّم عليها وشتمِها وتشويهِ صورتها.

واللقاءات التي تعقدها اليوم مع مسؤولين لبنانيين ليست بأمرٍ غريب عليها، فهي تستضيف دائماً مسؤولين لبنانيين ولطالما سَعت للوفاق بين الاطراف اللبنانية ولمساعدة لبنان. ومحاولة الإيحاء بأنّها تسعى الى إرباك الساحة الداخلية هي محاولة في غير مكانها.

فاليوم هناك توافُق حول ملفات سياسية واقتصادية وإنمائية عدة، والخلاف سياسي حول مواضيع اخرى موجود، وقد اعرَبنا عنه وصرَّحنا به وقلنا إنّ هناك قضايا خلافية ويوجد خلاف عميق في وجهات النظر، ولا نزال على موقفنا، سواء من النظام السوري او من تدخّل «حزب الله» في سوريا او من موضوع السلاح غير الشرعي.

ولم يتبدّل شيء في الموضوع، وبالتالي فلنَنظُر الى تاريخ السعودية وإلى مقاربتها للاوضاع في لبنان، فهي لم تكن مرّة إلّا مع استقراره ورخائه والوقوف الى جانبه».

وإذ اعتبَر الجرّاح «أنّ هناك محاولة في الإعلام لتكبير الصورة والإيحاء بما حاولوا أن يوحوا به من توتّرٍ آتٍ»، أكّد أنّ زيارات الحريري الى المملكة من فترة الى اخرى «هي زيارات طبيعية».

طلب حكومي مريب؟

على صعيدٍ آخر، وعقِب التوافق السياسي الذي أفرَج عن سلسلة الرتب والرواتب، بالتزامن مع تعديل قانون الضرائب، مع الأخذ في الاعتبار بتعديلات المجلس الدستوري، وإعادته إلى المجلس النيابي لإقراره، عاد كباش السلسلة ليَظهر مجدّداً، بعدما طلبَت الحكومة أمس تأخيرَ تنفيذ هذه السلسلة عبر إرسالها الى مجلس النواب مشروع قانون يطلب فيه الإجازةَ لها تأخيرَ تنفيذ القانون 46 المتعلق بالسلسلة حتى إقرار الضرائب.

وقد أثارت خطوة الحكومة هذه القلقَ وعلامات الاستفهام عمّا إذا كانت الامور ستعود الى المربّع الاوّل، على الرغم من انّ هذه الخطوة كانت مقرَّرة ومتفَق عليها في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة.

وقد قلّلَ وزير الشباب والرياضة محمد فنيش من أهمية الطلب الحكومي، وقال لـ«الجمهورية» أنْ «لا خلفية معيّنة لهذا الطلب، وهو يأتي انطلاقاً من صلاحية الحكومة في اتّخاذ الإجراءات اللازمة، خشيةً من أن يتسبّب دفع المستحقّات الناتجة عن السلسلة في غياب الإيرادات بانعكاسات مالية ترتدّ على المداخيل والقدرة الشرائية للمواطنين».

وعن المواد المعدَّلة في مشروع القانون الجديد، أكّد فنيش «أنّ المشروع بقيَ على حاله، وتمّ فقط تعديل الصياغات بناءً على مطالعة المجلس الدستوري».

وعمّا إذا كان المجلس النيابي سيناقش هذه الملفات هذا الاسبوع، قال فنيش: الكرة اصبَحت في ملعب المجلس النيابي والقرارُ يعود الى رئيس المجلس».

آلان عون

وقال النائب آلان عون لـ«الجمهورية» إنّ «الاتفاق الذي حصل في الحكومة حول السلسلة وقانون الإيرادات الخاصة بها ليس بمثابة مناوَرة، بل تطلّبَ تنازلات قدّمها الجميع، وخصوصاً تكتّل «الإصلاح والتغيير» بغية إيجاد حلّ موضوعي وعملي في ظلّ التعقيدات الكبيرة التي حاصرت السلسلة والموازنة وقطع الحساب، ونحن ملتزمون هذا الاتفاق وسنَعمل على ترجمته في مجلس النواب، والرئيس بري يُجري المشاورات اللازمة تحضيراً للجلسة النيابية التي سيَدعو إليها وسيتضمّن جدول أعمالها قانونَ الإيرادات والموازنة العامة».

«الكتائب»

مِن جهته، رفضَ حزب الكتائب «إعادةَ فرضِ الضرائب على ذوي الدخل المحدود، بدلاً من السعي الجدّي لوقفِ الصفقات ومزاريب الهدر والفساد». ودعا إلى «إقرار موازنةٍ وفقاً للدستور، متضمّنة كلَّ الإصلاحات المطلوبة لوقفِ الهدر المالي وضبطِ الإنفاق العام».

إستياء نقابي عمّالي

وفي المقابل، أثارت خطوة الحكومة استياءَ «هيئة التنسيق» النقابية والاتحاد العمالي العام. وقال رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي نزيه جباوي لـ«الجمهورية»: «لقد سبقَ للهيئة أن حذّرت من انّ هذه السلسلة يجب ان تكون لكلّ الاشهر وليس لشهر واحد فقط، وما يَحصل اليوم هو محاولة ربطِ تنفيذ السلسلة بموضوع الضرائب، واستمرار الجدل حول ما إذا كانت هناك سلسلة أم لا، وهو أمرٌ نرفضه كلّياً، وسيؤدي للعودة إلى الشارع».

بدوره، استنكرَ الاتحاد العمالي العام خطوةَ الحكومة واعتبَر أنّها «تُحضّر لمكيدة تدلّ الى أنّ القيّمين على شؤون الناس يَفتقدون الى أدنى المقوّمات المطلوبة لرعاية شؤون البلاد».

ودعا الاتّحاد بعد التشاور مع هيئة التنسيق جميعَ العمّال والموظفين والأساتذة إلى «الجهوزية التامة للتحرّك اللازم بدءاً من الإضراب العام والشامل»، محذّراً الحكومة من «المضيّ في أمرٍ كهذا».

الموازنة

وعشيّة تسلّمِ رئيس مجلس النواب نبيه بري اليوم من رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان تقريرَ لجنة المال بعد إنهاء درس وإقرار مشروع موازنة 2017، اعلنَ وزير المال علي حسن خليل انّ بري «سيدعو الاسبوع المقبل الى جلسة لإقرار الموازنة لِما فيه إعادةُ انتظام عمل المؤسسات والدفع باتّجاه المحاسبة والمراقبة».

وفي هذا السياق شدّدت كتلة «المستقبل» على أهمّية إحالة الموازنة الى مجلس النواب، آملةً في أن يؤدّي إقرارها فيه إلى إعادة الانتظام المالي للدولة اللبنانية و«تحريك عجَلة الاقتصاد بغية استعادةِ النموّ المستدام الذي أصيبَ بتراجعٍ خطير منذ العام 2011، ولم تتعدَّ نِسَبُهُ الواحد في المئة سَنوياً خلال الأعوام الستّة الماضية».

التشكيلات القضائية

من جهةٍ ثانية، علمت «الجمهورية» أنّ التفاهم على الصيغة النهائية للتشكيلات القضائية أنجِز في وقتٍ متأخّر من ليل أمس خلال اجتماع لمجلس القضاء الأعلى، وتمّت تسوية بعض الإشكالات التي أخّرت وضعَ اللمسات الأخيرة.

وأفادت معلومات أنّ اتّصالات جرت في ساعة متأخّرة من ليل أمس وعالجَت بعض الملاحظات، ومنها تلك التي كانت لرئيسَي مجلس النواب والحكومة.

وسيوقّع وزير العدل صباح اليوم هذه التشكيلات ويَرفعها الى الوزراء المختصين، ومنهم وزير الدفاع، لوجود قضاة عسكريين في مشروع المناقلات، قبل أن تُرفع الى وزير المال فرئيس الحكومة لتوقيعِها وإحالتها في آخِر الخطوات المقرّرة الى رئيس الجمهورية ليوقّعَها بدوره تمهيداً لإصدارها مساء اليوم.

وتردَّدت مساءً أسماء بعض القضاة الذين شملتهم التشكيلات، وأبرزُهم:

القاضي سهيل عبود رئيساً أوّل في بيروت، القاضية غادة عون مدّعي عام جبل لبنان، القاضي بيتر جرمانوس مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، القاضي رولان شرتوني معاون مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، القاضي منير بركات مدّعي عام البقاع، القاضي داني شرابيه رئيس محكمة جنايات البقاع، القاضي صقر صقر رئيس محكمة التمييز في المحكمة العسكرية، القاضي سامر غانم محامي عام جبل لبنان، القاضي سامي صادر محامياً عاماً في جبل لبنان، القاضي طانيوس صغبيني محامياً عاماً في جبل لبنان.