قبل أيام قليلة سقط نحو 24 عنصرًا من حزب الله في البادية السورية في هجوم مباغت شنه تنظيم داعش، وإضافة إلى هذا العدد سقط نحو مئة عنصر من الجيش السوري فضلا عن عشرات العناصر الإيرانية والعراقية، وبحسب المعلومات المسربة من عناصر حزب الله فإن العملية تمت فجرا حيث استغل عناصر داعش الضباب المخيم في الصحراء وشنوا هجوما على عدة مجمعات للجيش السوري وحلفائه وأعملوا قتلا بعدما فجروا أكثر من عربة انتحارية كانت مقدمة للهجوم المباغت.
هذه العملية العسكرية تظهر من ناحية الشكل أنّ تنظيم داعش لا يزال قادرا على المبادرة، لا سيما أنّ المعلومات تشير إلى أنّ الذين شنوا الهجوم وأبادوا عناصر الجيش السوري وحلفائه، كانت أعدادهم بالمئات وليسوا مجرد مجموعة تعد بالعشرات أو أقل من ذلك. وهذا ما جعل المراقبين يطرحون تساؤلات حول ما يقال عن نهاية هذا التنظيم في سوريا في ظل انكفاء التنظيم والحديث عن نهاية سيطرته الجغرافية كاملة في سوريا، بعدما انتهت سيطرته بشكل شبه كامل على الأراضي العراقية.
العملية الأخيرة التي نفذها تنظيم داعش في البادية السورية وفي منطقة السخنة في ريف حمص، تمت بعد الصفقة الشهيرة التي أنجزها تنظيم حزب الله مع التنظيم، وأدت إلى إخراج مئات من عناصر الأخير من مناطق حدودية لبنانية باتجاه الحدود العراقية السورية وإلى منطقة دير الزور قبل شهر، وأثارت هذه العملية ولا تزال تساؤلات حول العلاقة التي تربط الطرفين لا سيما أنّ الجيش اللبناني كان على وشك تحقيق انتصار كامل على داعش في لبنان، وساهمت الصفقة المذكورة في طي الكثير من المعلومات الكفيلة بكشف خبايا دور هذا التنظيم في لبنان والجهات المشغلة له، خصوصا أنّ العديد من القوى والمراقبين يؤكدون أنّ الوظيفة الأساسية لهذا التنظيم منذ نشأته في سوريا حتى اليوم كانت إنهاء المكونات المدنية للمعارضة السورية ولا سيما الجيش السوري الحر والتنسيقيات من جهة، ومحاولة شيطنة الثورة السورية وتبييض صفحة النظام السوري وتبرير التدخلات الإيرانية والروسية لإنقاذ النظام الذي كان على وشك السقوط لولا التدخل الروسي كما قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، من جهة أخرى.
في مثل هذه الأيام وقبل عامين بدأ التدخل العسكري الروسي، حيث كان نظام الأسد وحلفاؤه يسيطرون على نحو 15 بالمئة من الأراضي السورية، وساهم إطلاق يد الروس والإيرانيين من دون أيّ اعتراض دولي يعتد به، في تبرير أضخم عملية تدمير وإبادة للعديد من المدن ومناطق المعارضة السورية، ترافقت مع عملية تهجير جديدة لكل البيئات السورية الحاضنة للمعارضة، بدءا من حلب وريف دمشق في داريا، وعشرات المراكز السكنية وتمّ تجميع معظمهم في إدلب.
السيطرة الروسية الجوية والتمدد الإيراني البري حظيا بغطاء أميركي، كانت بدايته في تفاهم أميركي-روسي أنجز في نهاية عهد الرئيس السابق باراك أوباما، ولم ينقلب عليه الرئيس الأميركي الجديد الذي بدا مباركا له، لا سيما أن اتفاقية هامبورغ بشأن مناطق منخفضة التوتر بين واشنطن وموسكو جاءت لتبني على الاتفاق السابق ولا تلغيه.
الهدف من كل هذه الترتيبات هو القضاء على الإرهاب في سوريا، والإرهاب كان يستثني النظام السوري من التعريف الدولي له، رغم أنّ كل التقارير الدولية تؤكد أنّ الإجرام الذي استخدمه النظام السوري ضد شعبه لم ينجح داعش ولا جبهة النصرة في ملامسته، فضلا عن أن هذه التقارير نفسها تؤكد أن النظام السوري استخدم السلاح الكيماوي في أكثر من منطقة ضد المدنيين خاصة في الغوطة الشرقية المحاذية لدمشق وفي خان شيخون مطلع هذا العام، لكن كل هذه الجرائم لم تغير من الموقف الدولي والإقليمي، فالهدف إنهاء الإرهاب وليس مسبباته في سوريا، وترافق هذا الهدف مع العديد من المعلومات والمؤشرات التي أظهرت أنّ تنظيم داعش الذي أخذ على عاتقه منذ ثلاث سنوات ضرب المعارضة السورية وعدم الاصطدام بمقاتلي النظام ولا بحلفائه الإيرانيين وميليشياتهم، لم يكن بعيدا عن الإدارة الإيرانية والسورية له.
لا شك أنّ مقاتلي هذا التنظيم خرجوا من بيئات تشعر بالمظلومية ولكن لا يمكن النظر إلى قيادات هذا التنظيم باعتبارها خارج عملية التنسيق مع أكثر من جهة إقليمية ودولية، فهذا التنظيم بنى علاقات تجارية في الحد الأدنى مع تركيا ومع النظام السوري، سواء على مستوى بيع النفط الخام أو على مستوى إطلاق سراح الآلاف من المسجونين في سوريا أو في العراق في عهد نوري المالكي، انتقلوا مباشرة من السجون إلى صفوف تنظيم داعش، ونجح النظام السوري والقيادة الإيرانية إلى حد بعيد في استثمار هذا التنظيم باعتباره الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تخلق شيطانا جديدا يجعل الدول الغربية تعيد النظر في النظام السوري عبر إعادة الاعتبار لدوره في سوريا، انطلاقا من أن الشيطان الداعشي هو الأشد خطرا من شياطين الأسد، ولو كان الأسد وحلفاؤه قد حصدوا مئات الآلاف من أرواح السوريين من دون أن يرف لهم جفن.
الأرجح حسب المعلومات المتداولة من أكثر من مصدر، أن سوريا اليوم أمام معطى جديد أو متجدد لإعادة رسم دور هذا التنظيم، وهذا التنظيم الذي بات أكثر من أي وقت مضى بين خيار الانحسار النهائي من الجغرافيا السورية والعراقية، وبين صراع أجهزة استخبارية إقليمية ودولية في داخله وعبر مفاتيحه القيادية، هذه المفاتيح سواء في العراق أو سوريا، تتقاسمها عدة جهات إقليمية ودولية.
صفقة حزب الله الأخيرة مع هذا التنظيم أظهرت أن الخيوط مع هذا التنظيم متصلة خصوصا بعدما أصر حزب الله على نقل مقاتليه أحياء وبسلاحهم إلى العراق، رغم احتجاج الحكومة العراقية ورفضها لهذا السلوك، والاستثمار في هذا التنظيم ليس جديدا فإيران والنظام السوري كانا من أوائل من موّل وسلّح مقاتلي تنظيم القاعدة خلال الاحتلال الأميركي للعراق، وهذا ما تؤكده التقارير الأمنية العراقية والأميركية، وكان رئيس الحكومة العراقية السابق نوري المالكي أول من صرح به رسميا وقام بتقديم شكوى ضد سوريا في هذا الشأن.
العملية الأخيرة التي استهدفت تجمعات للجيش السوري والميليشيات الإيرانية لا يمكن حسب الخبراء أن تتم بهذا الشكل من دون أن تكون هناك معونة ما توفرت لهذا التنظيم. فالعملية اقتضت انتقال عناصر التنظيم إلى مسافة تتجاوز سبعين كلم على الأقل للوصول إلى الهدف، وانتقال أعداد تجاوزت مئة عنصر في الحد الأدنى يصعب أن يتم من دون أن تكشفه الطائرات الروسية التي يفترض أنها منهمكة في ملاحقة هذا التنظيم ومقاتليه.
وبالتالي فإن هذه العملية التي انتهت ولم يلها أي رد فعل كأن تتم ملاحقة من نفذها جوا أو برا تزيد من فرضية أن جهة ما دولية أو إقليمية ساعدت على تنفيذها.
قبل عامين قال جون كيري وزير الخارجية الأميركي السابق، إننا لا نستهدف حزب الله في سوريا لأنّه لا يهدد المصالح الأميركية، في المقابل قال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله الأحد الماضي في رده على سقوط نحو 25 من مقاتليه إنه لن يتوانى عن إرسال جنوده إلى سوريا لمواجهة داعش في سوريا وفي أيّ مكان، وسيقدم أرواح مقاتليه في سبيل تحقيق هذا الهدف، وهذا ما يلبي حاجات دولية بالدرجة الأولى.
فخلاصة ست سنوات من الأزمة السورية هو أنّ السيطرة الأميركية والروسية هي الخيمة التي يبدو أن اللاعبين الصغار محكومون بمواجهة بعضهم البعض من دون التجرؤ على المس بجندي أميركي أو إسرائيلي.
القتل يجب أن يقتصر على السوريين وخصومهم سواء كان المسمى داعش أو حزب الله أو نظام الأسد أو من القومية الكردية، على الرغم من الإدعاءات الإسلاموية الفارغة بمواجهة الغرب والمشروع الصهيوني التي باتت لشدة تكرارها المقيت عبارات فارغة إلا من دم السوريين.