بدأ الضرب من تحت الزنّار، وستزداد الضربات كلّما اقترب موعد الانتخابات النيابية. لم يمرّ عهد أو تسوية على لبنان، لجأ أركانها أو الشركاء فيها إلى نشر غسيل بعضهم البعض، كما هو حاصل اليوم. ينسحب هذا على الحلفاء أو على الأصدقاء، فكل طرف يريد تعرية الطرف الآخر، إن في المواقف السياسية، أو في قضايا خدماتية وملفات ذات طابع إنمائي. كان الوزير جبران باسيل الأكثر صراحة في توصيف الوضع، في معرض ردّه على كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي اعتبر أن لقاء باسيل بوزير خارجية النظام السوري وليد المعلّم، هو اعتداء سياسي على رئيس الحكومة، وستتم مواجهته بكل الوسائل. فقد اعتبر باسيل أن التنسيق مع سوريا أمر طبيعي بالنسبة إليه، وأنه لا يرضى بالتعدّي على صلاحياته.
عقدت الحكومة جلستين، ولم تظهر وسائل المواجهة هذه، ليخرج باسيل عن صمته، ويردّ على المشنوق بما هو أقسى، إذ اعتبر أن وزير الداخلية يصعّد شعبوياً ولأهداف انتخابية، يريد استمالة الشارع لتعزيز وضعه الانتخابي، خصوصاً أن الصوت التفضيلي سيدفع كثيرين إلى منطق المزايدة، وصولاً إلى المزايدة على رئيس الحكومة سعد الحريري. لم يردّ المشنوق على هذا الكلام حتّى الآن، لكن الأكيد أنه سيردّ في مناسبة معينة، وفي توقيت يختاره وفق حساباته.
بعيداً من هذا السجال، الذي كما ينطبق على تياري المستقبل والوطني الحر ينطبق أيضاً على الوطني الحر والقوات اللبنانية، إذ عبّر باسيل عن عتبه على أداء القوات في الحكومة وفي الشق الانتخابي. ما يوضح وجهة الأمور في الأيام المقبلة. ستكون الانتخابات النيابية المقبلة ميزان المواقف السياسية. وهذا ما تنذر به كل الاشتباكات السياسية الحالية.
منذ إبرام التسوية الرئاسية، كان تيار المستقبل، يركز على تحالفه الانتخابي مع التيار الوطني الحر. وهذا الموقف تسبب للمستقبل بكثير من السخط في شارعه، ومع مختلف القوى السياسية التي كان على تحالف معها، لأن هذا التحالف يعني أنه سيكون على حساب التحالف مع القوات، ومع الحزب التقدمي الإشتراكي ومع مستقّلي 14 آذار. وإذا كان المستقبل سابقاً قادراً على ذلك، فإن الأمر يختلف اليوم، إذ إن مواقف عون المتماهية مع حزب الله، والتي تجلّت في مواقفه الدولية، تحرج المستقبل مع بيئته ومع حلفائه المحليين والخارجيين.
يعلم الجميع أن حزب الله أكبر المستفيدين من القانون الجديد. ما يدفع مناهضيه إلى استدراك الأمر عبر التحالفات، لمنعه من الحصول مع حلفائه على الأكثرية النيابية في المجلس. وهذا يتوزع على جملة نقاط يمكن الاستثمار فيها، أولها أن نهج التيار الوطني الحر سيؤدي إلى تحالف كل القوى المسيحية ضده انتخابياً. وهو ما يشير إليه التقارب بين المردة والقوات. وقد تجتمع القوى المسيحية في وجه التيار الوطني الحر في الدوائر ذات الثقل المسيحي، كدائرة الكورة بشري زغرتا والبترون، وكسروان- جبيل، بيروت الأولى، وزحلة. فيما التحالفات بين هذه القوى المسيحية وقوى أخرى، ستتركز في أقضية أخرى، كبعبدا، الشوف وعاليه، والبقاع الغربي.
خلال زيارة الوزير السعودي ثامر السبهان إلى لبنان، سمع بعض الأفرقاء كلاماً مفاده أنه ممنوع على حزب الله الحصول على الأكثرية النيابية. وهذا الكلام ستتم ترجمته من خلال الدعم السعودي لهؤلاء الأفرقاء. وهنا، ثمّة من يعتبر أن الساحة الشيعية مقفلة، وغير قابلة للاختراق. ولذلك، فإن العمل يجب أن يتركز على حلفاء الحزب من الطوائف الأخرى، والتركيز سيكون على التيار الوطني الحر، في محاولة لهزيمته وتقليص حجم كتلته النيابية.