تحولت المملكة العربية السعودية إلى قبلة للساسة اللبنانيين، إذ بدأت بالتقاطر إليها شخصيات سياسية كانت منضوية تحت راية قوى الرابع عشر من آذار، استكمالاً للزيارة الأخيرة التي أجراها الوزير ثامر السبهان إلى لبنان قبل أسابيع. بدأ الأمر مع توجه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى الرياض، ثم الإعلان عن زيارة النائب سامي الجميل. وبدأت الأمور بالتكشف، إذ تبين أن المملكة أرسلت دعوات للعديد من الأفرقاء. ما يوحي بأن ثمة متغيرات وتحولات.
منذ فترة تقدم أكثر من سياسي لبناني بطلب لزيارة المملكة، لكن تحديد المواعيد تأخر، إلى أن تم تحديد مواعيد متزامنة للجميع. وتشير المعلومات إلى أنه بالإضافة إلى جعجع والجميل، فإن النائب وليد جنبلاط تلقى دعوة أيضاً، وكذلك الأمر بالنسبة إلى سياسيين آخرين من بينهم النائب السابق فارس سعيد والدكتور رضوان السيد، في إطار التحرك الذي يعملان على تفعيله وعنوانه التمسك بمبادئ 14 آذار ورفض التسوية والتنازلات المقدّمة.
ليس معروفاً بعد إذا ما كانت هذه اللقاءات ستشمل لقاءً جماعياً يضم الزائرين كافة، فيما هناك من يعتبر أن الملك سلمان بن عبد العزيز قد يلتقيهم مجتمعين. وتعتبر المصادر أن الزيارة وأهدافها تتركز على أمور متعددة، أبرزها إعادة صياغة خطاب سياسي موحد، وتحقيق التوازن السياسي في البلد، وإعادة الإنطلاق من جملة نقاط سياسية مشتركة توقف التنازلات المقدّمة، وتعتبر مقدّمة لمواجهة محور الممانعة في ظل التطورات التي ستشهدها المنطقة، بالإضافة إلى لجم رمي لبنان في حضن الأسد والتطبيع مع نظامه، ومنع وضعه في خانة المنتمي إلى المحور السوري الإيراني. وستركز الزيارات على ضرورة التعاون والتنسيق في الانتخابات النيابية المقبلة، مع لفتة سعودية إلى إمكانية إعادة الدعم للأفرقاء اللبنانيين المتحالفين معها، وإعادة تفعيل عمل المال السياسي.
وثمة من يعتبر أن هذه الزيارات ليست وليدة لحظتها، بل كانت تحضّر منذ فترة، وخصوصاً بالنسبة إلى جعجع الذي سعى لها منذ فترة، إذ كان يسعى لعقد هذا اللقاء الإستشرافي مع المسؤولين السعوديين، بعد سلسلة مواقف لبنانية ومستقبلية بالتحديد أحدثت توجساً لديه. اللقاء الأخير بين وزير الخارجية جبران باسيل مع وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم، كان العامل المسرّع لتحديد موعد الزيارة. يذهب جعجع حاملاً أسئلة ومواقف عدة. وهو يريد السؤال عن التطورات في المنطقة، وعن مآلات الأمور، بالإضافة إلى تسجيل اعتراضه على أنه لا يمكن الاستمرار بهذا الشكل السياسي، وبهذا الحجم من التنازلات المقدّمة من الرئيس سعد الحريري لمصلحة التيار الوطني الحر وحزب الله.
يذهب جعجع إلى السعودية لإعادة إنتاج خطاب ومواقف تصاعدية، في مواجهة حزب الله وحلفائه، خصوصاً أن لبنان على أبواب انتخابات نيابي. وهو كان قد طلب اللقاء السعودي بعيد زيارة وزراء حزب الله وحركة أمل إلى سوريا، ليأتي لقاء باسيل المعلّم كضربة على الرأس. فاعتبر جعجع أنه لم يعد هناك إمكانية للسكوت. كما أن أروقة معراب، كانت تضجّ بأسئلة عما يفعله سعد الحريري، وإذا ما كان على علم بلقاء باسيل المعلم، كما أعلنت أوساط باسيل، أم أنه لم يكن على علم بذلك، لأن لدى معراب أجواء تفيد بأن الحريري وباسيل ينسقان في كل شاردة وواردة. وهذا ما يعزز الشكوك لديها بإمكانية أن يكون الحريري على علم بمثل هكذا لقاء. وأكثر ما يعزز الشكوك، هو صمت الحريري، مقابل مواقف تصعيدية من وزراء المستقبل ومن الكتلة.
لن تقتصر زيارة جعجع على السعودية، بل سيقوم وفق مصادر متابعة بجولة قد تشمل الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً أنه تلقى دعوة لزيارة واشنطن، بعيد زيارة الحريري إليها. ولا شك في أن الزيارة تأتي في سياق تنامي الشعور بأن المنطقة على أبواب مرحلة جديدة، قد تكون ساخنة، وقد تكون بداية مرحلة البحث عن تسويات إنطلاقاً من الداخل السوري. ما يجعل الزيارة جولة مشاورات مع الدول المؤثرة في المنطقة، واستكشافاً لآفاق الوضع في المنطقة.
وفيما تتحفظ معراب عن كشف تفاصيل الزيارة، تفيد المعلومات بأن جعجع سيؤكد وجوب عدم تهميش لبنان من أي تسوية مرتقبة، مع التمسك بالثوابت التي يرفعها، وعنوانها استعادة الدور والحفاظ على السيادة. ولعل السؤال الأساس لزيارة جعجع، هو مصير سوريا، وإلى أين تتجه الأمور فيها. وينطلق جعجع من تأثيرات الأسد على الواقع اللبناني، بالتالي يريد الاستفسار عن مدى جدية الكلام عن بقاء الأسد، فإذا كان واقعاً لا بد من بناء التكتيك اللازم ضمن الإستراتيجية العريضة في المواجهة مع محور الممانعة. ولا تخفي المعلومات أن جعجع يريد التعبير عن الهواجس اللبنانية في ظل التطورات الحاصلة، والتأكيد على وجوب عدم استخدام أي بلد أو أي ساحة لضرب مفهوم الدولة ومؤسساتها.
كذلك ترددت معلومات، تزامناً مع الزيارات، عن أن المملكة أرسلت كتاباً لوزارة الخارجية اللبنانية، يتضمن أوراق اعتماد وليد اليعقوبي سفيراً جديداً للرياض لدى بيروت. ما يعني أن السعودية عائدة بقوة إلى لبنان، وفي توقيت لافت إقليمياً ودولياً.