تفاجأت شيرين كما معظم الموظّفين المستفيدينَ من الضّمان الاجتماعيّ، بقرارِ زيادة اشتراكاتِ الضمانِ بنسبة 1 في المئة لفرعِ ضمان المرض والأمومة، لتصبحَ النسبة التي ستدفعها شيرين شهريّاً من راتبها للضمان 3 في المئة عوضاً عن 2 في المئة.
ولكنّ المُفاجأة الفعليّة لم تكن بنسبةِ الواحد في المئة التي لن يغصّ المُوظّف اللّبنانيّ على شرب ساقيّتها وهو الذي شَرِبَ بحر التناقض الصريح بين معاشهِ ومعيشته، بمُرّهِ وملحه.
فالمشكلةُ تكمنُ في أنّ الشركات ستعمدُ إلى خصمِ هذه الزيادة بمفعولٍ رجعيٍّ إلى منتصفِ شهر شباط 2017، من رواتبِ شهر أيلول دفعةً واحدةً. ما يعني أنّ شيرين التي علِمت بالقرار عبر مندوبِ الضمان لدى شركتها، سيُخصَمُ من راتبها لهذا الشهر 6 في المئة عن الأشهر الستّة السابقة، يُضاف إليها الـ3 في المئة عن شهرِ أيلول الجاري، لتصبحَ نسبة الخصم 9 في المئة.
ما يعني أنّ راتبها الذي يساوي 900 دولار أميركي سيتقلّص مع خصمِ نسبة 9 في المئة منه إلى 819 دولار. أي مبلغ 81 دولار أميركي والذي له أن يضيّق العيش على المواطن اللّبنانيّ أكثر وأكثر، لا سيّما في شهرِ أيلول، وهو شهر الاستحقاقات المادّيّة الكبيرة، وعلى رأسها المدارس.
علماً أنّ عدداً من الشركات، وبحسب معلومات "ليبانون ديبايت"، عَمدت إلى تطبيق سحبِ زيادة اشتراكات الضمان من الشهر الماضي، والبعض من الشركات أبلغَ موظّفيه عبر البريد الإلكترونيّ، والبعض الآخر يتكتّم عن الخصم لحين تاريخ حصولِهِ ليفَاجَئ الموظّفين به من دون سابق إنذار.
فالقرار رقم 224/1 الصادر في الجريدة الرسميّة بتاريخ 20 تمّوز الماضي، مُرِّرَ في غفلةٍ من النقاشاتِ الدائرة حول السلسلة والضرائب والموازنة. وترتفعُ بموجبه مجموع الاشتراكات المُتوجّبة للدفع إلى 25.5% بدل 22.5%، على أن تكون الزيادة موزّعة بنسبة 1% على أصحابِ العمل و1% على الأُجراء المضمونين، و1 % على الدولة، مع مفعولٍ رجعيّ إلى منتصف شباط 2017.
وهو القرار الذي خُلق لتمويلِ مشروعٍ يلحظُ حق المتقاعدين من تقديمات فرعِ ضمان المرض والأمومة في الضمان الاجتماعيّ بعد تجاوزهم السنّ القانونيّة (64 عاماً)، على غِرار سِواهم من متقاعديّ القطاع العام والأسلاك العسكريّة، ابتداءً من مطلعِ شهر تشرين الأوّل 2017.
وعبثاً حاول "ليبانون ديبايت" الاتّصال بمديرِ عامّ الضمان الاجتماعيّ، للاستفسار أكثر عن القانون.
ويصفُ الخبير الاقتصاديّ البروفيسور جاسم عجاقة عدم تنفيذ القانون حتّى الساعة، بالخطأ في الإدارات العامّة التي لم تنبّه الموظّفين إلى ضرورةِ دفع 1 % زيادة من رواتبها لصالح الضمان الاجتماعيّ، وبالتالي على الإداراتِ العامّة أن تتحمّل تداعيات هذا التأخير لا المواطن.
وعلّق عجاقة في حديثِهِ لـ"ليبانون ديبايت" على هذا الإجراء، بأنّه "من غيرِ المقبول تراكم الأموال على هذه الصورة، وبالتالي اللّجوء لخصمها دفعةً واحدةً من رواتبِ الموظّف الذي لا ناقةَ له ولا جمل بهذا الخطأ، ولديه التزامات مادّيّة شهريّة كبيرة".
ويرى بأنّ الحلّ الوحيد هو بتقسيطِ هذه الزيادات على المواطن خلال الأشهر المُقبلة بحيث لا يشعر بنقصٍ كبير في راتبه، لا سيّما أصحاب الدخل المحدود، والذين يمكن أن يُشكّل أيّ خصمٍ من راتبهم مشكلةً اقتصاديّةً تزيدُ من أعبائِهم المعيشيّة الشّهريّة وتقلّص من قدرتِهم الشرائيّة.
ويضعُ عجاقة هذا القانون في إطارِ تحسينِ الوضع الماليّ للضمان الاجتماعيّ، الذي يُعاني من عجزٍ كبيرٍ جداً، ويؤكّدُ على ضرورة أن تقترن هذه الزيادات بإصلاحاتٍ جدّيّةٍ في الضمان، في ظلّ منظومةِ الفسادِ القائمةِ والمراقبة شبهِ المعدومة على إنفاقِ الضمان. فـ"لا شرعيّة للضرائب من دونِ إصلاحات بحسب النظريّة الاقتصاديّة".
إذاً، تُضاف الآثار السلبيّة الماليّة لهذا القانون إلى مفاعيل قانون سلسلة الرّتب والرّواتب، في موازاةِ تراجع مستوى الخدمات الصحيّة لمؤسّسةٍ أصابها الاهتراء الإداريّ... فهل لهذه الزيادات أن تُصلح ما أفسدتهُ عقود الفساد في الضمانِ الاجتماعيّ، أم إنّه كُتِبَ على المواطن اللّبنانيّ تحمّل أعباءِ الضرائب الإضافيّة مُقابل استشراسِ الفساد؟
ليبانون ديبايت