يدخل الفنان فضل شاكر عتبة عامه الخامس ساكناً في أحد أحياء مخيم عين الحلوة، بعدما دخله في 24 حزيران 2013. أي بعد انتهاء الليلة الدموية التي شهدتها منطقة عبرا في قضاء صيدا جنوب لبنان.
ومع انقضاء 4 سنوات ونيّف على تواري "ملك الإحساس"، كما كان يُطلق عليه أيام عزّه الفني، تتجه المحكمة العسكرية نحو إصدار حكم غيابي بحقه بتهمة تشكيل عصابة مسلحة للنيل من هيبة الدولة وشبهة المشاركة في قتال الجيش خلال معركة عبرا.
ووفق مصادر أمنية، فإن الرجل لم يظهر خلال تلك الأحداث بل له ظهور واحد برفقة مسلحين في مناسبة تشييع علي سمهون ولبنان العزّي، وهما من مناصري الشيخ أحمد الأسير، قضيا بنيران عناصر من حزب الله إثر إشكال حصل في تشرين الثاني 2012.
المحكمة ستعلن الحكم المتعلق بما جرى في شرق صيدا، بعدما نظرت في الملف المتعلق مباشرةً بالأسير وشاكر و26 موقوفاً. وكانت النيابة العامة العسكرية قد ادَّعت على شاكر بجرم الانتماء إلى تنظيم مسلح بهدف ارتكاب الجنايات بحق المواطنين والقيام بأعمال إرهابية وقتال الجيش في عبرا.
في انتظار البراءة
تنفي وكيلة الدفاع عن شاكر، المحامية زينة المصري، وجود أساس قانوني للادعاء عليه بارتكاب هذه الجرائم، مشيرةً إلى أن الأمر استند إلى علاقته بالأسير رغم انقطاع التواصل بينهما بشكل نهائي قبل شهرين من المعركة التي لم يكن لشاكر أي دور فيها، وفق المصري. وهي تستند، في اثبات ذلك، إلى عدم ظهور شاكر في أي من الفيديوهات، التي عُرِضت إبان رئاسة العميد خليل إبراهيم المحكمة العسكرية الدائمة.
وتربط المصري تشكيل أدلة ثبوتية أخرى تفيد بغياب موكلها عن الصورة كلياً بعرض فيديوهات أخرى في جلسة 12 أيلول 2017 أمام المحكمة برئاسة العميد حسين عبدالله. وإذ تستشهد المصري بتصريح وزير الدفاع الأسبق فايز غصن، في نيسان 2015، الذي أعلن خلاله عبر قناة الجديد عدم ضلوع الفنان فضل شاكر في تلك المعركة، تذكّر أن أحداً من الموقوفين في الملف لم يذكر اسمه خلال التحقيق معهم، بمن فيهم محمد البديري الذي كان قريباً من شاكر، وهذا ما تثبته محاضر الجلسات، لافتةً إلى عدم ورود اسمه في 3500 صفحة من محاضر الإفادات.
فضل شاكر متهم في الملف وملاحق غيابياً. عليه، لا يمكن لموكلته المرافعة عنه إلا في حال امتثاله أمام المحكمة وفق الاجراءات المنصوص عنها في أصول المحاكمات الجزائية، في حين أن الأدلة التي تثبت عدم تورطه عسكرياً وأمنياً في معركة عبرا أصبحت واضحة أمام القضاء العسكري، الذي يستطيع إصدار قرار براءته من دون مثوله أمامه، وفق المصري، التي تستعيد تجربة العميد إبراهيم الجريئة، الذي برَّأ نعيم عباس حصراً من المشاركة في معارك عبرا رغم ثبوت تورّط الرجل في قضايا تفجير وإرهاب داخل الضاحية الجنوبية. وتختم المصري بالقول إنها تنتظر قراراً جريئاً آخر من العميد عبدالله.
صفقة غير مكتملة
من المحسوم أن تتم المرافعات في أحداث عبرا في جلسة 28 أيلول الجاري. قبل هذا التاريخ، وعلى مدى السنوات المنصرمة، لم يصدر عن فضل شاكر وفق الفصائل الفلسطينية والأجهزة الأمنية اللبنانية أي عمل أمني، لا داخل المخيّم ولا خارجه.
وفي مقابلة خاصة لـ"المدن"، يؤكد شاكر أن تهمة الانتماء إلى تنظيم مسلح تعود إلى ظهور مرافقيه المسلحين أثناء تشييع سمهون والعزّي، موضحاً أن ذلك السلاح كان مرخصاً من وزارة الدفاع الوطني، وأن فريق حمايته كان مزوَّداً ببطاقات "حماية موكب"، التي تعطيه الشرعية من الدولة بهدف تأمين أمنه الشخصي.
وشاكر الذي حاز صفة لبنانيّ لاجئٍ لدى اللاجئين الفلسطينيين، يعترف بأنه كان يفجّر التصريحات الكلامية في وجه النظام السوري وحلفائه، مؤكداً أنه محميٌ من الدستور اللبناني الكافل لحرية التعبير. ويذكّر أنَّ وجوده في عبرا كان كأيٍ من السكان فيها، بعدما هُجِّر من منزله الكائن في حارة صيدا، الذي أحرقته مجموعات حزبية لم تمنعها الدولة من الاعتداء، رغم مناشدته لها على مدى ثلاثة أيام قبل أسبوع من معركة عبرا.
ويشير الفنان المعتزل إلى غدر التوقيت الزمني به. ما أخَّره عن مغادرة لبنان نهائياً للانضمام إلى عائلته التي كانت سبقته إلى الخارج قبل التطور التراجيدي. ويكشف لـ"المدن" أنه كان ينتظر رفع مذكّرات التوقيف بحق مرافقيه، وعددهم 18، ضمن صفقة التزم بنودها مع مدير الاستخبارات الأسبق في الجنوب العميد علي شحرور والعميد محمد الحسيني مدير مكتب قيادة الجيش آنذاك، في مقابل تسليم السلاح الثقيل الذي اشتراه استجابةً لإعلان الأسير تأسيس كتائب المقاومة الصيداوية في تشرين الثاني 2012 لقتال إسرائيل، رداً على ما اعتبره احتكاراً من قبل حزب الله لقتال العدو.
ينفي شاكر التهم المنسوبة إليه، مؤكداً أن محاكمته جرت مسبقاً عبر مؤسسات إعلامية انتحلت صفة الهيئات القضائية، ونشرت تقارير تستند إلى الحسابات السياسية لا الواقعية. ويصف شاكر نفسه بأنه حبيسُ مكان لجوئه. وهو يحظى بعدد زيارات من عائلته أقلّ من تلك التي يحصل عليها السجين الحقيقي، بسبب الشتات الذي أصاب أبناءه.
ويبدي شاكر ثقته بالقضاء المستند إلى الحقائق لا إلى الافتراءات، متوقعاً نيل البراءة من دم الجيش الذي أحيا الحفلات لشهدائه.