على مدى سنوات، حلمت غرام حبال ووالدها المُسن بالهرب من الرقة بعد أن فرض "داعش" سيطرته الجائرة على المدينة، ولكن عندما تمكنت أخيراً من ذلك، كان أبوها قد فارق الحياة.

عندما خرجت غرام البالغة من العمر 41 عاما الثلاثاء من المدينة مع أمها وأخيها وعائلته، كان والدها يرقد جثة هامدة على فراشه في منزلهم المتضرر بالقصف.

وتتذكر غرام وعيناها مغرورقتان بالدمع "كان يقول لي، يا ابنتي، دعينا ننتظر فرج الله، ماذا بوسعنا أن نفعل؟ قاسينا الكثير منهم".

وبدأت قوات سوريا الديموقراطية، وهي تحالف من المقاتلين العرب والأكراد تدعمه واشنطن، في حزيران معركة استعادة معقل التنظيم في سوريا. وخلفت المعركة المئات من الضحايا المدنيين وألحقت بالمدينة دماراً هائلا.

وبعد محاولات عدة، تمكنت عائلة حبال في النهاية من الفرار بمساعدة مقاتلي قوات سوريا الديموقراطية الذين نقلوا أفراد العائلة مع عشرات المدنيين الآخرين إلى مسجد في حي هاوي الهوى في غرب المدينة.

حصل ذلك غداة مقتل والد غرام في القصف، دون أن يتمكن من أن يتذوق طعم الحرية التي منَّى ابنته بها.

ففي يوم الاثنين، وبعد أن أنهت العائلة غداءها في منزلها في حي النهضة، أعدت غرام ماء الاستحمام لوالدها الذي كان يجلس على شرفة المنزل.

وتقول غرام التي لفت راسها بمنديل تزينه ورود زرقاء ووردية، "طلب مني أن أحضر له بعض الملابس، وما إن تركته، حتى صارت الضربة".

وتتابع "القناص كان في بناية من سبع طوابق بالقرب منّا. ضربها صاروخان وانهار كل شيء، ومن ضغط الضربة أصيب بيتنا. وأبي على الشرفة (...) أخرجناه من تحت الأنقاض، من تحت الحجارة".

وانهارت انقاض المبنى على أبيها، وساعدهم جيران في إخراجه من تحت الردم، لكنه لم يصمد.

أنتم بأمان

وفي ساعة مبكرة يوم الثلاثاء، غامرت غرام بالخروج من البيت بحثا عن جيران يساعدونها في دفن والدها، فسمعت صوت إطلاق نار، ثم صوت امرأة. كانت مقاتلة من قوات سوريا الديموقراطية تمركزت في الطابق الرابع في مبنى مجاور تناديها.

وتقول غرام "صعدت إلى الطابق الرابع فوق الحجارة المكسَّرة فقالت لي: أنتِ بخير لا تخافي. أخرجي أهلك من المبنى".

وتضيف "لكننا تركنا والدي في البيت على الفراش. ودعناه وهو راقد هناك".

في مسجد هاوي الهوى، فحص طبيب من جمعية الهلال الأحمر الكردي والدة غرام المصابة بصدمة.

وفي كل مرة كان الهواء يغلق باب المسجد محدثاً صوتا قويا، كانت المرأة تقفز من مكانها لشدة خوفها. وقالت "هذا الباب سيصيبني بنوبة قلبية".

وقام ممرض بقياس ضغط أحمد عقاد، الجار الذي ساعد العائلة وهرب معها.

وما إن ابتعد الممرض حتى أخرج عقاد (56 عاما) سيجارة وأشعلها بحماسة بعد أن حُرم من التدخين في ظل حكم تنظيم داعش.

ويقول الرجل من فرط فرحته، "لقد قبّلتُ علبة السجائر. أقسم أنني لا أصدق أنني خرجت".

 

 

(أ.ف.ب)