قذفت كرة نار سلسلة الرتب والرواتب إلى الخميس، ليستكمل درس الخيارات المالية، المتصلة بها، في جلسة ثالثة لمجلس الوزراء برئاسة الرئيس ميشال عون، المفترض ان يعود اليوم إلى بيروت مختتماً «زيارة دولة» إلى فرنسا، التقى خلالها الرئيس عمانويل ماكرون، وزار بلدية العاصمة، كما التقى مجلس الشيوخ والجالية اللبنانية هناك.
وإذا كان توفير المال هو الظاهر في الأزمة الراهنة، فإن «وراء الأكمة ما وراءها»، كما يقال، فقد كشف الرئيس نبيه برّي بعضاً من الخلفيات السياسية للاشتباك المالي، في حين ان الأوساط المقربة من بعبدا، تتحدث عن خارطة طريق من ثلاث محطات:
1- قطع حساب.
2- موازنة.
3- السلسلة والتمويل.
ووفقاً لهذه الخارطة، تعطّل على ما كشف أحد الوزراء في الجلسة الثانية لمجلس الوزراء التي عقدت في السراي الكبير قبل ظهر أمس، الاقتراح الذي قدّمه وزير المال علي حسن خليل، ويتضمن إقرار مشروع قانون معجّل لتحصيل الضرائب وفقاً لقرار المجلس الدستوري، على ان يترافق مع قرار بصرف رواتب موظفي الدولة على أساس جداول السلسلة الجديدة.
وكشف الوزير الذي طلب عدم كشف هويته لـ«اللواء» ان وزير العدل سليم جريصاتي، ردّ على الاقتراح بالرفض، من زاوية ان الرئيس قد لا يوقع مشروع القانون هذا.
ومن زاوية ان المجلس بإمكانه ان يشرّع ضرائبياً خارج الموازنة أم لا، ارتؤي نقل الجلسة الثالثة للحكومة إلى قصر بعبدا، على خلفية موقف متقدم للرئيس نبيه برّي رأى فيه ان «ما يحصل هو تجاوز وتجرؤ على المؤسسة الأم بل اعتداء على صلاحيات رئاستها، وخرق لاتفاق الطائف، بل بداية قتله».
وفي ظل الاشتباك السياسي الذي يخنق «المبادرة المالية» ويعلّق حقوق الموظفين في الهواء، تحدثت كتلة المستقبل عن «اعتداء صارخ على الحكومة ورئيسها وعلى التضامن الحكومي في معرض الموقف من اللقاء بين وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل ووزير الخارجية السوري وليد المعلِّم»، معربة عن تضامنها وتأييدها لموقف وزير الداخلية نهاد المشنوق، المدعوم من كتل نيابية أخرى ممثلة بالحكومة.
«كباش» رئاسي في مجلس الوزراء
الى ذلك، تقاطعت معلومات عدد من الوزراء على ان المشكلة العالقة حول قانون الضرائب هي «قلوب مليانة بسبب الخلاف على التشريع في مجلس النواب وتفسير الدستور، وليست رمانة دفع رواتب السلسلة اوعدم دفعها، وذلك بعد السجال الذي اندلع بعد قرار المجلس الدستوري بقبول الطعن المقدم في قانون الموارد المالية والضريبية للسلسلة، على خلفية حق المجلس النيابي في التشريع الضريبي وجواز تضمين الموازنة العامة القوانين الضريبية او عدم تضمينها».
واوضحت ان الخلاف تركز في جلسة مجلس الوزراء الثانية، أمس، بين موقف وزراء «التيار الوطني الحر» الذي عبر عنه الوزير سليم جريصاتي ودعا الى ضم قانون الضرائب الى الموازنة، وبين وزراء القوى السياسية الاخرى وفي مقدمهم حركة «أمل» الذين يؤكدون ان ما من نص دستوري صريح يقضي بضم قانون الضرائب الى الموازنة، وإلاَ لما صدرت منذ سنوات طويلة قوانين ضريبية خارج الموازنة ولما جاء في نص الدستور على «ان الضرائب تنشأ بقانون» ولم يقل انها تكون ضمن الموازنة. اما موقف وزراء «القوات اللبنانية» فكان ضائعا بين عدم رغبتهم الاصطدام مع تياري الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري.
وكشفت المصادر الوزارية ان الرئيس بري سيثير في اول جلسة نيابية هذه القضية وسيؤكد حق المجلس النيابي المطلق في التشريع الضريبي وفي تفسير الدستور.
وخلصت المصادر الى القول: حصيلة ما جرى مؤخرا هو ربط نزاع دستوري حول التشريع بين الرئيس عون والرئيس بري، وربط نزاع سياسي بين الرئيس عون والرئيس سعد الحريري.
اما في وقائع الجلسة فقد تركز النقاش فيها على قانون الضرائب هل يكون من ضمن الموازنة ام من خارجها، وعلى اقتراح الوزير جريصاتي تعليق العمل بالمادة 87 من الدستور المتعلقة بقطع حساب الموازنة لحين البت بقطع حسابات السنوات الماضية وهو ما رفضته القوى السياسية الاخرى. وتبين انه في حال تم ضم قانون الضرائب الى الموازنة فلا بد من انجازقطع حساب السنوات الماضية وهو الامر المختلف عليه.
اما وزير الإعلام ملحم رياشي الذي أذاع مقررات الجلسة الاستثنائية الثانية، فقد أوضح ان البحث كان معمقاً في قانون الإيرادات المنوي ضمه إلى الموازنة لتأمين مصادر دخل للسلسلة، آملاً ان تبت جلسة الغد في القصر الجمهوري مبدئياً مشروع القانون ويحول إلى المجلس النيابي، مشيراً إلى ان موضوع دفع الرواتب سيبت أيضاً يوم الخميس.
واشارت المصادر الوزارية لـ«اللواء» الى ان الطروحات كثيرة، ولكن الخلاف حول كيفية تأمين الموارد، يتركز حول هل من خلال وضع ضرائب جديدة تأتي في قانون منفصل عن مشروع قانون الموازنة ام ادخاله ضمن الموازنة والعمل على اقرارها في وقت قريب، واعتبرت ان هناك حاجة لان يترأس رئيس الجمهورية الجلسة ومشاركة الحكومة في اتخاذ القرارات المناسبة باعتبار ان القوانين في النهاية تحتاج الى توقيع رئيس الجمهورية، ولفتت الى انه لا يجوز ان تحمل الحكومة وحدها كرة النار، خصوصا ان هناك خوفاً حقيقياً على الدولة واقتصادها.
واعتبرت المصادر ان موضوع قطع الحساب من المواضيع المعقدة حاليا، والتي اخذت حيزا غير قليل من مناقشات المجلس خصوصا ان البعض يرى بان الموضوع مرتبط بالسلسلة والموازنة والضرائب ولا يمكن فصل احدى هذه المواضيع عن غيرها.
بري: اعتداء على صلاحياتي
وكان الرئيس برّي زاد على موقفه الصارخ من «ملائكة المجلس الدستوري» بسلسلة مواقف أدلى بها أمس امام الإعلاميين المعتمدين في المصيلح، حيث يمضي أيام عاشوراء هناك، مستغرباً ما يقال بأن المجلس النيابي ليس له الحق بفرض ضرائب إلا من خلال الموازنة، مع العلم ان قانون السلسلة مر وهو يتضمن شقين، شق النفقات وشق الإيرادات، لافتاً النظر إلى ان المجلس أقرّ في جلسته الاخيرة قانون الضريبة على النفط، متسائلاً: كيف ذلك؟.
واعتبر برّي «ان ما يحصل هو تجاوز وتجرؤ على المجلس النيابي، واعتداء على صلاحيات رئيس المجلس، أو خرق لاتفاق الطائف بل بداية قتله».
وقال: «من لا يُدرك هذه الحقيقة يُعاني مشكلة كبيرة ويضع لبنان امام مشكلة أكبر»، مؤكداً «أن تفسير الدستور يعود فقط للمجلس النيابي».
وفي السياق، رأي الرئيس حسين الحسيني ان مجرّد تفكير مجلس الوزراء بتعليق سلسلة الرتب والرواتب يعد خرقا دستوريا، مشيرا إلى انه «لا يجوز الربط بين الموازنة وباقي القوانين المالية والضرائب لأن هذا الأمر مرتبط بخزينة الدولة».
وفي حديث تلفزيوني، لفت الرئيس الحسيني إلى ان «السلسلة أصبحت نافذة»، مشيرا إلى انه «لا يجوز ان يستطيع مجلس النواب ان يُقرّ ضرائب ويترجمها لاحقا في الموازنة».
عون في باريس
في هذا الوقت، وصلت أصداء ما يجري في بيروت إلى العاصمة الفرنسية، حيث يتابع الرئيس ميشال عون زيارته الباريسية لليوم الثاني، حيث التقى عددا من المسؤولين الفرنسيين، فسارعت مصادر الوفد اللبناني المرافق للزيارة، إلى نفي الكلام عن وجود أزمة بين الرئيسين عون والحريري على خلفية محاولات التطبيع مع النظام السوري، وأزمة ابطال المجلس الدستوري لقانون الضرائب المموّلة للسلسلة، معتبرة ان هذا الأمر غير صحيح، مشيرة إلى ان هناك من يحاول ان يفتعل هذا الخلاف لأسباب انتخابية. كاشفة بأن الاتصال الذي تلقاه عون من الرئيس الحريري كفيل بإظهار ذلك.
وأوضحت ان الرئيس عون على ثقة بأن الصعوبات في ما خص ملف السلسلة قابلة للحلحلة.
ولفتت مندوبة «اللواء» المرافقة للزيارة، إلى ان اليوم الثاني توزع بين السياسة والاغتراب، بعدما اتسم اليوم الأوّل بطابعه الرئاسي بفعل القمة الرئاسية اللبنانية - الفرنسية، وأن «زيارة الدولة» الأولى لعون حققت أهدافها، سواء من خلال إظهار المقاربة اللبنانية، للملفات الشائكة التي يواجهها وفي مقدمها أزمة النزوح السوري، أو من خلال ما سمعه في ما خص إعطاء فرنسا الأولوية للمؤتمرات الثلاثة التي تعتزم عقدها قريبا من أجل لبنان، فضلا عن المتغيّرات الحاصلة اقليميا ودوليا التي حضرت في اللقاء بين الرئيسين عون وايمانويل ماكرون، حيث حاولت مصادر مواكبة إظهار عدم الاختلاف في الرؤية بين الرئيسين، لا سيما حيال ملف النازحين السوريين، رغم التأكيد الفرنسي على وجوب التمسك بسياسة النأي بالنفس من الأزمة السورية، مشيرة إلى ان الرئيس الفرنسي أقرّ بالتواصل مع السلطات السورية بعدما بسطت سلطتها على 80 في المائة من الأراضي، ملاحظة بأن هناك قبولا في الرؤية الفرنسية حيال هذا الملف، إذ ان فرنسا ترغب في الانخراط مجددا في الملفات التي توليها روسيا والولايات المتحدة أهمية.
وعلمت «اللواء» ان خارطة طريق ستعد في ما خص المؤتمرات الدولية التي ستتولاها فرنسا، بعد زيارات وزراء فرنسيين إلى بيروت، وبينهم وزير الخارجية جان ايف لودريان، وأن السفير اللبناني لدى فرنسا رامي عدوان كلف بمتابعة التحضيرات في هذا الشأن.
وكان الوزير لودريان أبلغ عون انه سيزور بيروت قبل نهاية العام للتحضير لزيارة الرئيس الفرنسي التي ستتم في الربيع المقبل، ولدرس كل الترتيبات المتعلقة بالمؤتمرات الثلاثة: مؤتمر تسلح الجيش في روما ومؤتمر الاستثمارات (باريس - 4) ومؤتمر النازحين.
الإضراب
نقابياً، لم يفلح «إضراب الكرامة» بحشوده في الضغط على مجلس الوزارء المنعقد على بُعد أمتار من ساحة الاستقلال (رياض الصلح) لإعلان قراره بتنفيذ قانون السلسلة، فرحّل القرار إلى يوم غدٍ الخميس، ما دفع بهيئة التنسيق والاتحاد العمالي العام الى الاستمرار بالاضراب وشل كافة المؤسسات الرسمية، والاعتصام امام القصر الجمهوري تزامنا مع جلسة مجلس الوزراء، وخرجت نقابة المعلمين، الرافضة لفصل التشريع بين التعليم العام والخاص، من السرب فأعلنت تعليق الإضراب بعد تضارب في وجهات النظر داخل المجلس التنفيذي بين مُصرٍّ على الاستمرار في الإضراب وآخر مطالب بتعليقه لا سيما أن عددا كبيرا من المدارس الخاصة لم يلتزم بالاضراب أمس (راجع ص 6).
العقوبات
في مجال آخر، يناقش مجلس النواب الأميركي غداً، تعديل قانون العقوبات على «حزب الله» ويضمن إجراءات إضافية في مجال العقوبات ويتعلق النص الأول بعقوبات جديدة على «حزب الله» بسبب نشاطاته «الإرهابية»، فيما يتحدث النص الثاني عن عقوبات أخرى، على خلفية «اتخاذ المدنيين دروعاً بشرية». ووفقاً لمسودة مشروع والذي يحمل الرقم أتش — آر 3329، فإنّ الحديث يدور عن تعديل التشريع الصادر في العام 2015، والمعروف باسم «قانون منع التمويل الدولي لحزب الله».
وبحسب المسودة، سيجري تعديل المادة 101 من القانون الحالي بحيث تفرض على الرئيس الأميركي فرض عقوبات على «حزب الله» تطال كل شخص يدعم أو يرعى أو يقدم تمويلاً مهماً أو مواداً أو دعماً تقنياً لعدد من الكيانات، ومن بينها «بيت المال» و»جهاد البناء» و»هيئة دعم المقاومة الإسلامية»، وقسم العلاقات الخارجية، والمنظمة الأمنية التابعة لحزب الله في الخارج، بالإضافة إلى قناة «المنار» وإذاعة «النور» و«المجموعة اللبنانية للإعلام». وتشمل العقوبات التي سيناقشها الكونغرس تجميد الأصول، وحجب التعاملات المالية، ومنع إصدار تأشيرات السفر إلى الولايات المتحدة.
ويمنح مشروع القانون الرئيس الأميركي صلاحية تحديد الأشخاص والكيانات الذين ستفرض عليهم عقوبات لتعاونهم مع «حزب الله».
ويتضمن مشروع القانون إمكانية فرض عقوبات على دول أجنبية في حال قامت بتقديم دعم عسكري أو مالي ذي أهمية لـ»حزب الله» أو أحد الكيانات المرتبطة به.
وأمّا النص الثاني، الذي تناقشه لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، ويحمل الرقم «أتش آر 3342»، فيتعلق بفرض عقوبات على أشخاص أو كيانات يثبت ضلوعهم في «انتهاكات للحقوق الإنسانية المعترف بها دولياً، والمرتبطة باستخدام حزب الله لمدنيين كدروع بشرية».
ويشير مشروع القانون إلى أنه «خلال صراع العام 2006 استخدم حزب الله المدنيين كدروع بشرية لحماية نفسه». وتضيف المسودة أن «حزب الله أعاد تسليح نفسه، ممتلكاً ترسانة تضم أكثر من 150 ألف صاروخ، وأسلحة مهددة للاستقرار، تم تزويده بها من قبل الحكومتين السورية والإيرانية، ويقوم بنشرها داخل القرى الشيعية في جنوب لبنان، بما في ذلك ضمن البنية التحتية المدنية».