لا يبدو أن العلاقات الأميركية- اللبنانية تسير على سكة ثابتة. في السياسة والمواقف المعلنة، تتخذ المواقف بعداً خلافياً وابتعاداً في الرؤى، برز في ردود الفعل اللبنانية، خصوصاً من الوزير جبران باسيل، على كلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن اللاجئين. ما أثار استياءً أميركياً واستدعى سلسلة توضيحات علنية وغير علنية عبر جولة اتصالات قادتها السفارة الأميركية للاحتجاج على التحريف المتعمّد لكلام ترامب.
لم تخف الديبلوماسية الأميركية حجم انزعاجها من تحريف كلام ترامب، وهي اضطرت إلى إصدار أكثر من توضيح، وعملت على إعادة نشر النص الحرفي للكلمة، للتأكيد أن ترامب لم يتحدث عن ابقاء اللاجئين في المجتمعات المضيفة، بل تقديم المساعدات لهم ولهذه المجتمعات إلى حين تأمين عودتهم إلى بلادهم. وتعتبر الديبلوماسية الأميركية أن هذه المواقف اللبنانية أصبحت معروفة، ومتعمدة بغية استثمارها في حسابات تفصيلية داخلية، من دون الأخذ في الحسبان التداعيات التي قد تتسبب بها.
إلا أن الاعتراض الأميركي لن يستتبع بإجراءات ضد لبنان، إذ سرعان ما أكدت الإدارة الأميركية أنها حريصة على استمرار العلاقة مع لبنان، وتقديم المساعدات المالية والعسكرية. وهنا، يبرز التعهد الأميركي بتقديم 29 مليون دولار إضافية كمساعدة إنسانية. ورغم أن هذا المبلغ زهيد، لكنه محاولة أميركية للقول إن واشنطن مستمرة في التعاون مع لبنان. تعلم واشنطن أنه لا يمكنها التعويل على المواقف السياسية اللبنانية، ولا الرهان على الأفرقاء اللبنانيين، إذ يعتبر المسؤولون الأميركيون أن الساسة اللبنانيين غير قادرين على اتخاذ مواقف تخرج عن إطار الشعبوية، أو عن السقف الذي يضعه حزب الله. وهذا ما كان واضحاً في مواقف رئيس الجمهورية ميشال عون، وفي أداء رئيس الحكومة سعد الحريري.
وترى واشنطن أن عليها الرهان على العلاقة الإستراتيجية مع الجيش اللبناني، والاستثمار في المؤسسة العسكرية، من خلال استكمال تقديم المساعدات العسكرية لها، بالإضافة إلى المواقف الداعمة معنوياً. وهذا ما تجلّى منذ معارك فجر الجرود. وهو ما سيظهر خلال الزيارة التي سيجريها قائد الجيش جوزيف عون إلى الولايات المتحدة الأميركية في الأيام المقبلة.
ويؤكد الأميركيون أن الجيش اللبناني سيتلقى مزيداً من برامج الدعم والتدريب في الفترة المقبلة، وسيسمع قائد الجيش، في واشنطن، استمرار الدعم العسكري، بخلاف ما يحكى عن تخفيض موازنته. فيما هناك من يعتبر أنه لا يمكن لهذا الاستمرار إلا أن يستتبع بمواقف سياسية أميركية، قد تعمل على إحداث تجاذب سياسي على الساحة السياسية اللبنانية، كحصر السلاح بيده، لأنه قادر على حماية الحدود، وعلى مواجهة أي اعتداء إسرائيلي. بالتالي، فإن ذلك سيدفع هؤلاء إلى المطالبة بضرورة تخلّي حزب الله عن سلاحه، خصوصاً بعد عودته من سوريا.
صحيح أن هذه المواقف لن تقدم ولن تؤخر، لكن بالنسبة إلى الأميركيين، ستكون إثارة الاعتراض على سلاح حزب الله أمراً كافياً في المرحلة المقبلة، تمهيداً لحصول تطورات أخرى، على الصعيد الإقليمي، قد تؤدي إلى إثارة الموضوع وإدخاله في بازار آخر، مختلف عن المواقف التي تتحدث عن وجوب حصر السلاح بيد الدولة.