الحريري الشاهد الذي لم يرَ شيئا من حوله حكومته تتزلزل
المستقبل :
بحفاوة «الأم الحنون» تكريساً للعلاقة التاريخية التي تجمع البلدين وتجسيداً لرغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن يكون رئيس الجمهورية اللبنانية أول رئيس يقوم بزيارة دولة إلى فرنسا في عهده، بدأ الرئيس ميشال عون زيارته الرسمية إلى باريس أمس حيث استقبله ماكرون في قصر الاليزيه وعقد معه جولة محادثات تلاها مؤتمر صحافي مشترك تطرق فيه عون إلى الملفات الإقليمية الساخنة وتأثيراتها على لبنان لا سيما في ما يتعلق بالأزمة المندلعة في سوريا والنازحين منها، بحيث جدد عون موقفه الداعي إلى عودتهم «الآمنة» إلى وطنهم، بينما عبّر الرئيس الفرنسي من ناحيته عن تشديد بلاده على أهمية تمسك الحكومة اللبنانية «بسياسة النأي بالنفس» باعتبارها «أفضل طريق للحفاظ على استقرار لبنان»، لافتاً الانتباه في ما خصّ عودة النازحين السوريين إلى أنّ «غياب الحل السياسي يعيق عودتهم»، ليعيد في الكلمة التي ألقاها خلال مأدبة العشاء التكريمية التي أقامها على شرف عون والوفد المرافق التأكيد على أنّ إيجاد حل يفرض «سلاماً دائماً في سوريا» هو الذي يسمح بعودة النازحين آمنين إلى بلادهم للمشاركة في إعادة إعمارها.
أما على مستوى تعزيز العلاقات بين البلدين، فذكّر ماكرون بأنه سبق واستقبل رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري في الإليزيه قبل أسابيع منوهاً بالجهد الذي يبذله «من أجل إعادة إطلاق الاقتصاد وتقوية الدولة في مواجهة التحديات والتهديدات»، مع تذكيره بعزم بلاده على إقامة مؤتمر باريس 4 لدعم لبنان كما أعلن إبان زيارة الحريري، فضلاً عن تنظيم مؤتمر دعم للجيش اللبناني بمشاركة إيطاليا والأمم المتحدة، وقال: «هدف فرنسا هو حماية لبنان من أي تهديد من شأنه أن يؤثر على السلام ودعم قدرات الجيش من أجل أن تتمكن الحكومة من أن تكون قادرة بشكل كامل على بسط سيطرتها على كامل أجزاء الوطن». في حين طلب عون من نظيره الفرنسي دعم بلاده لطلب لبنان «أن يكون مركزاً لحوار الحضارات والأديان تابعاً للأمم المتحدة». وإثر انتهاء المؤتمر الصحافي المشترك انتقل عون وماكرون لافتتاح معرض حول تاريخ مسيحيي الشرق في معهد العالم العربي.
الحريري
في الغضون، وبينما يواصل رئيس مجلس الوزراء التوفيق في مشاوراته واتصالاته بين موجبات تنفيذ سلسلة الرتب والرواتب وإعادة تصويب الوضع الدستوري بالنسبة لقانون تمويلها، سيما وأنّ زواره نقلوا عنه أمس تشديده على كون «الأولوية هي لإقرار الموازنة وتمويل السلسلة وتثبيت الاستقرار»، برزت أمس «وثيقة الشرف» التي أطلقها الحريري في السراي الحكومي لمناسبة «يوم السلام العالمي» للمساهمة في الحد من ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات، وهي ظاهرة وضعها في خانة «الإرهاب الأعمى» قائلاً: «الرصاص الطائش إرهابي في حق كل اللبنانيين من كل المناطق والطوائف والطبقات الاجتماعية والانتماءات السياسية وسنقف في وجهه كما نقف في وجه كل إرهاب».
الديار :
تسارعت الاتصالات السياسية على اكثر من اتجاه مساء امس لإخراج جلسة الحكومة اليوم من «عنق زجاجة» «الكباش» السياسي المفتوح على مصراعيه بين الرئاسة الاولى من جهة، والرئاستين الثانية والثالثة من جهة اخرى، على خلفية ملفات داخلية وخارجية منفصلة.... وحتى ساعة متقدمة من المساء كانت الاجواء «ضبابية» حيال خيار من ثلاثة سيتخذه مجلس الوزراء اليوم في ملف السلسلة، مع العلم ان المخارج القانونية والمالية باتت متاحة وقابلة الصرف، بما يتيح خروج الاطراف كافة من «المأزق» اذا ما توافرت النيات الحسنة لدى الجميع لاخراج الملف المعيشي من دائرة التجاذبات السياسية.
في هذا الوقت بدأ رئيس الجمهورية ميشال عون زيارة دولة الى فرنسا، تحمل ابعادا رمزية في غاية الاهمية بعد سنوات المنفى القسري هناك، فمن «لاجىء» سياسي الى رئيس دولة الكثير من الامور تغيرت، وتظهر ذلك في باريس ترحيبا لافتا في الشكل والمضمون، حيث دام اللقاء الثنائي بين الرئيسين نحو الساعة قبل ان ينضم الوفدان الرسميان الى المحادثات، وبحسب المعلومات الواردة من باريس فان ملف الاستقرار الداخلي في لبنان استحوذ على قسم كبير من النقاش، التعاون لمكافحة الارهاب، ودعم الجيش اللبناني، وسبل دعم لبنان اقتصاديا تصدرت جدول الاعمال، فوعد الرئيس الفرنسي بعقد قريب لمؤتمر باريس 4. اما ملف النازحين السوريين فكان «الطبق الرئيسي» على طاولة البحث، وعلى عكس ما اوحت به التصريحات العلنية للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، بدعوة لبنان للحفاظ على سياسية «النأي» بالنفس في الملف السوري، فان ما جرى في «الكواليس» لا يوحي بوجود معارضة فرنسية لفتح قنوات اتصال لبنانية- سورية، اذا كانت تساهم في حل ازمة النزوح...
وفي هذا السياق، لم يلمس الرئيس عون وجود «خارطة طريق» دولية لمعالجة ملف النزوح السوري، على الرغم من حديث الرئيس الفرنسي عن مؤتمر تنظمه الامم المتحدة قبل نهاية العام، وعلى نقيض ما «لمسه» في نيويورك من سياسة اميركية «غامضة» تثير القلق حيال الملف السوري، فان ما سمعه في باريس مقاربة مختلفة، حيث بات الموقف الفرنسي اكثر واقعية لجهة التعامل مع بقاء النظام في دمشق. وتجزم «الاجواء» الباريسية ان الرئيس لم يتلق من الرئيس الفرنسي اي اشارات تفيد باعتراض باريس على مقاربته الاخيرة تجاه التعامل مع الملف السوري، خصوصا ان فرنسا نفسها تعمل على خط فتح قنوات اتصال خلفية مع دمشق، وهي «متوجسة» اصلا من سياسة الرئيس الاميركي دونالد ترامب في اكثر من ملف ومنها مقاربته «الوظيفية» المبنية على تقاسم المصالح مع روسيا، وما يمكن فهمه من اجواء اللقاء ان كلام ماكرون عن ضرورة القيام بما يخدم المصالح الوطنية اللبنانية، خصوصا في ملف النزوح السوري، لامس حد التشجيع للرئيس عون على المضي قدما بأي خطوة لتفكيك هذه «القنبلة الموقوتة» التي تهدد لبنان ديموغرافيا، وامنيا، حتى لو اقتضى ذلك فتح قناة تواصل مع الحكومة السورية، وذلك في ظل حرص الدولة الفرنسية على تعزيز وجود وبقاء المسيحيين في لبنان، وهو امر شدد عليه كثيرا الرئيسان عون وماكرون في مقاربتهما للاوضاع في المنطقة ولبنان...
المؤتمر الصحافي
وفي المؤتمر الصحافي المشترك اكد ماكرون على حرص فرنسا وتشجيعها على قيام دولة قوية لضمان الامن على المدى الطويل. واشاد بتفاني الجيش اللبناني في حربه على الارهاب، متعهدا بالعمل مع لبنان والامم المتحدة على مواجهة ازمة اللجوء السوري. وهو امر اكد عليه الرئيس عون من خلال التأكيد على اهمية العودة الامنة للنازحين الى بلادهم، مشددا على ان الحرب في سوريا باتت قريبة من وضع اوزارها، وبوادر الحل السلمي بدأت تلوح في الافق. وقال «وننتظر نجاح المفاوضات»، كما اكد انه اثار موضوع الصراع العربي- الاسرائيلي حيث ما زالت اسرائيل تخرق السيادة اللبنانية في تحد فاضح للقرارات الدولية... ولاحقا اكد الرئيس الفرنسي في عشاء اقيم على شرف حضور رئيس الجمهورية، ان فرنسا ستساعد اللبنانيين في ملف النازحين لان وجود هذا العدد الكبير لا يمكن تصوره، وستحاول باريس ارساء السلام في سوريا لاعادتهم الى بلادهم.. في المقابل اكد الرئيس عون ان لبنان لن يسمح ابدا بالتوطين.
«مصير السلسلة»
وعلى وقع استمرار الاضراب في المرافق العامة والمدارس اليوم، تنعقد جلسة الحكومة للبحث في المخارج المتاحة «لمأزق» الغاء المجلس الدستوري قانون الضرائب. وفي هذا السياق، اكدت اوساط وزارية بارزة ان مجلس الوزراء يبحث اليوم في ثلاثة خيارات، فاما تدفع السلسلة ثم يبحث لاحقا عن مصادر للتمويل، او تدفع مبدئيا هذا الشهر على ان يتوقف الدفع الشهر المقبل اذا لم يتم حل مشكلة الواردات، والحل الثالث هو تعليق السلسلة حتى تأمين الضرائب. وفي ظل الاشتباك السياسي بين رئيس المجلس نبيه بري والرئاسة الاولى بعد «غمز» الاول من «قناة» دوائر القصر الجمهوري واتهامها «ضمنا» بالتأثير في قرار المجلس الدستوري، عبر القول ان قراره لم تأت به «الملائكة»، يتجه وزير المالية علي حسن خليل الى اقتراح «حل» للخروج من «المأزق» في جلسة اليوم من خلال دفع رواتب الموظفين هذا الشهر وفق جداول السلسلة الجديدة، بعدما أنجزت دوائر وزارة المالية هذه الجداول وباتت جاهزة لعملية تحويلها في اوقاتها المعتادة، على ان تقدم الحكومة مشروع قانون بالتعديلات التي طلبها المجلس الدستوري في المادّتين 11 و17 في قرار الطعن. وهذا يعني الابقاء على الضريبة المقررة على المصارف وشركات الاموال، وتذهب الحكومة به إلى المجلس النيابي لطلب إقراره، مع وعد من الرئيس بري بعقد جلسة «فورية» لتمرير مشروع القانون....
هذا المخرج ترى فيه تلك الاوساط حلا للمعضلة القائمة خصوصا ان مشكلة «قطع الحساب» التي تحول دون اقرار الموازنة، لا تزال عالقة، لأن تعليق المادة 87 من الدستور لتمرير الموازنة دون قطع الحساب، يبدو دونها عقبات كثيرة في ظل رفض فريق سياسي وازن لهذا الاقتراح، وهي تحتاج اصلا الى ثلثي المجلس لتعليقها. ولذلك اذا كانت «النوايا» السياسية «صافية»، فان الحل القانوني يبدو متاحا، لان الربط بين فرض الضرائب الجديدة واقرار الموازنة، ليس صحيحا، فالسوابق تؤكد ان المجلس النيابي شرع الضرائب بشكل منفصل كما جرى في آخر جلسة تشريعية عندما أقرّ قانون الضرائب على الأنشطة البترولية، وقانون ضريبة القيمة المضافة.
«الكباش» السياسي
في غضون ذلك، يبدو «الكباش» السياسي بين الرئاسة الاولى والثانية طويل الامد، والكل يدرك ان «شهر العسل» بين الطرفين لم يدم طويلا لا قبل دخول الرئيس عون الى بعبدا ولا بعده، لكن الخلاف سيبقى على ملفات داخلية وهو محكوم بسقف تلاق محتوم على السياسة الخارجية، وتدخلات «حليف الحليف» عندما تلامس الامور «الخطوط الحمراء»... لكن الازمة المستجدة في العلاقة بين الرئاستين الاولى والثالثة لها ابعاد أخرى وستحتاج الى مقاربات جديدة مع الرئيس الحريري بعد عودة رئيس الجمهورية من فرنسا. واذا كان وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق قد تولى رفع السقوف السياسية باتهامه وزير الخارجية جبران باسيل بخرق البند الثالث من التسوية الرئاسية بعد لقاء نظيره السوري وليد المعلم في نيويورك، فان اوساط تيار المستقبل لا تتوقع ان تذهب الامور مع رئيس الجمهورية الى حد «القطيعة» او الازمة المفتوحة التي تهدد الاستقرار السياسي في البلاد، لكن الحريري عاتب على الرئيس لاتخاذه خطوة علنية على هذا القدر من الاهمية دون التشاور مسبقا مع رئيس الحكومة، مع العلم انه يعرف ان قنوات الاتصال «غير الرسمية» مفتوحة مع الجانب السوري، وينتظر رئيس الحكومة عودة الرئيس لوضع الامور في «نصابها».
في المقابل، تشير اوساط التيار الوطني الحر الى ان حديث وزير الداخلية عن خروج الوزير جبران باسيل عن مقتضيات التسوية الرئاسية، كلام لا معنى له في السياسة، فلبنان ليس جزيرة معزولة عن محيطه، والتطورات تفرض ادخال تعديلات على بعض ما تضمنته هذه التسوية، دون اسقاطها، ثمة ثوابت داخلية لم يتخل الرئيس والتيار الوطني الحر عنها ولن يفعلا ذلك، وجود الرئيس الحريري على رأس الحكومة يمثل اهمها، كما يعرف تيار المستقبل ان الكثير من الملفات لا تشكل قناعة لدى الرئيس، لكنه وافق عليها «لحماية» «التيار الازرق»، وملف الانتخابات خير شاهد على ذلك، وكذلك الكثير من التعيينات.
«لا شروط سورية»
ومن هنا تتوقع تلك الاوساط، ان تشهد المرحلة المقبلة نقاشا سياسيا حول معنى «النأي بالنفس» في ظل التطورات المتسارعة في سوريا، لا توجد رغبة لدى رئيس الجمهورية وفريقه السياسي في احراج رئيس الحكومة ودفعه الى خطوات «شخصية» هو غير قادر على اتخاذها الان، ولكن هذا لا يعني ان لا يتم البحث عن ايجاد حل لازمة النزوح... ووفقا للمعلومات فان لقاء باسيل - المعلم جاء ترجمة لنقاشات معمقة ذات طابع غير رسمي قام بها وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية بيار رفول في دمشق، وتبين خلالها ان الجانب السوري ليس في صدد المطالبة بأثمان سياسية من الجانب اللبناني، ويتفهم طبيعة الظروف الحاكمة لطبيعة التوافق السياسي الذي انتج الحكومة، لكن بحث مسألة اللاجئين يحتاج الى قناة اتصال معينة تقوم بدراسة واقع هؤلاء والبحث في كيفية اعادتهم الى سوريا، وما قام به الوزير باسيل خطوة كانت ضرورية في الشكل تجاه الجانب السوري لإعطاء دفع لهذه القضية التي لا تعتبر خروجا عن سياسة «النأي» بالنفس، فهل ثمة من ينتظر من لبنان اتخاذ موقف من الحرب السورية الان وهي تقترب من نهايتها؟ اللقاء ليس اعلاناً عن الوقوف مع محور ضد آخر، انه سياق طبيعي لمواكبة تطورات لم تعد غافلة على احد، ولم تعد سياسة الانكار تفيد في هذا السياق، ومن مصلحة رئيس الحكومة ان يتولى الرئيس هذه المهمة كي يرفع عنه حرجا داخليا وخارجيا...
الجمهورية :
الحكومة أمام الخيار الصعب، إمّا ان تكون في قرارها حول سلسلة الرتب والرواتب في مواجهة الناس، وثمّة مقدّمة تمهيدية لهذه المواجهة تجلّت في الاضراب الذي شَلّ الادارات امس، او في مواجهة نفسها، عبر خضوعها لامتحان البحث عن مخرج من المأزق الذي وقعت فيه وأوقعت معها البلد كله، جرّاء خطيئة الضرائب التي ارتكبت بحق اللبنانيين واستسهلت فيها مَد اليد على جيوبهم. واللافت في موازاة هذا المأزق، هو الغيوم السياسية التي تولّدت عن قرار المجلس الدستوري، وتراكمت بشكل كثيف ما بين بعبدا وعين التينة، وترافقت مع تبادل قصف غير مباشر في الاتجاهين. هذا في وقت كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يقوم بزيارة دولة الى فرنسا ويلتقي الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي وعد بتنظيم «مؤتمر للمستثمرين لمساعدة لبنان من أجل اعادة إطلاق الاقتصاد»، وأكد «انّ سياسة النأي بالنفس إزاء النزاعات أفضل وسيلة للحفاظ على استقرار لبنان، ولكن كي نتمكّن من حل مسألة النازحين نحن بحاجة الى حل سياسي».
أوّل ما يتبادر الى الذهن في موازاة المأزق الحكومي ربطاً بإبطال الضرائب، هو السؤال: ماذا أمام الحكومة لتفعله؟ هل ثمة مخرج فعلاً؟ وماذا لو تعذّر الوصول اليه؟
وما العمل في هذه الحالة؟ ثم لنفرض ان وُجد هذا المخرج، فأين يقع؟ وايّ باب يمكن ان تَلج منه الحكومة لتعويض النكسة التي مُنيت بها بتطيير المجلس الدستوري السلة الضريبية، ووضعتها تحت ضغط الناس والموظفين والخزينة العاجزة عن تغطية أكلاف السلسلة؟
هو ثقل إضافي يصيب الحكومة، في وقت هي مأزومة أصلاً في العلاقات المشتعلة بين مكوناتها، وها هي تداعيات اللقاء بين وزير الخارجية جبران باسيل بنظيره السوري وليد المعلّم مستمرة، وتكشف مزيداً من التفسّخ الحكومي ربطاً بالسجال الساخن بين حليفي «التسوية الرئاسية»؛ أي تيار «المستقبل» و«التيار الوطني الحر».
البديهي في هذا الوضع المحيّر سياسياً، والدقيق مالياً وشعبياً، افتراض انّ الحكومة ستدخل الى مجلس الوزراء وفي يدها حبل النجاة من هذا المأزق، الّا انّ هذه الفرضية تندرج في سياق التمنّي لا أكثر، خصوصاً انّ الحكومة نفسها ومنذ تشكيلها الى اليوم لم تقدّم دليلاً واحداً على أنها تملك القدرة على ابتداع الحلول المطلوبة والموضوعية للقضايا الشائكة.
فضلاً عن انّ الاجواء الحكومية السائدة عشيّة جلسة مجلس الوزراء المقررة اليوم، تَشي بارتباك واضح، وضغط كبير تتعرّض له من التحركات المطلبية التي بدأت بإضراب في الادارات أمس، وتستكمل اليوم بإضراب عام. وكذلك ضغط سياسي لبدء السير بقانون السلسلة.
وبرز في هذا السياق مطالبة رئيس مجلس النواب نبيه بري الحكومة بتطبيق القانون، الّا انه غَمز من قناة المجلس الدستوري بطريقة بالغة الدلالة وتنطوي على اتهامات مبطّنة حينما قال: «انّ حكم المجلس الدستوري لم تأت به الملائكة».
إذاً، على قرار الحكومة في شأن السلسلة اليوم، تَتحدّد صورة البلد. وبحسب الاجواء السائدة فإنّ المخرج المتداول عشيّة الجلسة هو عدم التسبّب بإشعال فتيل الشارع الذي يمكن في حال انفجر بتحركات واعتصامات، ان يخلق تطورات غير متوقعة ويمكن ايضاً ان تذهب الامور الى ما لا تحمد عقباه.
وتبعاً لذلك، فإنّ المخرج المرجّح هو التأكيد على تنفيذ قانون السلسلة ودفع الرواتب للموظفين آخر الشهر الجاري على أساسها، خصوصاً انّ وزير المالية علي حسن خليل اكّد انه أعدّ جداول الرواتب وفق السلسلة الجديدة.
امّا الضرائب فيؤخذ شهر تشرين الثاني المقبل فرصة لإيجاد وتحديد مصادر تمويل السلسلة، علماً انّ خبيراً اقتصادياً قال لـ«الجمهورية»: «كل القضايا التي أشار اليها قرار المجلس الدستوري يمكن ان تقارب بموضوعية كلية وتحلّ بـ 48 ساعة في مجلس النواب».
الجرّاح
وتحدث وزير الاتصالات جمال الجرّاح «عن سيناريوهات عدة مطروحة حول قانون السلسلة الذي اصبح نافذاً، وقد اكد الرئيس سعد الحريري على نفاذه وعلى حق الموظفين بالسلسلة».
وقال لـ«الجمهورية»:»يُدرس حالياً إمكانية ان تدفع وزارة المال الرواتب على الاساس الجديد، وما هي انعكاساتها المالية، وان يتم الاخذ في الوقت نفسه بملاحظات المجلس الدستوري ويعاد صياغة القانون ويرسل الى المجلس النيابي.
وهنا يوجد خياران: امّا ان يرسل بقانون منفصل الى المجلس النيابي يأخذ في الاعتبار ملاحظات المجلس الدستوري، او يُضمّن الموازنة ويُقرّ ضمنها. طبعاً كل سيناريو أمامه بعض العقبات التي تجري محاولات لتذليلها».
ولدى سؤاله: هل يمكن القول انّ الحل سيتولّد عن مجلس الوزراء اليوم؟ اجاب الجرّاح: «إن شاء الله».
قانصو لـ«الجمهورية»
وقال الوزير علي قانصو لـ«الجمهورية»: انّ «مجلس الوزراء سيستكمل اليوم النقاش الذي بدأناه في جلسة الاحد، وكان هناك توجّه بأن تصرف وزارة المال رواتب هذا الشهر على أساس السلسلة شرط ان تكون القوى السياسية مستعدة وعندها ارادة بأن تُنجز إعادة صياغة المداخيل على ضوء ملاحظات المجلس الدستوري، وان تنجز الموازنة وقطع الحساب خلال مدة أقصاها شهر.
اي الدولة تستطيع ان تتحمّل تبعات السلسلة لشهر، وبالتالي بتنا معنيين بأن نرتّب المسائل التي اثارها المجلس الدستوري خلال شهر اذا شئنا التمكّن من الصرف بشكل دائم تبعات السلسلة، والّا تكون الحكومة استطاعت ان تصرف شهراً لا غير».
«التيار»
وأكدت مصادر «التيار الوطني الحر» لـ»الجمهورية» على ضرورة «وضع قطع الحساب والموازنة أولاً، والتي يجب ان تتضمّن كل الايرادات والنفقات بما فيها أي مواد ضريبية يتمّ التوافق عليها والاعتماد على الوَفر المحقق في لجنة المال والموازنة من ضمن الايرادات المطلوبة لتمويل السلسلة».
وشدّدت المصادر على «احترام مبدأ شمولية الموازنة وقطع الحساب المدقّق حسب الأصول من ديوان المحاسبة بموجب المادة ١٩٥ من قانون المحاسبة العمومية، وذلك وفقاً لِما جاء ايضاً في متن قرار المجلس الدستوري، على ان يطرح ايّ تعديل على المواد الضريبية من ضمن الموازنة وليس من خلال قانون مستقلّ، لأنه لا حاجة لذلك طالما أنّ مشروع الموازنة موجود في المجلس النيابي».
السراي
وقالت مصادرالسراي الحكومي لـ«الجمهورية»: «الإتصالات التي تكثّفت على أكثر من مستوى انتهت الى عدد من المخارج التي يمكن القيام بها حكومياً ونيابياً، بعدما سقطت بعض النظريات التي قادت الى سجالات متناقضة في جلسة الأحد الفائت».
وأشارت الى «انّ المساعي التي بذلت وشارك فيها عدد من الخبراء الدستوريين والاقتصاديين، قَلّصت هوامش الخلافات وباتت المخارج المطروحة أقرب الى الواقع».
وأكدت «انّ الحديث عن تجميد تطبيق القانون 46 الخاص بالسلسلة لشهر او شهرين تمّ تجاوزه، والحكومة لن تقدم على هذه الخطوة لأنها ليست هي من تمتلك الصلاحية بذلك، بل مجلس النواب».
البلد مشلول
وحذّر خبير اقتصادي من لجوء الحكومة الى المماطلة، أو ذهابها الى خطوات غير مدروسة لأنها قد تستولد ردود فعل سلبية. وقال لـ«الجمهورية»: «الحلول لا يمكن ان تنتظر اياماً او اسابيع، والحاجة ماسّة للبَتّ بها اليوم قبل الغد، خصوصاً انّ الحكومة ومعها الأجهزة الأمنية المختصة اختبرت رَدّ فعل الشارع والنقابات حتى تلك التي تجاري السلطة سياسياً وحزبياً، وها هي امام جولة جديدة اليوم مع إضراب شامل بالتزامن مع جلسة مجلس الوزراء قبل ظهر اليوم».
ومن المتوقع ان تشهد ساحة رياض الصلح تحركات شعبية، ويستمر الاضراب في الادارات العامة والمدارس الخاصة والرسمية والمصالح المستقلة، علماً انّ يوم أمس شهد التزام الادارات العامة والمستشفيات والمدارس الحكومية وبعض المدارس الخاصة بقرار الاضراب الصادر عن الاتحاد العمالي العام وهيئة التنسيق النقابية.
وسُجّل أمس اكثر من موقف من الهيئات النقابية في القطاعات كافة، يدعو الى الاستمرار في الاضراب ويرفض اقتراح تعليق العمل بالسلسلة لمدة شهر.
الضرائب موضع نزاع
وبرزت مواقف متناقضة لطرفي الانتاج والعمّال وأرباب العمل حيال الضرائب. واذا كان الطرفان سلّما بضرورة وجود ضرائب لتغذية الخزينة، فإنّ لكلّ طرف لاءاته في نوعية الضرائب المطلوبة.
وفي حين تطالب الهيئات الاقتصادية بضرائب لا تؤذي الدورة الاقتصادية، ولا تتضمّن ازدواجاً ضريبياً، يصرّ الاتحاد العمالي على عدم المساس بالفئات الشعبية التي طالبت بإلغاء كل الضرائب التي طالتها في المشروع السابق، بما فيها ضريبة القيمة المضافة.
وقال رئيس الاتحاد العمالي بشارة الاسمر لـ«الجمهورية» انّ الاتحاد «يؤيّد فرض الضرائب على الفئات المقتدرة وعلى الريوع الكبيرة من مصارف وشركات مالية وعقارية ورؤوس الاموال التي سَطت على الأملاك البحرية والنهرية».
ورفض رفضاً قاطعاً ما يتمّ اقتراحه حالياً حول رفع الضريبة على القيمة المضافة الى 12 في المئة، معتبراً انّ النقاش حول الضرائب اليوم هو تهرّب من دفع السلسلة هذا الشهر. (تفاصيل ص 12)
عون في الايليزيه
من جهة ثانية، بدأ الرئيس عون زيارة دولة الى فرنسا إلتقى في مستهلّها الرئيس الفرنسي في قصر الايليزيه، وأجريا محادثات عقدا بعدها مؤتمراً صحافياً مشتركاً، شدّد خلاله ماكرون على انّ «لبنان يجب أن يبقى نموذجاً للتعددية والديموقراطية»، ونَوّه بـ»التقدم الذي أنجز في لبنان منذ انتخاب رئيس».
واذ لفت الى انّ «رئيس الحكومة سعد الحريري يعمل بشكل فعّال لإعادة إطلاق الاقتصاد اللبناني»، أشار الى انّ «لبنان واجه مثل فرنسا ضربات كبيرة من الارهاب»، وحَيّا صمود الجيش اللبناني، مُعلناً عن قرار فرنسي بـ«تعزيز وتقوية الدعم للبنان»، قائلاً: «سنستجيب لحاجات الاجهزة الامنية اللبنانية من أجل تقديم معرفتنا وخبرتنا في مكافحة الارهاب».
وتوجّه ماكرون الى عون بالقول: «فرنسا بحاجة الى دولة قوية في لبنان وهي تشجّع ذلك، وانتخابكم في هذا الخصوص مهم»، وتابع: «لبنان يحمل اليوم عبئاً كبيراً وثقيلاً بسبب أزمة النازحين ونريد العمل بشكل فعّال حول هذه المسألة، والسلطات اللبنانية تثبت عن التزام وشعور أخلاقي كبير، لكن نريد إيجاد حل سياسي للأزمة السورية».
وقال: «نودّ أن نعمل لتنظيم مؤتمر للمستثمرين لمساعدة لبنان من أجل اعادة إطلاق الاقتصاد»، مشدداً على انّ «الحفاظ على سياسة النأي بالنفس إزاء النزاعات أفضل وسيلة للحفاظ على استقرار لبنان، ولكن كي نتمكن من حل مسألة النازحين نحن بحاجة الى حل سياسي».
من ناحيته، أعلن الرئيس عون انّ «الجيش الاسرائيلي يستمرّ في انتهاك الاراضي اللبنانية»، لافتاً الى انّ «تطبيق القرار 1701 أولوية بالنسبة للبنان للحفاظ على السلام في المنطقة». وأكّد «ضرورة تنظيم عودة النازحين الى بلادهم لا سيما أنّ معظم المناطق في بلادهم أصبحت آمنة»، لافتاً الى انه «يجب أن تتمكن الأمم المتحدة من الوصول الى حلّ والعمل على عودة النازحين الى بلادهم إبتداءً من الآن».
وأعلن الرئيس عون أنه وجّه دعوة الى الرئيس الفرنسي وزوجته لزيارة لبنان في الربيع المقبل.
اللواء :
على طاولة مجلس الوزراء قبل ظهر اليوم قرارات مهمة تتعلق برواتب موظفي القطاع العام، سيعرضها ويطالب بها وزير المال علي حسن خليل.
فقد علمت «اللواء» ان من أبرز هذه القرارات:
1- دفع الرواتب وفقاً للجداول الجديدة على أساس سلسلة الرتب والرواتب التي تضمنها القانون رقم 46.
2- طلب سلفة خزينة، توفّر التغطية المالية للسلسلة، ريثما يعاد النظر بقانون الضرائب المبطل..
3- ويأتي هذان الاجراءان أو القراران في ضوء حزمة إجراءات أخرى تلي ذلك، وتتصل بالعمل المشترك بين الحكومة والمجلس النيابي، في ضوء تأكيد رئيس المجلس النيابي نبيه برّي ان قانون السلسلة صدر وينبغي ان تنفذه الحكومة وتوفير التمويل اللازم لذلك.
وفي ضوء القرارات اليوم، يمكن لوزارة المال إصدار تحويلات صرف الرواتب، إلى المصارف بدءاً من اليوم أو غداً، مما يجنب تأخير الرواتب وتفاقم الوضع.
وإذا ما سارت الأمور على هذا النحو، فإن اقتراح تعليق السلسلة لمدة شهر أو شهرين يكون سحب من التداول.
وأبدت مصادر سياسية رفيعة المستوى ارتياحها لخطوة وزير المال علي حسن خليل بدفع رواتب الموظفين على اساس سلسلة الرتب والرواتب الجديدة، وتوقعت المصادر ان يتخذ مجلس الوزراء اليوم قرارا ضمن هذه الروحية تريح الشارع، وكشفت هذه المصادر عن حركة اتصالات ومشاورات كثيفة جرت بعيدا عن الاعلام من اجل الوصول الى حل للمأزق المالي.
وتساءلت المصادر عن سبب تمسك واصرار النقابات النقابية بالنزول الى الشارع والقيام باعتصامات وتظاهرات قبل معرفة القرار الذي سيتم اتخاذه خلال جلسة مجلس الوزراء ودعت الى التروي وعدم التصعيد وعدم استغلال الشارع.
الا ان مصادر أخرى، اشارت إلى ان خيار تعليق السلسلة إلى وقت محدود جداً، وإرسال مشروع قانون جديد للضرائب معدلة، ريثما يتوفر التمويل للسلسلة بصورة دائمة، لتجنب الخطر اليوناني.
ومن شأن القرارات المتوقعة اليوم ضمن المسار الإيجابي ان تنهي الحراك الوظيفي - النقابي في الشارع، وتعدل هيئة التنسيق النقابية عن الإضراب المفتوح الذي تزمع تنفيذه، في حال كان مسار مجلس الوزراء سلبياً، أو تأجيلياً، وهي تعتصم اليوم، بدعم من الاتحاد العمالي العام قبالة السراي الكبير حيث يجتمع مجلس الوزراء.
أزمة السلسلة
سياسياً، عدا عن اللقاءات القليلة التي عقدها في السراي الحكومي، بقي الرئيس الحريري متابعاً للاتصالات الجارية لمعالجة تداعيات قرار المجلس الدستوري بوقف تنفيذ قانون الضرائب الممولة لسلسلة الرتب والرواتب، على إيقاع أصداء الاعتصامات والاضرابات التي عمت مختلف القطاعات النقابية والعمالية والتربوية، ومعلومات الأجهزة الأمنية التي توقعت احتمال تحريك الشارع بموجة من التظاهرات اليوم بالتزامن مع جلسة مجلس الوزراء، وهو أكّد لزواره أمس، ان الأولوية لديه هي لإقرار الموازنة وتمويل السلسلة لضمان الاستقرار المالي والنقدي في لبنان.
وفي الاطار نفسه، دعت مصادر وزارية متابعة للموضوع الى «الانتظار ساعات قليلة ليتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود، حول الاجراءالذي ستتخذه الحكومة والكتل النيابية لايجاد البدائل القانونية والدستورية للقانون الذي أبطله المجلس الدستوري، واكدت ان اي طرف في الحكومة ليس ضد تنفيذ السلسلة لأنهاحق لا يستطيع احد الخروج عنه، وما أعلن بعد جلسة الحكومة الاحد هو التوجه والقرار الذي اتخذناه بالاجماع، ولننتظر الى جلسة الغد (اليوم) لنعرف الوجهة التي ستتخذ».
وقال الوزير محمد فنيش لـ»اللواء» ردا على سؤال حول متى وكيف سيتم دفع الرواتب وفق مترتبات السلسلة؟: لا جواب حتى الان قبل تعديل قانون الضرائب، وهناك امور كثيرة بحاجة الى بحث ولن ندخل في التفاصيل، المهم ان رواتب السلسلة ستدفع بمفعول رجعي من تاريخ اقرارها في 21 اب ولو تأخر الدفع قليلاً، وقال: هناك من يعمل في وزارة المالية على وضع التعديلات على قانون الضرائب ليكون منجزا في اقرب وقت، وربما يعرضه علينا وزير المال في الجلسة اذا تم الانتهاء منه.
وبالفعل، أعلن المكتب الاعلامي لوزير المالية علي حسن خليل عصر امس، «أن الوزارة حضرت جداول دفع الرواتب وفق السلسلة الجديدة التزاما منها بالقانون النافذ، وانه سيؤكد هذا الأمر في جلسة مجلس الوزراء غدا(اليوم).كما أنجز وزير المالية التعديلات المتعلقة بالضرائب التي أشار اليها قرار المجلس الدستوري تمهيدا لإقرارها وفق الاصول.
وقال نائب رئيس الحكومة وزير الصحة غسان حاصباني لـ«اللواء»: سننتظر ما سيتم عرضه علينا في جلسة مجلس الوزراء، لكني ارى ان حل المشكلة هو بيد مجلس النواب لا الحكومة، فهومن يجب ان يضع قانون الضرائب من ضمن الموازنة، حتى لا يحصل طعن مجددا بالقانون، عدا عن ان المشكلة الاكبر التي تعيق إقرار الموازنة هي موضوع قطع الحساب للموازنات القديمة وما لم يجرِ حل هذا الموضوع فمن الصعب ان تمرالموازنة.
واضاف: لذلك نقول انه كان من الافضل لواننا عملنا منذ البداية وفق الدستور والقانون بدل التوافق السياسي الذي قد لا يدوم ويكون عرضة للطعن او المساءلة.فلنطبق الدستور اولاً.
في هذا الوقت، برز إلى الواجهة السياسية ما يشبه «الكباش» بين الرئاستين الأولى والثانية، أعطى انطباعاً للبعد السياسي للطعن بالقانون الضريبي، فيما أعلن الرئيس ميشال عون في الطائرة التي اقلته من بيروت إلى باريس، ان السلسلة ستطبق، وإذا حصل بعض التأخير التقني فيها سيتم استدراكه في وقت لاحق من خلال الاعتمادات المتوافرة لدى وزارة المال، ألمح الرئيس نبيه برّي إلى تسييس المجلس الدستوري، بقوله ان «حكم الدستوري لم تأتي به الملائكة»، مشيرا إلى ان المجلس النيابي هو الذي يسن القيود دستوريا وليس من يشن عليه القيود، الا إذا أصبحت مخالفة الدستور قضية فيها نظر».
وكشف موقف الرئيس برّي ميلا صريحا إلى معارضة توجه الحكومة إلى تعليق العمل بقانون السلسلة باعتبار ذلك خروجاً على النظام الدستوري، وكذلك إلى الربط بين قانون السلسلة والموازنة العامة، مثلما يرى ذلك الرئيس عون ومعه المجلس الدستوري بينما يراه برّي من قبيل التعمد لوضع العراقيل امام تنفيذ قانون نافذ، لا يمكن إيقاف تنفيذه الا بقانون.
عون في باريس:
ذكريات المنفى
وكان الرئيس عون، وصل إلى باريس ظهر أمس، بادئاً زيارة دولة تستغرق أربعة أيام، أعادت إلى الأذهان، ذكريات المرحلة التي امضاها في المنفى الباريسي قبل 26 عاما، وما تخللها من محطات وعلاقات مع الرؤساء الفرنسيين السابقين، إلى ان تكرست في 25 أيلول 2017 بين رئيسين للجمهورية بين البلدين الصديقين.
وبدا الرئيس عون، في اليوم الأوّل من الزيارة والذي كان حافلا بمحطات الاستقبال الرسمي والتكريم مرتاحا لحفاوة الاستقبال، بما يتلاءم مع عنوان الزيارة ومع المحادثات التي أجراها مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في قصر الاليزيه، سواء الثنائية حيث امتدت الخلوة لنحو ساعة ووصفت بأنها «ممتازة» أو الموسعة والتي شارك فيها وزير الخارجية جبران باسيل لدى وصوله مباشرة من لاس فيغاس في الولايات المتحدة، إلى جانب أعضاء الوفد المرافق.
وكشف مصادر الوفد لمندوبة «اللواء» ان موضوع النازحين السوريين تصدّر هذه المحادثات إلى جانب الوضع في الشرق الأوسط، والعلاقات الثنائية. واتفق على متابعة موضوع النازحين بين وزيري خارجية البلدين لوضع خطة عمل مشتركة مع المنظمات الدولية التي تُعنى بشؤون هؤلاء.
وفهم ان الجانب الفرنسي الذي يتفهم هواجس لبنان الرسمي من تداعيات استمرار هذا النزوح، يرى انه بإمكان لبنان الاستمرار في استضافة النازحين إلى حين توفّر الظروف السياسية والأمنية الضرورية لكي تكون عودة النازحين آمنة. ومعلوم ان الفرنسيين ليس لديهم مبادرة في هذا الشأن باستثناء رعايتهم بمجموعة الاتصال التي أجتمعت في نيويورك وزكت دخول ايران على خط هذا ا لملف، وهم يأملون ان يكون للبنان دور لاقناع الدول المناوئة لإيران بدورها التنسيقي في مجموعة الاتصال، بما يؤدي إلى شبه عملية دمج بين هذه المجموعة والعملية الجارية في استانة، خاصة وأن لبنان مدعو إلى هذا المؤتمر كمراقب.
وفي المؤتمر الصحفي المشترك الذي اعقب المحادثات الموسعة، لفت الرئيس عون الىان الحرب في سوريا باتت قريبة من وضع اوزارها، وأن بوادر الحل السلمي بدأت تلوح في الأفق، مشددا على ضرورة تنظيم عودة النازحين السوريين إلى بلادهم لا سيما وأن مناطقهم باتت آمنة وعلى الأمم المتحدة العمل على ذلك.
لكن مصدرا سياسيا في الوفد المرافق لعون، دافع بشدة عن سياسة تطبيع العلاقة مع النظام السوري، في سياق تبرير اللقاء الذي عقده الوزير باسيل مع نظيره السوري وليد المعلم في نيويورك، وقال هذا المصدر: «انتظروا عدّة أسابيع، فالامور إقليمياً ودوليا قابلة للتغيير، والجميع سيتهافت للتنسيق مع النظام السوري.
المشنوق: تحول سياسي
وبطبيعة الحال، فإن موقف الوفد المرافق للرئيس عون، سيكون له صدى سلبي في بيروت متصل بصدى لقاء باسيل - المعلم، والذي اعتبره وزير الداخلية نهاد المشنوق، بدّ زيارته لمفتي الشيخ عبد اللطيف دريان في دار الفتوى، بأنه «يشكل تحولا سياسيا كبيرا وليس خلافا عابرا، مشددا، بما يشبه الرد الضمني على الوزير باسيل، بأن «المصلحة الوطنية يحققها التضامن الحكومي ولا يحققها وزير لوحده، ايا كان هذا الوزير.
الإضراب
نقابيا، شل الإضراب العام البلاد وعطل انطلاقة العام الدراسي الجديد، بالإضافة إلى المدارس الخاصة، بدعوة من هيئة التنسيق النقابية، التي عقدت مؤتمرا صحافيا في مقر نقابة المعلمين، بمشاركة قيادة «العمالي» أعلنت خلاله عن اعتصام اليوم امام القصر الحكومي.
وحذرت الهيئة الحكومة من عدم تنفيذ قانون السلسلة ودفع مستحقات المستفيدين نهاية هذا الشهر على أساس الراتب الجديد. كما حذروا من ان عدم تنفيذ القانون سوف يؤدي إلى إضراب مفتوح يشل جميع القطاعات ومرافق الدولة والمصالح المستقلة وتعطيل العام الدراسي حتى يتم دفع المستحقات كاملة على أساس الراتب الجديد.
الاخبار :
هل صدر أمر عمليات أميركي سعودي لقوى 14 آذار بالعودة إلى توحيد صفوفها، تمهيداً لفتح باب المواجهة مع حزب الله؟ السؤال بات مشروعاً، في ظل التلويح باستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، تارة بذريعة الاحتجاج على اللقاء بين وزير الخارجية جبران باسيل ونظيره السوري وليد المعلم في نيويورك، وما تعتبره هذه القوى «سعياً من رئيس الجمهورية ميشال عون وحلفائه لفرض تطبيع العلاقات مع النظام السوري»، وطوراً بحجة الغضب من قرار المجلس الدستوري الذي أبطل قانون الضرائب، وأشار إلى ضرورة إصدار قطع الحساب عن الأعوام السابقة.
منذ أشهر، بدأت شخصيات بارزة في تيار المستقبل، وأخرى في ما كان يُعرف بفريق 14 آذار، تروّج معلومات تفيد بأن أوان إسقاط الحكومة قد اقترب. وتربط هذه الشخصيات في أحاديثها مصير الحكومة بقرار أميركي ـــ سعودي ـــ إماراتي يقضي بفرض عقوبات على لبنان، بذريعة محاصرة حزب الله. وترى هذه الشخصيات أن القرار الأميركي لن يسمح بأي مهادنة، وسيطلب من الحريري مواجهة حزب الله. وفي هذه الحالة، لن يكون أمام الحريري سوى خيارين: إما مواجهة حزب الله، وبالتالي فرط الحكومة؛ وإما عدم المواجهة، وتالياً التنحي عن رئاسة الحكومة لترك مهمة المواجهة لغيره.
على هذه الخلفية، أتت أزمة قرار المجلس الدستوري، وما تبعها من إعادة فتح النقاش حول ما يوجبه الدستور لجهة تبرئة ذمة الحكومات المتعاقبة لما أنفقته من أموال بلا سند قانوني.
وهذا التوجه يصيب بالدرجة الأولى فريق الحريري، وعلى رأسه الرئيس فؤاد السنيورة. وبحسب مصادر معنية بالأزمة المالية الدائرة حالياً، فإن الحريري يريد حماية فريقه، تماماً كما فعل مع الرئيس تمام سلام والقائد السابق للجيش العماد جان قهوجي، عندما أصرّ رئيس الجمهورية على إجراء تحقيق شامل بأحداث عرسال. وتلفت هذه المصادر إلى أن الحريري يرفع سقف التحدي إلى مداه الأقصى، بهدف حماية السنيورة، عبر تلويح مقرّبين من رئيس الحكومة بإمكان أن يدفعه هذا الأمر إلى الاستقالة.
التصعيد الأبرز يأتي بسبب العلاقة مع سوريا. فقوى 14 آذار عادت في خطابها السياسي في اليومين الماضيين إلى ما كانت تعتمده في سنوات الأزمات، بعد عام 2005، كما لو أن التسوية الرئاسية لم تُعقد، وأن حكومة الحريري الثانية لم تبصر النور. ويبدو واضحاً أن هذه القوى، على رأسها تيار المستقبل والقوات اللبنانية، تهوّل على رئيس الجمهورية ميشال عون، بهدف تطويقه، ومنعه من الالتزام بسياسة فيها الحد الأدنى من الاستقلالية والحرص على مصالح لبنان. فمن جهة، عادت نغمة التحذير من الاغتيالات السياسية إلى التداول في الصالونات السياسية للقوات والمستقبل، لتصوير أن لقاء وزيري خارجية لبنان وسوريا، الهادف إلى البحث عن حل لأزمة النازحين، سيؤدي إلى عودة الاغتيالات! ومن جهة أخرى، ورغم أن الزيارة الخارجية الأولى لعون بعد انتخابه كانت للمملكة العربية السعودية، ورغم إعلانه سابقاً أنه سيلبّي الدعوة الإيرانية التي وجّهت له لزيارة طهران، بدأ القواتيون والمستقبليون التحريض على رئيس الجمهورية، من خلال القول إن تلبيته للدعوة الإيرانية تعني ارتماءه في الحضن الإيراني. كذلك ترفع قوى 14 آذار من صوتها لمنع أي حل لأزمة النازحين السوريين، التزاماً منها بالسياسة السعودية والغربية في هذا المجال، والتي تريد استغلال قضية المهجرين السوريين في أي مفاوضات على مستقبل سوريا. وقد عبّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس عن هذه السياسة، في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده مع عون في باريس. ففي مقابل تأكيد الأخير ضرورة تسهيل العودة الآمنة للنازحين، ربط ماكرون هذه العودة بـ«حل سياسي مقنع»، ما يعني أن على لبنان تأجيل البحث في هذه القضية إلى ما بعد انتهاء الحرب على كامل الأراضي السورية، والتوصل إلى نتيجة يرضى عنها الغرب. وفي هذا الإطار أيضاً، بدا لافتاً تأكيد ماكرون «أن فرنسا اليوم تعتبر أن تمسك الحكومة (اللبنانية) بسياسة النأي بالنفس هو أفضل طريق للحفاظ على استقرار لبنان ومن أجل العمل على معالجة أزمة النازحين والإرهاب». والنأي بالنفس في القاموس الغربي، يعني عدم التواصل الجدي مع دمشق.
خلاصة ما تقدّم أن ثنائي الحريري ــ سمير جعجع بدأ بتنفيذ خطة سياسية تحمل في طياتها عدداً من الأهداف، أبرزها خمسة: محاولة فرض سياسة خارجية على رئيس الجمهورية تراعي مطالب واشنطن والرياض؛ منع أي محاسبة حقيقية، سواء في أحداث عرسال أو في المالية العامة؛ تمهيد الطريق أمام مواجهة حزب الله في الداخل اللبناني؛ بدء التحضير للانتخابات النيابية بخطاب سياسي حاد، بعدما أفقدها التفاهم الرئاسي والحكومي كل أدوات التحريض التي استخدمتها منذ عام 2005؛ أو... تطيير الانتخابات النيابية المقبلة.