يبدأ الرئيس اللبناني ميشال عون الإثنين، زيارة دولة تستمر ثلاثة أيام إلى فرنسا، تاركًا خلفه توترًا متصاعدًا بين أركان عهده على خلفية تصريحاته في الفترة الأخيرة المدافعة عن حزب الله واللقاء المثير للجدل بين وزير الخارجية جبران باسيل ونظيره السوري وليد المعلم على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
وتوقعت أوساط سياسية لبنانية لصحيفة "العرب" أن يكون ملفا النازحين السوريين وتسليح الجيش اللبناني في صدارة أولويات عون في هذه الزيارة التي تعد الأولى منذ تسلم إيمانويل ماكرون سدة الرئاسة في مارس الماضي.
وكان عون قد قدم إشارات على أنه سيركز في الفترة المقبلة على إنهاء ملف النازحين السوريين الذين ارتفع عددهم إلى أكثر من مليون ونصف لاجئ ، وعلى ما يبدو سيسعى خلال زيارته إلى إقناع باريس بضرورة دعمه لتحقيق هذا الهدف الذي يرى أنه لا يمكن أن يتحول إلى أمر واقع من دون التنسيق مع النظام السوري.
وهناك مخاوف لدى بعض الأطراف وعلى رأسهم الرئيس اللبناني وحزبه التيار الوطني الحر من إمكانية توطينهم، الأمر الذي يعتبرونه تهديدًا وجوديًا بإعتباره سيكرس التفاوت الطائفي في هذا البلد، خاصة وأن معظم النازحين هم من الطائفة السنية.
وعلى الرغم من وجود إجماع لبناني على ضرورة إعادة النازحين السوريين إلا أن هناك إنقسامًا كبيرًا حول الجهة التي وجب التنسيق معها لإيجاد حل لهذه المعضلة حيث يتبنى شق يقوده تيار المستقبل والقوات اللبنانية واللقاء الديمقراطي الطرح القاضي بحصرية التنسيق في هذا الملف مع الأمم المتحدة، وشق آخر يتصدره حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر يرى أنه لا بد من التعاون مع دمشق لفضه.
ولكل من هذه الأطراف أسبابها في التمسك بمواقفها، فتيار المستقبل على سبيل المثال يرى أنه لا يمكن الإنفتاح بالمرة على نظام هو السبب الأصلي في فرار مئات الآلاف من السوريين إلى لبنان، وبالتالي إعادتهم دون أن تكون هناك ضمانات أممية تمنع الخطر على حياتهم خاصة وأن معظمهم من المعارضين لنظام الرئيس بشار الأسد.
أما التيار الوطني الحر والرئيس عون فيجدان أن التنسيق مع دمشق من شأنه أن يسرع في إعادة النازحين، خاصة وأن النظام اليوم بات يسيطر على مساحات واسعة من سوريا، فضلا عن أن انتظار الأمم المتحدة يكاد يكون ميؤوسا منه، في ظل اعتقاده بوجود أطراف دولية تسعى لتوطين السوريين في إطار التسوية النهائية للأزمة.
وفي هذا الإطار أتى اللقاء المثير للجدل لوزير الخارجية جبران باسيل الذي يتولى أيضا رئاسة التيار البرتقالي مع نظيره السوري وليد المعلم في نيويورك، حيث يرجح مراقبون أن يكون اللقاء قد ركز على مسألة النازحين، وأدى هذا اللقاء إلى تصاعد حدة التوتر بين القوى المشكلة للحكومة اللبنانية، حتى أن وزير الداخلية نهاد المشنوق اعتذر على مرافقة عون إلى باريس ردا على هذا اللقاء الذي وصفه بالإعتداء السياسي.
ويعتقد الرئيس عون أن نظيره الفرنسي يستطيع أن يتدخل في ملف النازحين، خاصة وأنه تربطه علاقات قوية مع القوى اللبنانية المناهضة للتنسيق مع دمشق أو التطبيع معها وفي مقدمتها تيار المستقبل ورئيس الوزراء سعد الحريري، فتيار المستقبل لا يمكنه الإنفتاح بالمرة على نظام هو السبب الأصلي في فرار مئات الآلاف من السوريين إلى لبنان.
وأبدت فرنسا تغيرًا في التعاطي الدبلوماسي مع الملف السوري، حيث صرح الرئيس إيمانويل ماكرون في أكثر من مناسبة أن الرئيس بشار الأسد لا يشكل تهديدا لفرنسا، ولا يرى ضرورة في وضع رحيله شرطًا لإطلاق عملية سياسية جادة لإنهاء الصراع في هذا البلد.
وتقول أوساط لبنانية إن هذا التغير يشجع بالتأكيد عون على طلب يد المساعدة في ملف النازحين، ولِمَ لا حث القوى اللبنانية المناوئة للتنسيق مع دمشق على تغيير موقفها.
وجدير بالذكر أن الحريري كان قد قام بزيارة قبل ثلاثة أسابيع إلى باريس حيث اجتمع بالرئيس الفرنسي وبحث معه التحديات التي تواجه لبنان ومن ضمنها الملف السوري، حيث أعلن ماكرون لدى لقائه الحريري أن فرنسا تريد تنظيم مؤتمر في لبنان مطلع 2018 حول عودة اللاجئين إلى سوريا، وآخر في باريس حول الاستثمارات الدولية في لبنان.
وإلى جانب مسألة النازحين السوريين يتوقع أن يركز الرئيس عون خلال زيارته إلى فرنسا على أهمية دعم لبنان اقتصاديًا وعسكريًا ويرجح أن يلقى استجابة من الجانب الفرنسي الذي لطالما حرص على مر عقود على تعزيز علاقته معه.
وتعكس الإستعدادات لإستقبال الرئيس اللبناني مدى الإهتمام الفرنسي بلبنان، ومن المنتظر أن يقيم ماكرون وليمة على شرف عون بحضور 220 مدعوًا، في أول أيام زيارته.
والثلاثاء يستقبل رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب ووزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان الرئيس اللبناني الذي يرافقه أربعة وزراء، قبل أن يلتقي عون الجالية اللبنانية الكبيرة والمقيمة في فرنسا، كذلك سيلتقي الرئيس اللبناني رئيسي مجلسي النواب والشيوخ ورئيسة بلدية باريس.