برزت أمس مؤشرات جدية الى اشتباك رئاسي، وتحديداً بين رئاستي الجمهورية والحكومة لسببين: الأول، رفض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ترؤس جلسة مجلس الوزراء الاستثنائية أمس للبحث في مصير سلسلة الرتب والرواتب بعد إبطال قانون الواردات الضريبية، ما أعطى انطباعاً بأنّ الرئاسة الأولى ترمي كرة النار في ملعب الرئاسة الثالثة. والثاني لقاء وزير الخارجية جبران باسيل بنظيره السوري وليد المعلّم الذي اعتبره وزير الداخلية نهاد المشنوق «اعتداء صريحاً على مقام رئاسة الحكومة». ويأتي هذا الاشتباك عشيّة غليان الشارع والإضراب العام والشامل الذي ستشهده البلاد اليوم لفَرض دفع الرواتب على أساس السلسلة وعدم ربطها بإقرار قانون جديد للضرائب. وقد إستبق مجلس الوزراء هذا الحراك المطلبي بجلسة استثنائية مسائية في السراي الحكومي برئاسة الرئيس سعد الحريري، إنتهت الى تأجيل القرار في شأن مصير السلسلة الى جلسة جديدة تعقد غداً، وذلك نتيجة تخبّط المجلس في معالجة تداعيات قرار المجلس الدستوري، فانقسم في أكثر من اتجاه وتناقَضَت غايات الافرقاء السياسيين، وكانت النتيجة لا قرار، مُرحّلاً الازمة الى يومين إضافيين، في وقت عَزت مصادر وزارية هذا الترحيل الى مزيد من المشاورات لاتخاذ قرار بالإجماع الذي افتُقِد في جلسة أمس.
بَدت الدولة أمس مُربكة بكل مفاصلها حيال ملف السلسلة، وما زاد في الارباك، الموقف التصعيدي السريع والاستباقي الذي اتخذته الأطراف المعنية بهذا الملف، ما أظهر انّ البلاد تعيش نزاعاً متعدد الوجوه والمستويات:

1 ـ نزاع قانوني بين السلطتين التنفيذية والتشريعية (مجلسا الوزراء والنواب) وبين المجلس الدستوري.
2 ـ نزاع بين مجلس الوزراء ومجلس النواب حول مرجعية تقرير مصير الضرائب وسلسلة الرتب والرواتب.
3 ـ نزاع بين الدولة والنقابات الداعية الى الاضراب.
4 ـ نزاع بين نقابات المعلمين والأهل.


وفي ظل أجواء التخبّط والبلبلة والضياع هذه، إنعقد مجلس الوزراء مساء امس، وتبنّى مجتمِعاً كلام الحريري الذي أكد في بداية الجلسة تصميم الحكومة على تنفيذ السلسلة «فهي مؤتمنة على تنفيذ القوانين والتشريعات التي يسنّها المجلس النيابي، والحكومة مؤتمنة أيضاً على الدستور والمؤسسات، وهي بذلك تحترم قرار المجلس الدستوري بإبطال القانون الذي يموّل السلسلة، والحكومة مؤتمنة كذلك على مصالح كل لبناني وكل لبنانية، ومن أهمها الاستقرار النقدي والمالي الذي يضمن قيمة مداخيل اللبنانيين ومدّخراتهم».

واضاف الحريري: «ضمن هذه المعادلة، نجتمع اليوم (أمس) في جلسة استثنائية لمجلس الوزراء، لوضع خريطة طريق تحلّ المسألة في أسرع وقت ممكن بالتعاون مع المجلس النيابي الكريم».

ورفع الحريري الجلسة لتُعقد جلسة ثانية استثنائية الحادية عشرة والنصف قبل ظهر غد «إستكمالاً للبحث والخروج بقرارات مهمة على هذا الصعيد»، على ما أكّدت المقررات الرسمية التي أُذيعت بعد الجلسة وأشارت الى انّ «الحل سيصدر» إثر جلسة غد.

لا تراجع

وأكدت مصادر وزارية «انّ أجواء الجلسة كانت ايجابية لناحية التفاهم لإيجاد حلول». وقالت لـ«الجمهورية»: «الأهمّ هو انّ كل القوى السياسية أقرّت أن لا تراجع عن دفع السلسلة، لكن من دون ان تهدد المالية العامة». واشارت الى «وجود توافق بين غالبية القوى السياسية على رفض مصادرة صلاحيات المجلس النيابي ودوره في التشريع ودستورية القوانين التي يصدرها».

وأوضحت انه «لم تتخذ قرارات في الجلسة إفساحاً في المجال امام مشاورات جديدة ستشمل الرؤساء الثلاثة ومختلف الكتل النيابية، علماً انّ هناك توجّهاً لدى الحكومة الى إحالة مشروع قانون الى المجلس النيابي يطلب تجميد دفع الرواتب على اساس السلسلة لمدة شهر يُصار في خلاله الى إقرار الموازنة وتأمين الايرادات، إمّا من ضمن الموازنة، وإمّا عبر قانون جديد مع التعديلات تأخذ برأي المجلس الدستوري».

وعلمت «الجمهورية» انّ النقطة الاساس التي انقسم مجلس الوزراء حولها هي، هل تشمل الموازنة قانون الضرائب في اعتبار انّ التفسير الدستوري للمواد 81 و82 و83 لا يفرض ان تكون الضرائب ضمن الموازنة العامة؟

خليل يغرِّد

وبعد جلسة مجلس الوزراء غرّد وزير المال علي حسن خليل عبر «تويتر»، فقال: «السلسلة حق مشروع لكلّ مستحقيها، وعلى الدولة والوزارات المعنية، ونحن منها، أن تنفّذ وتحقّق هذا الحق، إلتزاماً بالمسؤولية تجاه الناس وبنص القانون». وأضاف: «ليسمع الجميع، لن نحيد عن هذا الالتزام. واجبنا أن ندافع عن حقوق الناس وسندافع عنها».

إضرابات

وكان كل من الاتحاد العمالي العام، و»هيئة التنسيق» النقابية، ونقابات المعلمين وروابط الاساتذة أعلنوا الاضراب العام اليوم اعتراضاً على ما وصفوه بتوجّه لدى السلطة لتأجيل تنفيذ قانون سلسلة الرتب والرواتب.

كذلك، باشرت بعض القوى المعترضة تحركاتها مساء أمس لمواكبة جلسة مجلس الوزراء المسائية الطارئة في السراي الحكومي. واعتصم المعترضون في ساحة رياض الصلح.

وقبَيل الجلسة، إلتقى الحريري حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للوقوف على رأيه في الخطوات التي يجب على الدولة ان تتّخذها، فأكّد سلامة بعد اللقاء انه «يجب أن تكون هناك ضرائب لتمويل سلسلة الرتب والرواتب».

كذلك اجتمع الحريري الى ممثلي طرفي الانتاج، فالتقى كلّاً من رئيس غرفة بيروت وجبل لبنان للزراعة والتجارة والصناعة محمد شقير، ورئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر.

وتبيّن انّ الحريري اقترح تأجيل تنفيذ السلسلة لشهر واحد يكون كافياً لتضمين الضرائب في الموازنة. لكنّ الاتحاد العمالي و»هيئة التنسيق» رفضا أي تأجيل، وقررا مواصلة الاضراب المقرّر اليوم، وهددا بمزيد من التصعيد في الايام المقبلة، والبدء بإضراب مفتوح.

عون الى باريس

وإزاء المشهد في الداخل يرتسم السؤال الكبير: أيّ سلطة سيقدّم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لفرنسا التي يستعدّ للسفر اليها اليوم في «زيارة دولة» يرافقه فيها، الى اللبنانية الاولى السيدة ناديا، وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، ووزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية بيار رفول وسفير لبنان لدى فرنسا رامي عدوان ومدير الشؤون السياسية في وزارة الخارجية والمغتربين السفير غادي الخوري، إضافة الى وفد إداري وإعلامي.

ويلتقي عون في باريس الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ورئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه ورئيس الحكومة ادوارد فيليب ورئيس الجمعية الوطنية الفرنسية فرنسوا دو روجي وأركان الجالية اللبنانية.

وعلمت «الجمهورية» انّ المحادثات اللبنانية ـ الفرنسية ستتناول مواضيع عدة، أبرزها:

• إستعراض العلاقات التاريخية والتقليدية بين لبنان وفرنسا وسبل تعزيزها في المجالات السياسية والديبلوماسية والامنية والاقتصادية الثقافية.

• وضع المؤسسات الفرنسية والفرنكوفونية العاملة في لبنان.

• وضع الجالية اللبنانية في باريس.

• دور القوات الفرنسية العاملة في إطار «اليونيفيل» وما أثير أخيراً حول الدور الأميركي لتعديل القرار 1701 ومواجهة فرنسا لهذا الأمر.

• دعم لبنان في موضوع إعادة النازحين السوريين الى بلادهم. وحسب معلومات لـ«الجمهورية»، سيشير الرئيس الفرنسي الى موقف ايجابي حيال موضوع النازحين خلافاً لموقف الرئيس الاميركي دونالد ترامب.

وكان عون أعلن في حديث الى مجلة Valeurs Actuelles الفرنسية انّ لبنان سيبحث مع سوريا في مسألة عودة النازحين، وهناك مشاورات قيد البحث. وأشار الى «انّ أزمة النازحين السوريين يمكن ان تحلّ قبل العام 2018، وهو الموعد الذي حدّده الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للمؤتمر الدولي حول أزمة النازحين».

وستتركّز المحادثات الثنائية ايضاً على دور فرنسا في تزويد الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية عموماً بالسلاح. وهناك إشكالية في هذا المجال، لأنّ فرنسا كانت تقدّم للبنان قليلاً من المساعدات العسكرية في شكل هِبات، وكثيراً بموجب عقود طويلة الأمد.

لكن منذ نحو 3 سنوات ونصف السنة، تعقّد موضوع التزويد الفرنسي للجيش اللبناني كونه ارتبط بهبة المليارات الثلاثة من الدولارات السعودية، ومع سحب السعودية هذه الهبة توقّف التزويد الفرنسي للبنان وعوّضه الأميركيون.

وخلال زيارة عون لباريس سيُبحث في هذا الموضوع من زاويتين:

• اولاً، مدى قدرة فرنسا على تزويد الجيش أسلحة في وقت تبقى إمكانات الموازنة اللبنانية محدودة.

• ثانياً، مدى قدرة فرنسا ولبنان معاً على التعاون لإقناع السعودية بإعادة العمل بهبة الثلاثة مليارات. لكن وبحسب المعلومات، لا توجد بعد مؤشرات الى إمكان ذلك طالما انّ ميزان القوى في لبنان «طابِش» لمصلحة المحور السوري ـ الإيراني، وطالما انّ الموقف السعودي حيال «حزب الله» معروف.

باسيل ـ المعلم
من جهة ثانية ظل لقاء نيويورك بين وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل ونظيره السوري وليد المعلّم يتفاعل في بيروت، وشنّ وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق هجوماً عنيفاً على باسيل، واعتبر أنّ لقاءه بالمعلّم «اعتداء صريح على مقام رئاسة الحكومة، ومخالف لاتفاق وعهد ووعد لم يلتزم به باسيل الذي كان جزءاً أساسياً من التسوية التي أُبرمت». واكّد «أنّ هذا الأمر لن نقبل به في أي ظرف من الظروف ولن يمر بسهولة، وهذا خطّ أحمر لا يمكن تجاوزه».

واعتبر «أنّ هذا الوضع المستجد يتطلّب قراراً سياسياً مماثلاً لمواجهة ما تمّ، وهو موضع تشاور بغية اتخاذ الموقف المناسب خلال أيام قليلة». وقال: «لن نتّخذ قرارات انفعالیة، ونحن حریصون على الكرامة السیاسیة لرئاسة الحكومة أیّاً كان من یشغل منصب رئاسة الحكومة».

وقالت مصادر مراقبة لـ«الجمهورية»: «انّ الامتعاض من لقاء باسيل ـ المعلم جدّي لأسباب عدة، أبرزها انّ باسيل ليس بوزير عادي، بل لديه صفة سياسية وديبلوماسية وليس صفة تقنية. ولقاؤه المعلّم «شرعي» حَظي بغطاء عمّه رئيس الجمهورية المشرف العام على السياسة الخارجية، خلافاً لزيارة وزراء الى دمشق التي سَحب مجلس الوزراء الغطاء الرسمي عنها».

من جهته، ردّ باسيل على منتقدي لقائه مع المعلم من دون أن يسمّيهم، قائلاً عبر «تويتر»: «أيّ لقاء فردي أو ثنائي أو جماعي نقوم به يكون لمصلحة لبنان، ومَن يعتدي على مصلحة لبنان هو من يرفض إخراج النازحين منه».

الإنتخابات
وفي ملف الانتخابات النيابية، أكّد وزير الداخلية أنّ «الانتخابات النيابية المقبلة ستجرى في موعدها، لكن بالتسجيل المُسبق في مكان السكن، لأنّ الوقت ما عاد يسمح بإنتاج بطاقة ممغنطة ولا هوية بيومترية في الأشهر القليلة المتبقية». وقال: «بكل صراحة، بعد أيّام لن يعود من الممكن تنفيذ آلية الهوية البيومترية، لأنّ الوقت القصيرالفاصل لم يعد يسمح، وهناك خلافات بين القوى السياسية لا يبدو أنّها ستنتهي قريباً».

«القوات»
وأكدت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» انّ «اعتماد البطاقة البيومترية في الانتخابات الحالية شبه مستحيل»، وكررت «انّ «القوات» ستتصدى لأيّ تلزيم بالتراضي كما فعلت في جلسة مجلس الوزراء قبل الأخيرة، كذلك ستتصدى لأيّ محاولات تمديدية»، ورأت «انّ التسجيل المسبق يشكّل البديل عن البطاقة التي يجب اعتمادها في انتخابات العام ٢٠٢٢»