كان لافتاً غياب رئيس الجمهورية ميشال عون عن حفل الاستقبال الذي أقامه الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وفي وقت يوضح الفريق القريب من عون أن غيابه يعود لأسباب لوجستية، هناك من يعتبر أن الأسباب سياسية، تتعلّق بعدم تحديد ترامب موعداً للقاء عون، وربما عدم توجيه دعوة له لحضور هذا الحفل. ويعتبر هؤلاء أن ترامب لا يريد اللقاء بعون لأنه حليف لإيران وحزب الله، ولأنه يحمل شعار ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة. فيما هناك من يعتبر أن عون هو الذي رفض الحضور، لتجنب أي موقف تصعيدي من قبل ترامب ضد حزب الله.
يتحدث بعض المطّلعين عن أبعاد أكثر من هذه التفاصيل، ويعتبرون أن التسوية التي كانت قد أبرمت مع عون، فشلت أو سقطت، على الأقل بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة. ويعتبر هؤلاء أن عون خاضع لحزب الله، وكيان سلطوي مواز للدولة اللبنانية. بالتالي، يجب التعاطي معه على هذا الأساس في هذه المرحلة. وقد يكون أكثر ما أثار حفيظة الأميركيين، هو كيفية تعاطي الوزير جبران باسيل مع خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وردّه السريع عليه، مع العلم أن ترامب لم يشر في موقفه إلى أي أمر يتعلّق بالتوطين. ويقول المطلعون إن الترجمة الحرفية لكلامه، تعني أنه يقصد تقديم المساعدات للاجئين تمهيداً لإعادتهم إلى بلادهم، وليس توطينهم في المجتمعات التي استقبلتهم.
يأخذ البعض أبعاداً كبيرة لكلام باسيل، والحملة التي رافقت ذلك لبنانياً. ويعتبرون أن من يصر على إشاعة هذا الأمر، والتسويق له، يهدف إلى تطبيع العلاقات مع النظام السوري، على قاعدة مواجهة المسعى الأميركي لتوطين اللاجئين في لبنان وتغيير الواقع الديمغرافي. بالتالي، فإن هذه الحملات تصب في خانة التنسيق مع النظام السوري، لإعادة اللاجئين إلى أراضيهم.
لا ينفصل ذلك، عن تصعيد ترامب، الذي هاجم في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، النظام الإيراني، وألمح إلى استعداده لاتخاذ قرار يقضي بإلغاء الإتفاق النووي مع طهران، لأنه لا يلائم المصالح الأميركية ولا يراعي حلفاء واشنطن. وقد ظهر ذلك في تغريدة ترامب بأنه توصل إلى قرار بشأن الإتفاق النووي مع إيران لكنه لن يفصح عنه. وهذا الكلام، يتلاقى مع تصعيد سياسي ضد طهران، من خلال التأكيدات الأميركية على وجوب تحجيم نفوذها في سوريا ولبنان، بالإضافة إلى وصفها بأنها راعية للإرهاب، أو تشكل وجهه الآخر.
وتؤكد مصادر أميركية لـ"المدن" أن لدى إدارة ترامب وجهتي نظر، الأولى تفيد بضرورة إلغاء الإتفاق النووي مع إيران تمهيداً لمواجهتها وتحجيم نفوذها وسحب أي شرعية دولية منها، والثانية ترى الإبقاء على الإتفاق النووي، لأنه لا يتعلق بأميركا فحسب. ولكن، مقابل تحجيم نفوذ إيران الإقليمي، وضرب حلفائها وأجنحتها العسكرية بما فيها حزب الله. وتعتبر المصادر أن الخيار يميل نحو الرأي الثاني. وهذا ما قد يحصل في الفترة المقبلة، خصوصاً في إطار التحركات الأميركية بين سوريا والعراق.
ولا تخفي المصادر أن هناك جدلاً بشأن دور موسكو، إذ إن إسرائيلي وأميركا تحاولان الضغط على روسيا، لأجل تحقيق ما تريده إسرائيل في سياق حماية مصالحها وحدودها، فيما تحاول موسكو توفير ذلك ولكن بدون اللجوء إلى أي حرب قد تلجأ إليها إسرائيل ضد حلفاء النظام السوري. وكذلك تستفيد روسيا من الضغوط الإسرائيلية لأجل الضغط على إيران وفرض ترتيبات معينة عليها.
يؤكد المتابعون أن مرحلة ما بعد داعش ستكون لطرد الجماعات الأجنبية المسلحة من سوريا. وقد يكون هذا ما يدفع الأميركيين لتسليف مزيد من الأوراق لروسيا في سوريا. وهذا ما يظهر حالياً، بأن موسكو وطهران وحلفاءهما يحققان تقدماً في سوريا، وتستفيدان من إنهاء داعش، لكنهم يعتبرون أن المرحلة المقبلة، ستشهد تقليص النفوذ الإيراني في سوريا. وهو ما سيتركز على تحريك بعض المجموعات المسلحة ضد إيران وحزب الله في عدد من المناطق.
هناك وجهة نظر تفيد بأنه لا يمكن الوصول إلى حلّ بدون اللجوء إلى حركة عسكرية كبرى، تمهّد لفرض الحلّ. وإذا لم يحصل ذلك فإن الأزمة ستبقى مفتوحة ولن تصل إلى أي نتيجة. كل هذا الكلام مؤجّل، وفق المطلعين، إلى ما بعد الحرب على داعش، أو على الأقل إلى أسابيع مقبلة. ولكن بموازاة ذلك، تكثر التحليلات عن أن إسرائيل لن تكون قادرة على السكوت على ما يجري، وبأنها قد تلجأ إلى توجيه ضربة قوية ضد حزب الله، بهدف تدمير بنيته التحتية. ويبحث الإسرائيليون كيفية أن تكون الضربة سريعة وخاطفة وموجعة، بدون أن تؤدي إلى حرب مفتوحة.